شهد المجتمع المصري جريمة مروعة بكل تفاصيلها؛ ذبح فتاة على يد زميل لها في الكلية نفسها أمام إحدى البوابات الرئيسية لجامعة المنصورة.
الأنباء أشارت إلى أن الشاب القاتل أحب الفتاة الضحية وحاول التودد إليها والتقدم لخطبتها، الأمر الذي رفضه أهلها، فما كان منه إلا أن قام بذبحها بدم بارد وهي متجهة لتأدية أحد امتحانات نهاية العام الدراسي الحالي.
على الرغم من بشاعة تلك الجريمة ومقدار الوقاحة بها؛ حيث ارتكب القاتل جريمته في وضح النهار، وأمام بوابة جامعية يستخدمها آلاف الطلاب يومياً، إلا أننا لا يمكن أن نقتطع تلك الجريمة عن الصورة العامة للمجتمع المصري في تلك الحقبة الزمنية، الصورة التي توضح مقدار العنف الظاهر والمتزايد يوماً بعد يوم في كل تفاصيل الحياة اليومية للمصريين.
أصبح من المتوقع أن تسمع يومياً وفي أي مكان، بداية من دور العبادة إلى المواصلات العامة، مروراً بالمستشفيات والبيوت، عن كمية مهولة من العنف اللفظي والجسدي، حتى الوصول لجرائم العنف.
فما هي أهم الأسباب التي تؤدي إلى انتشار جرائم العنف في المجتمع؟ وهل تحمل بعض القضايا بعداً جندرياً بسبب اختلاف الجنس؟ هذا ما نستعرضه في السطور القادمة.
العنف.. ما هو؟
يُعرف العنف، بحسب موسوعة علم النفس، على أنه "شكل متطرف من أشكال العدوان، مثل الاعتداء أو الاغتصاب أو القتل".
ما هي أهم الأسباب لانتشار العنف في المجتمعات؟
كما أوضح علم النفس مفهوم العنف، فإن أي اعتداء، سواء أكان لفظياً أم جسدياً هو شكل من أشكال العنف، وهذا ما نوضح كل أسبابه في النقاط التالية:
1- غياب الدور الفعال للأسرة
على الرغم من أننا نعيش في عصر انفتاح مكّن الكثير من الأمهات والآباء من متابعة مجالات التربية الكثيرة، ومعرفة كل الأخطاء التي وقع بها الأجيال السابقة، لكنني كأم يمكن أن أقول إن تربية الأبناء لم تعد سوى سباق ضاغط، يتسابق فيه الجميع ليشعر بأنه الأفضل، موجهين أعينهم تجاه الآخرين، ومتجاهلين تماماً الوجهة الصحيحة بالنظر إلى الأطفال وتربيتهم بطريقة صحيحة، ومعرفة ميول الطفل واحتياجاته الفكرية والنفسية، وبالتالي يشعر الطفل في كثير من الأحيان بانعدام تام في الثقة بالنفس وفقدان للهوية.
2- التفرقة داخل الأسرة
في المجتمعات العربية تتم تنشئة الأنثى على أنها أقل من الذكر، وأن أخاها وأباها وأبناء عمومتها مسؤولون عن كل ما تقترف، فينشأ الرجل على اعتقاد راسخ بأنه الأقوى والأقدر وصاحب القوامة، فكيف لفتاة أن تعترض عما يقوله أو ترفض رغبته في الاقتران بها وهو الرجل الذي يجب أن يطاع!
3- الفراغ
الفراغ عدو قاتل للإنسان، العمل والإنشغال يجعلان حياة الإنسان بها الكثير من التفاصيل، فينشغل الشخص عما يضايقه بحدث مبهج في جانب آخر من حياته، أما الفراغ فيجعل الشخص ينظر إلى أمر واحد في حياته، مثل حب فتاة لشاب أو العكس، على أنه المنفذ الوحيد للحياة، فلا يقبل أي فشل فيه؛ ما يدفعه للعنف في سبيل تحقيقه.
4- العنف الأسري
اعتماد لغة العنف بداخل الأسرة، بداية من الصوت العالي بشكل مستمر، حتى العنف اللفظي، ووصولاً إلى العنف الجسدي، تجعل الطفل ينشأ على أن العنف شيء طبيعي ومقبول ويمكن التعامل معه، بل إنه جزء أصيل من الحياة اليومية.
5- غياب الدين
لا أقصد غياب الكتب المقدسة، بالطبع فالقرآن والإنجيل يملآن الأرفف المصرية في كل بيت، ولا يوجد مسلم أو مسيحي لا يحفظ بعضاً من كتابه المقدس، لكن الغياب الفعلي والعملي لشرح الأخلاق التي تحث عليها الديانات، والوصول إلى عمق الدين وفهمه الصحيح، وتطبيق مفاهيمه في كافة جوانب الحياة.
وهنا يجب الانتباه إلى دور الدولة في توفير معلمين للديانات على دراية تامة بها لتعليم الأطفال في المدارس منذ الصغر، واختيار رجال الدين على أسس صحيحة بعيدة عن التعصب حتى يتمكنوا من نقل التعاليم الدينية الصحيحة التي تدعو للتسامح والبعد عن العنف.
6- انعدام الثقافة
بالفعل تمتلئ الأرصفة بالكتب، وتوجد مئات المواقع التي يمكن تحميل الكتب منها عبر الشبكة العنكبوتية، سواء بطريقة شرعية أم غير شرعية، ولكننا نسأل عن المحتوى الثقافي الفعلي لتلك الكتب، خاصة الكتب التي انتشرت في العقد الأخير، والتي لا تقدم في حقيقة الأمر أي محتوى سوى كتابة ركيكة ومشاهد فارغة غالباً تحتوي على عنف.
7- انتشار المخدرات
يرتبط معدل الجريمة في كل مجتمع بمدى انتشار المخدرات بين شبابه، فالمخدر يعني بصورة بسيطة غياب العقل وعدم قدرة الشخص على التفكير والتمييز بين ما هو مقبول وما هو غير جائز، كما أن أي مخدر يجعل الشخص في حالة من الهياج تجعله في حالة تأهب دائم لأي فعل، وغالباً ما يكون الرد على أي فعل بصورة عنيفة للغاية يمكن أن تصل إلى ارتكاب جريمة.
8- الأمراض النفسية والعقلية
ما زلنا نعاني من الوصمة التي يعاني منها صاحب أي مرض نفسي أو عقلي، هو وكل أفراد أسرته، فحتى إن تعرض الشخص لمشكلة نفسية وود التعامل معها بالذهاب إلى مختص؛ فإن الضغط المجتمعي يواجهه؛ ما يجعل الكثيرين يعزفون عن اللجوء للأطباء، ما يضعهم في حالة نفسية وعقلية غير مستقرة.
9- الفن
لا يمكن أن نناقش أسباب العنف دون أن نحدد الفن من بينها، فالمسلسلات التي تظهر البطل على أنه شخص بلطجي، يأخذ حقه بذراعيه دون اللجوء لقانون، ومع ذلك يحبه الجميع؛ فهو "جدع وابن بلد وبيعرف يجيب حقه"، حتى ولو تم الحصول على ذلك الحق بالضرب والعنف والإساءات التي لا حصر لها، ولكنه في النهاية البطل.
وهنا أود أن أرد على شبهة "هل مشاهدة مشهد عنف في فيلم أو مسلسل يمكن أن يعرّض المشاهد لأن يرتكب جريمة؟"، الإجابة، في رأيي، نعم! إن ترسيخ العنف في العقل واعتياد مشاهدته يجعله شيئاً مألوفاً؛ خاصة لدى المراهقين والأشخاص الذين لديهم ميل للعنف.
10- الأصدقاء
لا شيء يؤثر في الإنسان بعد أهله إلا أصدقاؤه، يتأثر الشخص برأي أصدقائه ويطلب رأيهم فيه وفي تصرفاته، ويمكن لشخص أن يرتكب جريمة كاملة بسبب صديق له، مثلاً قد يحفز الصديق صديقه تجاه فتاة لأنها رفضت الارتباط به.
تعامل المجتمع المصري مع حادثة فتاة المنصورة
على الرغم من أنني عندما بدأت الكتابة اتخذت قراراً بأن تكون المناقشة عن موضوع العنف بشكل عام، إلا أنني لا أستطيع إلا أن أوضح أن طريقة التعامل مع حادثة فتاة المنصورة، رحمها الله وصبر ذويها، هي سبب من أسباب انتشار الجريمة في المجتمع.
للأسف منذ الجريمة بدأ البعض في التغريد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، باحثين عن دوافع للجريمة وملتمسين أعذاراً للقاتل، معللين ذلك بملابس الفتاة والبحث عن أسباب رفضها الارتباط به وغيرها من الأسباب التي توضح خللاً عاماً في التفكير لدى شريحة كبيرة من الشباب.
الخلل الذي يعكس اعتقاداً راسخاً بأن الفتاة دائماً على خطأ، وأنها هي من دفعت الرجل لارتكاب أي جرم بحقها، حتى ولو كان قتلها، وهو الأمر الذي لا يمكن أن ننحيه عن نظرة المجتمع للمرأة وتعامله معها على أنها عنصر أقل في المجتمع، والدليل وتيرة العنف التي تتزايد يوماً بعد يوم ضد المرأة.
تأثير نشر الجرائم على الصحة النفسية
في الواقع، إن نشر الجرائم لم يعد خياراً، سواء وافقنا أم رفضنا؛ ففي عصر انتشار السوشيال ميديا لا يمكنك أن تمنع نشرها، لكن يمكنك أن تحافظ على صحتك النفسية باتباع التالي:
1- حدد أوقاتاً معينة لمتابعة الأخبار، فلا تتابعها على مدار اليوم فيفسد يومك بالكامل.
2- حاول الابتعاد عن أي مشاهد عنف، فلا تشاهد الفيديوهات التي تنقل تفاصيل أي جريمة.
3- انظر لدورك لمنع تكرار الجريمة، فإن كنت رب أسرة انظر لما عليك فعله مع أولادك، وإن كنت مسؤولاً فابحث عن طرق فعالة لمواجهة الجرائم.
في النهاية؛ إن العنف وانتشار الجرائم يعكس مستوى الأمن في كل وطن، وانعدام الأمن يعني انحدار المجتمع في كل مجالات الحياة للدرجة التي لا يعلمها إلا الله.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.