سيكتب التاريخ أنه في عام 2022 أصبح الصحفيون في أنحاء العالم يعملون تحت "أسوأ ظروف مهنية منذ الحرب العالمية الثانية".
وأنه في عام 2022 أصبحت شعوب العالم تعاني أعلى درجات الاستقطاب السياسي داخلياً، والصراع مع شعوب وأيديولوجيات وأعراق أخرى خارجياً.
وفي عام 2022 أصبح الفضاء الرقمي معولماً وغير منظم، إلى درجة بات يشكل معها أرضاً خصبة لانتشار المعلومات الكاذبة والدعاية عبر مواقع التواصل المراوغة، أو حتى المواقع التي تصف نفسها بأنها خبرية ورصينة.
وفي 2022 تحرك مؤشر الحريات الصحفية العربية إلى الأسوأ.
الخطر يقترب من العالم ومن منطقتنا.
شهد 85% من سكان العالم انخفاضاً في حرية الصحافة في بلادهم خلال السنوات الخمس الماضية، حسب تقرير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو".
وخضع صحفيون لكثير من الأدوات الرقمية التي تهدد سلامتهم ونزاهتهم ومصادرهم. وتعرّض آخرون للتحرش عبر الإنترنت والمراقبة الجماعية المحددة الأهداف.
وتُظهر بيانات لجنة حماية الصحفيين أن مئات الصحفيين سُجنوا في عام 2021، وسجلوا أعلى عدد ضحايا سنوي في ثلاثة عقود.
غياب حرية الصحافة أزمة عربية مزمنة، لكنها أزمة عالمية في السنوات الأخيرة، في ظل "الوحوش" التي تتنافس على التهام الصحافة، من النظم السياسية القمعية، إلى ضغوط المُعلنين وجماعات المصالح، وأخيراً الوحش الذي يلقف كل ما يجده في وجهه: إعلانات جوجل وميتا (فيسبوك).
هذا التقرير يستعرض واقع حرية الصحافة في 2022 بنظرة عامة على أوضاعها في العالم وفي المنطقة العربية بشكل خاص.
التضييق على الصحافة العالمية في السنوات الأخيرة
نستطيع الآن أن نلمس بأيدينا الآثار الكارثية لفوضى المعلومات في عام 2022.
أصبح الفضاء الرقمي معولماً وغير منظم، وأرضاً خصبة لانتشار المعلومات الكاذبة والدعاية.
على الصعيد المحلي في المجتمعات الديمقراطية، أدى تطور نموذج "فوكس نيوز" الإعلامي وتنامي سُبل التضليل إلى اتساع رقعة الانقسامات، في سياق يطغى عليه تأثير منصات التواصل الاجتماعي.
وعلى الصعيد الدولي تشهد الديمقراطية تراجعاً ملحوظاً في ظل عدم التناسق بين المجتمعات المنفتحة من جهة، والأنظمة الاستبدادية التي تتحكم في وسائل الإعلام ومنصاتها من جهة أخرى. وعلى كلا المستويين.
يُعتبر هذا الاستقطاب المزدوج عاملاً من عوامل إذكاء التوترات والنعرات.
المعروف أن فوكس نيوز foxnews تميل إلى الترويج للأفكار المحافظة، وأنها تفضل الحزب الجمهوري، ولديها قائمة طويلة من حالات تحريف الحقائق وتزوير الوقائع لتحقيق أهداف سياسية.
فيديو 1.21 دقيقة من يونيسكو: الصحافة منفعة عامة
الإنترنت كان النعمة والنقمة على مهنية الإعلام
في بداية ظهور الإنترنت احتفل أبناء مهنة الصحافة بالآفاق المفتوحة التي تمنحها الشبكة العنكبوتية لحرية الكلمة والمعلومة، بعيداً عن قبضة الرقابة وحكومات الاستبداد.
هكذا تخيلنا وقتها..
وبالفعل أتاح الإنترنت ووسائل الإعلام الرقمي كثيراً من الحريات، وقدم بديلاً عملياً للصحفيين المستقلين الساعين للعمل في منصات مستقلة بعيدة عن المؤسسات الإعلامية المملوكة للحكومات أو لجهات تجارية.
نعم، تصاعدت حرية الرأي والتعبير عبر الإعلام الرقمي بين عامي 2008 و2013، لكن مهلاً: تراجعت بعد ذلك في نحو 66 دولة.
وأرجعت منظمة سكاي لاين الدولية هذا التراجع الكبير إلى الإجراءات القمعية التي اتخذتها الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال السنوات الماضية مع اندلاع ما يُعرف بالربيع العربي.
منطقتنا العربية كانت في مقدمة السباق نحو إغلاق نوافذ النور والحرية في الإنترنت.
فمثلاً، حجبت مصر وتونس مواقع التواصل الاجتماعي لفترة أثناء انتفاضات الربيع العربي، وقطعت مصر خدمة الإنترنت عن البلاد في يناير/كانون الثاني 2011 لمدة ثلاثة أيام.
وفي عام 2017، حجبت السلطات المصرية 500 موقع إلكتروني واعتقلت عدداً من العاملين في هذه المواقع لعدم حصولهم على تراخيص.
وهكذا فإن "القيود التي تفرضها بعض الدول العربية ما زالت تشكل حائلاً دون حرية التعبير، سواء جراء ملاحقة الصحفيين وغيرهم، أو لحجب المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل"، حسب تقرير الاتحاد الدولي للصحفيين في بداية 2020.
ولكن ذلك لا يعني بالضرورة إمكانية التعتيم الإعلامي الكامل.
خطر الملاحقة يقع بالتأكيد على الصحفيين المقيمين في داخل هذه الدول "لكن يمكن مثلاً لشخص مقيم في أوروبا أن يطلق موقعاً إلكترونياً يناقش الأوضاع في أي من دول المنطقة. ويمكن للجمهور كذلك التحايل على فكرة الحجب، مقارنة بالإعلام التقليدي الذي تكون فيه الضوابط أشد".
يبقى الأمل للصحفي في ممارسة حريته أن يكون خارج بلده، و"يتكلم على راحته"، كما أن فكرة الحريات "غير مرتبطة بنوع الوسيط، سواء كان رقمياً أو مطبوعاً، بقدر ارتباطها بالتغيرات السياسية. ويفترض أن الإعلام الرقمي ومواقع التواصل يعطيان حرية أكبر، وهو أمر صحيح على المستوى التقني"، كما تشير الصحفية والباحثة نهلة الشهال رئيسة تحرير موقع السفير العربي الإلكتروني.
إن التكنولوجيا الرقمية تخلق قنوات جديدة للقمع وسوء المعاملة، كما يلخص الأمين العام للأمم المتحدة ما فعله الإنترنت بالمهنة العريق.
كذلك، تمنع أعمال القرصنة والمراقبة غير القانونية الصحفيين من القيام بعملهم.
والنتيجة حرمان الناس والمجتمعات من القدرة على التمييز بين الحقيقة والخيال، "إضافة إلى إمكانية التلاعب بهم بطرق مروّعة".