عندما لعب توم كروز دور البطولة في فيلم "Top Gun" عام 1986، لم يكن الأمر مجرد نجاح باهر في شباك التذاكر لفيلم عن قصة طيار أمريكي، بل كان بمثابة نعمة للجيش الأمريكي، وبالنسبة للبحرية الأمريكية كان الفيلم بمثابة فرصة لا تعوَّض للتجنيد.
فأقيمت محطات تجنيد عسكرية خارج دور السينما، لاصطياد الشباب المفعم بالأدرينالين بعد مشاهدة الفيلم، وارتفع الاهتمام بالانضمام للقوات المسلحة، ولا سيما البحرية والقوات الجوية في ذلك العام، بحسب تقديرات معهد البحرية الأمريكي بنسبة مذهلة بلغت 500%.
لذا لا تتفاجأ حين تعلم أن الجزء الثاني من الفيلم "Top Gun: Maverick"، الذي صدر عام 2022 تلقَّى دعماً غير مسبوق من وزارة الدفاع الأمريكية، على شكل معدات عسكرية، بما في ذلك الطائرات وحاملات الطائرات والأفراد والخبرة الفنية. بالتنسيق مع المكتب الإعلامي للترفيه في وزارة الدفاع، الذي يساعد صانعي الأفلام في سرد القصص العسكرية.
الموضوع ليس وليد اليوم، يقول غلين روبرتس، الرئيس السابق للمكتب الإعلامي للترفيه في وزارة الدفاع: "لقد كنا موجودين منذ ما يقرب من 100 عام، لقد ساعدنا بالفعل أول فيلم يفوز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم، كان اسم هذا الفيلم "Wings "، وهو فيلم درامي عام 1927 عن طياري مقاتلات في الحرب العالمية الأولى.
وقد قال روبرتس عن فيلم "Top Gun" عام 1986، "إنه حقاً أول ما يفكر فيه الناس عندما يفكرون في هذه الوظيفة"، والذي كان "أحد أكبر المشاريع التي دعمتها وزارة الدفاع على الإطلاق".
تبين أن فيلم "Top Gun" كان مؤثراً للغاية، لدرجة أنه وضع مخططاً لنوع جديد من الأفلام الرائجة: دمج قوة نجوم هوليوود مع القوة النارية للجيش الأمريكي. أطلق عليه البعض "المجمع العسكري الترفيهي".
لكل شيء ثمنه.. وتعاون الجيش الأمريكي لم يكن بالمجان
علاقة الجيش الأمريكي بالأفلام كان أعمق من مجرد فتح الأبواب أمام شركات الإنتاج، ولكن كان هناك مبالغ مالية يأخذها الجيش الأمريكي مقابل استخدام المعدات والأفراد، بل حتى يطالب الجيش بتعديلات على السيناريو وتعديل القصة.
ومطالبات الجيش وتعديلاته لا تتعلق بجعل الأفلام أكثر واقعية، ولكنها تتعلق بإنشاء صور إيجابية؛ تجعل الجيش يبدو أفضل مما هو عليه بالفعل؛ وجعل الجيش أكثر جاذبية للمجندين المحتملين ودافعي الضرائب وأعضاء الكونغرس.
كشفت مجلة "Time" عام 1986، أن وزارة الدفاع تسلمت 1.8 مليون دولار، من شركة إنتاج فيلم "Top Gun"، مقابل استخدام القاعدة الجوية، بالإضافة إلى أربع حاملات طائرات، وحوالي 20 طائرة من طراز F-14 و"F-5 Tigers" و "A-4 Skyhawks"، بالإضافة إلى طيارين حقيقيين من مدرسة "Top Gun" العسكرية لتعليم الطيران الحربي.
ويبقى المبلغ زهيداً، مقارنة بأسعار الطائرات البالغ ثمن الواحدة منها حوالي 38 مليون دولار.
تعديل السيناريو بما يناسب رؤية وزارة الدفاع شرط أساسي
تشترط وزارة الدفاع أحياناً على شركات الإنتاج تعديل تفاصيل السيناريو بما يتناسب مع ما تعتبره وزارة الدفاع الأمريكية، الرواية "الواقعية" للأحداث ولصورة الجيش الأمريكي في أذهان الجمهور.
وهناك أمثلة على ذلك، وافقت شركة إنتاج فيلم "Top Gun" عام 1986 على السماح بإجراء تغييرات على النص.
فغيروا مشهداً يموت فيه صديق شخصية "توم كروز" في الفيلم، وغيروا قصة الحب بين شخصية "توم كروز" وشخصية "تشارلي"، المدرَّبة في مدرسة الطيران في الفيلم.
فجعلوا شخصية "تشارلي" مدنية بدلاً من كونها أحد أفراد البحرية؛ لأن لوائح البحرية تمنع الضباط والأفراد المجندين من إقامة علاقات عاطفية.
وحدث الشيء نفسه مع فيلم "Iron Man"، في النص الأصلي للفيلم كانت شخصية "توني ستارك" ضد تجار الأسلحة، واشتكى من أن "التكنولوجيا التي يحاول إنقاذ الأرواح بها يتم تحويرها في بعض الأسلحة المدمِّرة حقاً".
ولكن في النسخة النهائية من الفيلم، ومقابل توفير الطائرات الحربية للفيلم أصبحت شخصية "ستارك"، تاجر أسلحة رئيسي للجيش الأمريكي والداعم للحرب.
في المقابل رفضت وزارة الدفاع عدة مرات طلبات للمخرج "أوليفر ستون" للمساعدة في فيلم "Platoon"، لم تكن القصة جذابة بالنسبة الجيش الأمريكي؛ لأنها صورت حالات تعاطي المخدرات والعنصرية والجنود وهم يقتلون المدنيين الفيتناميين.
صورة واقعية للجيش الأمريكي أم بروباغندا؟
في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست عام 2011، جادل الصحفي ديفيد سيروتا بأن فيلم "Top Gun" أطلق العنان لفيضان من الأفلام المؤيدة للحرب، وهو رأي يميل له أكاديميون كتبوا كتباً عن هذا الموضوع، والذين يعتقدون أن أي دعم من وزارة الدفاع على الإطلاق لصناعة الأفلام السينمائية هو بالضرورة بروباغندا.
والنتيجة هي ثقافة ترفيهية تم تزويرها لإنتاج عدد قليل نسبياً من الأفلام المناهضة للحرب وعشرات من الأفلام التي تمجِّد الجيش الأمريكي. مقابل كل فيلم حرب ناجح تم إنتاجه دون مساعدة البنتاغون، يحصل رواد السينما الأمريكيون على طوفان من العروض لأفلامٍ مؤيدة للحرب.
ونادراً ما يدرك الجمهور أنهم ربما يشاهدون البروباغندا المدعومة من الحكومة.