"لست ممثلاً لإسرائيل في الأراضي الفلسطينية؛ لكننا نلجأ إلى التنسيق معها، لنتوصل إلى حل سياسي لإنهاء الاحتلال"، بهذه الكلمات دافع حسين الشيخ، المسؤول الفلسطيني الذي ينظر له كخليفة محتمل للرئيس محمود عباس، عن اتصالاته بإسرائيل التي تجعله شخصاً مهماً للغاية لدى الفلسطينيين، ولكن ليس محبوباً بالضرورة.
فحسين الشيخ هو رئيس هيئة الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية، وهي الهيئة التي تُستخرج منها التصاريح الإسرائيلية، ومساعد مقرب لعباس البالغ من العمر 86 عاماً، ويعتقد أنه يجري تحضيره لخلافة الرئيس الفلسطيني.
وقال حسين الشيخ، بصفته المسؤول عن التعامل مع إسرائيل، إنه لا يوجد خيار سوى التعاون لتلبية الاحتياجات الأساسية للفلسطينيين.
و يعتبر الشيخ وسيطاً مباشراً بين رئيس السلطة والإدارات الأمريكية والدولية، إذ يشارك بجانب الرئيس ومدير جهاز المخابرات العامة اللواء ماجد فرج بكل الاجتماعات واللقاءات مع القادة والسفراء الأجانب، ويشكلون بذلك مثلث صنع القرار الفلسطيني.
عباس يعين حسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير
وقد سطع نجم الشيخ الشهر الماضي، بعد أن عينه الرئيس عباس أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وهذا التعيين أثار تكهنات بأن الشيخ يجري إعداده لتولي منصب رئيس السلطة الفلسطينية.
ولكن قرار تعيينه جلب أيضاً مزيداً من الانتقادات لعباس، الذي لم يجر انتخابات على مستوى البلاد منذ عام 2006، بأنه مستبد ويتجاهل رغبات شعبه مرة أخرى، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.
وامتنع الشيخ (61 عاماً) عن تأكيد مسألة خلافته لعباس من عدمها، وقال إن الرئيس المقبل لا بد من اختياره من خلال الانتخابات.
وقال: "لا يمكن أن يأتي الرئيس الفلسطيني بالتعيين، أو أن يتولى السلطة بالقوة، أو أن يأتي لتحقيق مصلحة إقليمية أو دولية، أو على متن دبابة إسرائيلية".
ودافع حسين الشيخ، في مقابلة مع وكالة Associated Press الأمريكية، يوم الإثنين 13 يونيو/حزيران، عن القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية، قائلاً إنها تبذل ما بوسعها في هذه الظروف الصعبة التي يفرضها الاحتلال العسكري الإسرائيلي منذ 55 عاماً.
ينتقد الإسرائيليين ولكنهم يعتبرونه طرفاً إيجابياً
وشكا الشيخ من أن حكومة إسرائيل خاضعة للقوميين اليمينيين، ورئيس وزرائها معارض لإقامة دولة فلسطينية.. والمستوطنات تتوسع، والفلسطينيون يُهجّرون قسراً، والولايات المتحدة وأوروبا عاجزتان عن منع ذلك.
وقال حسين الشيخ لدى سؤاله عن تهديد عباس بقطع العلاقات الأمنية أو حتى سحب الاعتراف بإسرائيل، الذي يعد من أسس اتفاقيات أوسلو التي أبرمت في التسعينيات: "القيادة الفلسطينية على وشك اتخاذ قرارات مهمة وصعبة. وليس لدينا شريك في إسرائيل، فهم لا يريدون حل الدولتين، ولا يريدون التفاوض".
لكن الإسرائيليين لا يتوقفون عن الاجتماع بالشيخ، رغم انتقاداته هذه، حيث يلتقي بكبار المسؤولين الإسرائيليين في أحيان كثيرة أكثر من أي فلسطيني آخر بسبب منصبه.
يقول مايكل ميلشتين، الخبير الإسرائيلي في الشؤون الفلسطينية، إن المسؤولين الإسرائيليين يعتبرونه "طرفاً إيجابياً جداً في الساحة الفلسطينية".
وقال: "علاقاته الوثيقة مع إسرائيل تجعله قادراً على تحقيق أشياء إيجابية كثيرة للشعب الفلسطيني، مثل التصاريح ومشاريع التنمية. لكن معظم الفلسطينيين لا يقبلون صورة كهذه لزعيم فلسطيني يكون في الواقع هو من يخدم مصلحة إسرائيل".
صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، وصفت في تقرير لها حسين الشيخ بـ "الرجل النبيل في رام الله"، ونقلت عن دبلوماسي غربي سبق والتقى بالشيخ قوله إن "الشيخ رجل فلسطيني حقيقي، وهو نوع من الفلسطينيين يمكن للإسرائيليين والأمريكيين التعامل معه".
تل أبيب تفضل الشيخ لأن له مواقف متشددة من حماس
أحد أسباب قبول الإسرائيليين للشيخ كمرشح لخلافة أبو مازن أنه يتبنى موقفاً متشدداً من ضرورة الحفاظ على التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية والإسرائيلية لمواجهة خصوم إسرائيل في الساحة الفلسطينية وأبرزهم حركتا حماس والجهاد الإسلامي، حسبما قال سعيد بشارات، رئيس تحرير شبكة الهدهد الإخبارية في تقرير سابق لـ"عربي بوست".
هذا الموقف يأتي على النقيض من السياسة التي يتبناها منافسا الشيخ على خلافة عباس، جبريل الرجوب ومحمود العالول، اللذان يؤمنان بالشراكة الوطنية.
ونقلت صحيفة جيروزاليم بوست، عن وزير سابق في السلطة الفلسطينية قوله إن "عباس لا يحب السفر إلى أي مكان دون حسين الشيخ وماجد فرج، رئيس المخابرات العامة الفلسطينية. لقد خلق الرئيس عباس الانطباع بأن هذين هما الرجلان الوحيدان اللذان يثق بهما".
ولكن يعتقد أن تعيين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لحركة فتح قوبل بانتقادات واسعة حتى من القادة المقربين لعباس.
من ثائر وأسير إلى المنسق الأكبر مع إسرائيل
ومسيرة الشيخ المهنية تشبه مسيرة جيله من القادة الفلسطينيين، فهم ثوار طموحون حولتهم اتفاقيات السلام الفاشلة المستمرة منذ عقود إلى سماسرة سلطة، حسب وصف صحيفة The Independent.
تقول سيرة الشيخ الذاتية الرسمية إن إسرائيل اعتقلته من عام 1978 إلى عام 1989، وإنه شارك في الانتفاضة الأولى على الحكم الإسرائيلي فور إطلاق سراحه. وبعد حصول الفلسطينيين على حكم ذاتي محدود في غزة وأجزاء من الضفة الغربية المحتلة بعد اتفاقيات أوسلو عام 1993، انضم الشيخ إلى قوات الأمن الناشئة، وترقى إلى رتبة عقيد. ويقول إنه كان مطلوباً خلال الانتفاضة الثانية الأشد عنفاً أوائل الألفينات.
وهو عضو في حركة فتح التي أسسها ياسر عرفات أواخر الخمسينيات. وتسيطر اليوم على منظمة التحرير الفلسطينية، التي من المفترض أن تمثل جميع الفلسطينيين، ولكن واقعياً تستبعد المنظمة حركة الجهاد وكذلك حماس التي تحكم غزة وسبق أن فازت بالأغلبية في آخر انتخابات تشريعية.
وتدير السلطة الفلسطينية أجزاء من الضفة الغربية وتتعاون مع إسرائيل أمنياً، فيما لا تعترف حماس والجهاد بإسرائيل.
وعباس الذي انتخب عام 2005 بعد وفاة عرفات يعارض الكفاح المسلح وملتزم بحل الدولتين، عكس عرفات الذي يعتقد أنه رغم أنه الذي دشن عملية السلام، فإنه لم يكن يمانع أحياناً من اللجوء للمقاومة.
ولكن خلال السنوات الـ17 التي قضاها عباس في السلطة، أصبحت عملية السلام ذكرى بعيدة، وانقسم الفلسطينيون سياسياً وجغرافياً بسبب خلاف فتح مع حماس، وأصبحت شعبية السلطة الفلسطينية في تراجع مستمر، حسب الصحيفة البريطانية.
تقول ديانا بوتو، المحامية الفلسطينية التي كانت تعمل مستشارة لدى السلطة الفلسطينية، إن عباس يرى أن "مستقبل الشعب الفلسطيني مرتبط به كفرد"، وإنه يحيط نفسه بموالين لن يعارضوه.
عباس ألغى الانتخابات، واستطلاعات الرأي تفيد بأنه قد يهزم بها
منذ الانقسام الفلسطيني بين الضفة وغزة الذي حدث إثر فوز حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006، وأعقبه تشكيلها لحكومة تعرضت لحصار دولي ومضايقات من السلطة الفلسطينية، لم تجر أي انتخابات تشريعية فلسطينية.
وبعد 15 عاماً على آخر انتخابات تشريعية اتفق الفلسطينيون على إجراء انتخابات في مايو/أيار 2021، وتوقع كثيرون أن تتعرض فيها حركة فتح لهزيمة مذلة.
ولكن عباس ألغاها قبل إجرائها بشهر واحد، وقال إنه سيؤجل الانتخابات إلى أن تسمح إسرائيل صراحة بالتصويت في كامل القدس الشرقية. ولكن لا يحتاج سوى عدد محدود من الناخبين في المدينة إلى إذن إسرائيلي، والسلطة الفلسطينية رفضت دراسة حلول بديلة.
وقال الشيخ: "لو كان ثمن الانتخابات هو أن أتنازل عن القدس، فهذا مستحيل. ولن تجد فلسطينياً واحداً يقبل بذلك".
وينظر الكثيرون لموقف السلطة الفلسطينية بأنه صحيح من وجهة نظر وطنية، ولكنهم يرون أيضاَ أن أحد أسباب اتخاذ عباس لقرار الإلغاء أو التأجيل لأجل غير مسمى بأنه يخشى هزيمة فتح وتغيير القيادة الحالية، وبالتالي القرار سيؤدي إلى استمرار السلطة لسنوات مقبلة.
وانتقدت حركة حماس تأجيل الانتخابات، والتي كانت يعتقد أنها لن تشهد فقط منافسة كبيرة بين حماس وفتح، ولكن أيضاً منافسة من قبل تيارات منبثقة ومنشقة عن فتح.
وكان تيار محمد دحلان، أحد أبرز معارضي عباس المنشق عن حركة فتح والذي يعيش في الإمارات، يستعد لخوض الانتخابات، وينظر له أيضاً على أنه مقرب لإسرائيل إضافة إلى القاهرة وأبوظبي، وتحدثت تقارير عن احتمال تحالفه مع ناصر القدوة ابن شقيقة الزعيم ياسر عرفات، فيما ينظر القيادي بحركة فتح مروان البرغوثي المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة من قبل إسرائيل بأنه أكثر قادة الحركة شعبية.
وأظهر استطلاع للرأي أجري في مارس/آذار الماضي أن رئيس المكتب التنفيذي لحماس إسماعيل هنية سوف يفوز على عباس أو مرشح فتحاوي آخر في أي انتخابات رئاسية على الأرجح، بينما قد يفوز البرغوثي إذا ترشح أمام هنية، مما يجعله المرشح الفتحاوي الوحيد المؤهل لهزيمة حماس في أي انتخابات.
وهذا يعني أن فرص حسين الشيخ قد تكون ضعيفة للفوز بأي انتخابات نزيهة.
وحاول تهميش البرغوثي
وقبل يومين من إغلاق باب الترشح للانتخابات العام الماضي، تراجع البرغوثي عن اتفاق مع حسين الشيخ الذي زاره في سجن هداريم الإسرائيلي، وتوصل معه إلى اتفاق على أهمية خوض "فتح" للانتخابات بقائمة واحدة.
وجاء تراجع البرغوثي في ظل "عدم التزام الرئيس عباس الذي يتزعم حركة فتح بقائمة أسماء رفعها البرغوثي إلى قيادة الحركة"، وتوجه البرغوثي للتحالف مع القدوة، الأمر الذي أثار قلق عباس من التعرض لهزيمة كبرى، ولذا يبدو أنه سارع بإلغاء الانتخابات بحجة رفض إسرائيل تصويت الفلسطينيين بالقدس.
يقول ديمتري ديلياني، العضو البارز في فتح الذي يدعم فصيلاً مناهضاً لعباس، إنه لا أحد من الدائرة المقربة من الرئيس يمكن انتخابه، وأشار إلى استطلاعات الرأي الأخيرة التي أظهرت أن ما يقرب من 80% من الفلسطينيين يريدون رحيل عباس.
ووصف ديلياني الشيخ بأنه "شخص نشيط وذكي" وبراغماتي يغتنم الفرص، ولكنه أيضاً قصير النظر. وقال ديلياني: "أبو مازن سفينة تغرق ومن كان على ظهرها يغرق معه".
ولكن حسين الشيخ مهم لأي فلسطيني
على أن الشيخ يتمتع بسلطة فريدة قد تكون أهم من صلاحيته للانتخاب، وهي استخراج التصاريح الإسرائيلية.
فهو المسؤول عن الهيئة العامة للشؤون المدنية منذ عام 2007. وهي الهيئة التي يتعين على الفلسطينيين اللجوء إليها لو أرادوا دخول إسرائيل للعمل أو الزيارات العائلية أو الرعاية الطبية، أو لاستيراد أو تصدير أي شيء، أو للحصول على بطاقات الهوية الوطنية.
تقول تهاني مصطفى، المحللة الفلسطينية في مجموعة الأزمات الدولية: "لو احتجت إلى أي شيء، أي شيء فعلياً، في فلسطين، فعليك أن تذهب إليه. وهو مكروه بشدة من الفلسطينيين، لكنه أيضاً مطلوب لهذا السبب".
وقالت: "لو أن خليفة عباس جاء من خلال القنوات الشرعية، فلن يصمد حسين الشيخ أمام تصويت شعبي. ولو فُرض هذا النوع من القيادة على الفلسطينيين، فسيواجه معارضة بكل تأكيد".
ويقول الشيخ إنه لا بديل عن التنسيق، وقال إن "حركة الفلسطينيين والمعابر والحدود كلها تحت السيطرة الإسرائيلية، وأنا في سُلطة تحت الاحتلال".