في أواخر عام 2021 انتشر خبر يبدو غريباً بعض الشيء، عن إلقاء السلطات الكردية في العراق القبض على مجموعة من 72 فرداً من اليهود المتشددين من طائفة "الحريديم"، تطلق على نفسها اسم "ليف طاهور"، أو "القلب الطاهر"، كانوا قد سافروا من دول عدة إلى محافظة أربيل في العراق، في محاولة منهم للسفر بعد ذلك إلى إيران لطلب اللجوء، هروباً من اضطهاد الحكومة الإسرائيلية لهم، بحسب ادعائهم.
لكن السلطات في أربيل أعادتهم الى تركيا، وبقوا في مطار إسطنبول لمدة 3 أيام، ثم قرروا الذهاب إلى رومانيا بعد ذلك. ومع أن أفراد الطائفة كلهم حول العالم لا يتجاوزون 300 شخص، لكنهم يتصدرون الأخبار العالمية كل فترة، وتطاردهم بعض حكومات الدول عبر القارات.
نساؤهم يرتدين البرقع الأسود، ويطلَق عليهم اسم "طالبان اليهود"
تأسست الطائفة في القدس عام 1988 على يد الحاخام الإسرائيلي "شلومو هيلبرانس". كان "هيلبرانس" ينتمي لطائفة الحريديم من اليهود الأرثوذكس المعروفين بتشددهم.
لكن "هيلبرانس" اعتبر الحريديم متساهلين في تطبيق الشريعة اليهودية، لذلك وضع تفسيراته الخاصة، فطالب النساء أن يغطين أنفسهن من الرأس إلى أخمص القدمين في لباس يشبه البرقع، ومن هنا أطلقت عليهم بعض الصحف لقب "طالبان اليهود".
بدأ "هيلبرانس" في جذب الأتباع، معظمهم من اليهود العلمانيين الذين تحولوا إلى نمط الحياة الأرثوذكسي المتطرف. بحلول نهاية الثمانينيات كان "هيلبرانس" يبشر بتدمير دولة إسرائيل الشريرة على حسب وصفه، بناءً على نبوءات كتابية، ولأنها لا تطبق شريعة التوراة.
بالنسبة للطعام كان أفراد تلك الجماعة يتبعون قواعد أشد صرامة من قواعد الأكل وفق التعاليم اليهودية، فهم يصنعون طعامهم بالكامل في البيت بقدر استطاعتهم؛ لضمان أنه لا يخالف القواعد الدينية اليهودية بأي شكل من الأشكال.
ولا يأكلون بيض الدجاج أو الدجاج، الذي يعتبرونه، مثل بعض الطوائف الأخرى المتطرفة، غير متوافق مع الشريعة اليهودية، بسبب التلاعب الجيني، ولأن طيور الدجاج اليوم ليست كما "صنعها الرب".
فيما يتعلق باللحوم، فهم لا يأكلون إلا الحيوانات المذبوحة تحت إشراف شخصي من قبل رجال الدين المنتمين للطائفة، ولا يأكلون قشور الخضار بأنواعها، خشية أن تحتوي على مخلوقات مجهرية، ويتجنبون الأرز خوفاً من وجود الحشرات الصغيرة فيه، والتي تعتبر محرمة في الشريعة اليهودية، وتلك الخضراوات قد تغسل لساعات، لضمان "طهارتها".
أما صلاتهم فهي أطول وأعلى صوتاً من تلك الموجودة في الطوائف اليهودية الأخرى، وقد تستمر الصلاة الواحدة لساعات.
"اتهامات" بالتعاون مع المنظمات الإسلامية والسفر إلى خارج إسرائيل
في عام 1990 انتقل "هيلبرانس" مع بضع عشرات من أتباعه من طلاب المدارس الدينية إلى نيويورك، وهناك أسس مدرسة دينية صغيرة، ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية في ذلك الوقت أن سبب مغادرته كان التحقيق في اتصالاته المزعومة مع "المنظمات الإسلامية" المعادية لإسرائيل.
ولكن بعدها بأربع سنوات وبعد ملاحقات وضغوط من بعض أفراد عائلات أتباعه في إسرائيل، أُلقي القبض عليه بتهمة اختطاف أحد الصبية الذين كانوا يدرسون في مدرسته الدينية، كان "هيلبرانس" قد أقنع الصبي بأن يصبح من أتباعه، وأن يقطع العلاقات مع عائلته.
سُجن "هيلبرانس" على إثرها لمدة سنتين في الولايات المتحدة، وبعد خروجه من السجن واجه ضغوطاً من اليهود الأرثوذكس المتشددين في الولايات المتحدة، فهاجر مع أتباعه الى كندا في عام 2000، وحصل مع أتباعه على حق اللجوء السياسي، بموجب قانون الهجرة وحماية اللاجئين الكندي، والذي ادعى أنه ينطبق عليه بسبب الاضطهاد من قبل السلطات الإسرائيلية التي تطارده بسبب تعاليمه المناهضة للصهيونية.
في كندا أسست الطائفة مجتمعها الخاص، ولكن لم يدم استقرارهم طويلاً، بعد انشقاق بعض أتباع الطائفة وادعائهم تعرضهم لانتهاكات جسدية ونفسية، خاصة بين الأطفال والنساء.
وبعد تحقيق السلطات الكندية عام 2013 في قضايا زواج الأطفال داخل المجموعة، أودعت خدمات حماية الطفل في مقاطعة كيبيك عدداً من الأطفال في دور الرعاية الحكومية.
الهجرة الى غواتيمالا واختبارات للإيمان قد تصل إلى حد الموت
بعد التحقيقات والملاحقات من قبل السلطات الكندية، قرر أتباع الطائفة الهجرة مرة أخرى هذه المرة الى غواتيمالا، وهناك عاشوا في مجتمع مغلق خوفاً من تدخلات الحكومة في طريقة عيشهم، ولم يَسمح قادة الطائفة لأحد من أفرادها بالتواصل مع العالم الخارجي.
زادت الأمور سوءاً بعد وفاة "هيلبرانس" عام 2017، فأصبح قادة الطائفة أكثر تشدداً، بحسب تصريح أحد أتباع الطائفة المنشقين: "كانت هناك امرأة تعاني من حساسية من بذور السمسم، وأراد الحاخام اختبار إيمانها، وطلب منها أن تأكل بذور السمسم، أخبرته أنها يمكن أن تموت، لكن بعد الجدال، أمرها الحاخام بأكل البذور على أي حال".
بعد ساعتين ماتت المرأة بسبب المضاعفات وردة فعل الحساسية من بذور السمسم، ولم يسمحوا لها باستدعاء سيارة إسعاف، ولم يريدوا دفنها؛ لأنهم قالوا إنها ستعيش مرة أخرى وسوف تستيقظ، لكن بعد الرابعة صباحاً، دفنوها أخيراً، وقال الحاخام إنها ماتت لأنها ليست مؤمنة".
مبايعة المرشد الأعلى "علي خامنئي" وطلب اللجوء إلى إيران
بعد تلك الحوادث وضغوطات من الحكومة الإسرائيلية وإلقاء القبض على بعض قادة الجماعة ومحاكمتهم في الولايات المتحدة بتهم استغلال الأطفال، طلب قادة الطائفة حق اللجوء من إيران عام 2018.
وأظهرت وثائق قدمها أفراد سابقون في الجماعة لمحكمة فيدرالية أمريكية عام 2019، أن قادة الطائفة أقسموا على الولاء للمرشد الأعلى آية الله "علي خامنئي".
ولم يكن من المعروف ما إذا كانت السلطات الإيرانية تعتزم الترحيب بالجماعة أم لا، لكن مجموعة منهم سافرت بالفعل في أواخر 2021 إلى شمال العراق، في طريقها إلى إيران، ولم تفلح في تحقيق ذلك؛ لأنهم رُحلوا الى إسطنبول، وطردوا من العراق ومن تركيا.
الأمر الذي أثار سخطاً إعلامياً إسرائيلياً حينها، مع تكهنات حول ما سيحدث لهم، وأعرب البعض عن قلقهم من أنهم يمكن أن يصبحوا أوراق مساومة بيد الحكومة الإيرانية.
اليوم ينتشر أفراد تلك الطائفة في بقاع الأرض، بين مقدونيا وغواتيمالا ورومانيا وكندا والولايات المتحدة، و كانت مجموعة منهم تعيش في البوسنة، لكن السلطات البوسنية طردتهم في فبراير/شباط 2022، رغم تصريح وزير حقوق الإنسان واللاجئين البوسني "ميلوس لوسيتش" أنهم لم يرتكبوا أية مخالفة.
واليوم لا يزال أفراد من هذه الطائفة يبحثون عن وطن يؤويهم، ويدَّعون أن السلطات الاسرائيلة لن تتركهم بسلام أينما ذهبوا.