محجوزون داخل بلادهم.. لبنانيون عاجزون عن استخراج جواز سفر والسبب: لا يوجد ورق

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/14 الساعة 12:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/14 الساعة 13:46 بتوقيت غرينتش
استخراج جواز سفر لبناني

في ظل الأوضاع الاقتصادية والانهيار الحاصل في هذا البلد الصغير، يعاني اللبنانيون من أجل استخراج جواز سفر ورغم الضغوطات التي يعيشها اللبنانيون، علّقت السلطات إصدار جوازات سفر المواطنين منذ أكثر من شهر ونصف الشهر قبل أن تعلن عن استئنافها الأسبوع المقبل، إذ أصبح الحصول عليه حلماً شبه مستحيل.

وأرجع جهاز الأمن العام اللبناني وقتها سبب تعليقه تلقّي طلبات المواطنين الراغبين في استصدار جوازات سفر جديدة، لأنّ مخزونه من الجوازات شارف على النفاد، بسبب الطلب الهائل عليها، ولعدم توفر التمويل اللازم لشراء كميات جديدة منها.

هذه الخطوة أثارت غضب لبنانيين، اضطر كثير منهم إلى تأجيل أو إلغاء مواعيد سفرهم، وألحقت أضراراً كبيرة باللبنانيين المضطرين إلى السفر لحالات خاصة، أو المرتبطين بأعمال في الخارج.

أزمة مالية وسياسية..

بدأت الأزمة حين نفد الورق الخاص بطباعة الجوازات في لبنان.. تقول الكاتبة والصحفية ملاك عقيل إن الحكومة وقّعت عقداً مع الشركة الفرنسية المكلفة بطباعة الجوازات، في  يوليو/تموز 2021، وعليه حُجز مبلغ بقيمة 22 مليار ليرة، بما يوازي 15 مليون دولار تقريباً، وبعد أشهر من المماطلة حوّلت الحكومة المبلغ للشركة الفرنسية، لكنّ حاكم مصرف لبنان رفض التحويل على السعر الرسمي، طالباً التحويل بسعر منصّة صرافة (القريب من سعر السوق السوداء).

ولم تنتهِ الأزمة إلا بعد تدخّل اللواء إبراهيم، طالباً من مجلس النواب إقرار اعتماد استثنائي بقيمة 300 مليار ليرة هو الفارق بين سعر المنصّة والسعر الرسمي. ثمّ طلبت وزارة المال تعديلات في العقد تطول الضرائب وأموراً ماليّة وتقنيّة. بقي المبلغ المفترض تحويله عالقاً في وزارة المال، فارتفع سعر الصرف مجدّداً، وتقلّص المبلغ المرصود، ثمّ طلبت الشركة الفرنسية المزيد من الضمانات بتحويل مبلغ الـ13 مليون دولار، للبدء بتنفيذ طباعة جوازات السفر.

وبحسب عقيل فإنه قبل إقفال المنصّة الخاصة بالتقديم على الجوازات، في أبريل/نيسان الماضي، كان هناك 199,073 طلب حجز على المنصّة، حتى شهر أبريل/نيسان 2023، لكنّ عدم وجود مخزون كافٍ بعد هذا التاريخ، وتقديم طلبات بما يصل إلى 8 آلاف في النهار الواحد دفعا الأمن العام إلى إغلاق المنصّة. وسيتمّ الاستمرار في إصدار جوازات السفر بمعدّل ألف جواز يوميّاً.

لبنانيون يعانون بسبب استخراج جواز سفر

سالي، وهي طالبة لبنانية من البقاع، تقول إنّها خسرت منحة دراسية في إحدى الدول الأوروبية، بسبب عدم قدرتها على الحصول على جواز سفر، وتروي سالي أنّها تقدّمت للحصول على جواز سفر منذ أكثر من شهرين، وتفاجأت بقرار المديرية العامة للأمن بتعليق إعطاء جوازات السفر، وتوضح أنّها لم تتمكن من السفر والحصول على المنحة بسبب إهمال الدولة، وتبدي استغرابها من الحال التي وصل إليها لبنان.

أما أحمد، وهو شاب ثلاثيني، فيقول إنّ والدته كانت بحاجة لعملية جراحية في تركيا، وكانت حالتها خطرة، ولكن بسبب تعليق العمل بإعطاء جوازات السفر لم يتمكنوا من إرسالها إلى الخارج، واضطروا إلى إجراء العملية في أحد المشافي اللبنانية التي تتقاضى تكلفة باهظة مقارنة مع الخارج. 

فيما يقول رامي إنّه كان ينوي السفر وعائلته لمشاركة ابنته الكبرى حفل تخرجها في الخارج، وتقدّم بطلب جوازات لهم جميعاً منذ أكثر من شهرين، وحتى الآن لم يحصل عليها، ويأمل أن تلتزم المديرية بقرار الاستئناف يوم الإثنين، حتى يتمكنوا من السفر الشهر المقبل.

والحال نفسه بالنسبة لكل اللبنانيين، الذين بعضهم خسر إقامات في دول الخليج، بسبب عدم قدرتهم على تجديد الجواز في الوقت المطلوب، وبعضهم خسر وظيفته، وآخرون كانوا مضطرين للسفر لأسباب صحية وطبية، ناهيك عن عدم قدرة الميسورين من اللبنانيين على السفر للترفيه عن أنفسهم، والضغوط التي يعيشونها في هذا البلد.

اختلاق الأزمات

بالتوازي يشير رامي سعد الله، وهو طبيب متخرج في الجامعة الأمريكية ببيروت باختصاص "جراحة الأعصاب"، إلى أنه حصل على وظيفة في أحد مستشفيات المملكة العربية السعودية في مدينة جدة، وتقدم بطلب على المنصة الإلكترونية للأمن العام للإسراع في استخراج جواز سفر، مرفقاً بعقد العمل المبرم في المملكة، وصورة من حجز التذكرة وحجز الفندق، الذي كان موعده في نوفمبر/تشرين الثاني.

 يشير رامي أنه اتصل مراراً على الخط الساخن للأمن العام فكان الجواب الدائم: "ما قادرين نخدمك وانتظر دورك"، ويقول رامي إنه اتصل بالعديد من الوسطاء ليتمكن من الحصول على استثناء يمكنه من استصدار جواز سفر، إلا أنه لم يستطع ذلك، وخاصة أن الاستثناءات بحاجة لموافقة مباشرة من المدير العام اللواء عباس إبراهيم، الذي لا يستطيع الوصول إليه. 

ويضيف رامي أنه وبعد مرور مدة شهر ونصف الشهر من المحاولات، وصل له بريد من المشفى يلغي العقد، نتيجة عدم التحاقه بعمله، وتأخره عن الموعد المحدد لأكثر من شهر، يعتبر رامي أن ما جرى جريمة بحقه وبحق آلاف اللبنانيين العالقين في بلادهم، نتيجة إفلاس الدولة، وعدم اكتراث المسؤولين بخطورة نفاد جوازات السفر، حيث لا يمكن أن تقع دولة ذات سيادة في معضلة كهذه.

منح تطير في هواء الإهمال

أما محمد مريدن، وهو طالب جامعي في السنة الثانية في الكيمياء، فيروي كيف خسر منحة كاملة في قطر بعد تفوقه الجامعي والمدرسي، ويشير إلى أن موعد المنحة تزامن مع توقيت التقديم على جواز السفر، وكان قدّم طلب الحصول عليه مطلع شهر مارس/آذار المنصرم، وعند وصوله إلى الأمن العام في الموعد كانت الكهرباء مقطوعة، فتم تحويله بصورة تلقائية إلى مقر آخر للأمن العام.

هناك قال له الضابط تعال بعد أسبوع. يضيف: عندها تمنيت أن يقوم بتيسير أموري، وخاصة أنني طلبت إجازة من جامعتي في بيروت، والطريق كانت صعبة بسبب الثلوج، ولكن الأمر لم يُجدِ نفعاً.

اللبناني محتجز داخل لبنان

الصحفية المتخصصة في الشؤون الاقتصادية محاسن مرسل تقول إن قرار تعليق إصدار جوازات السفر أثّر سلباً على اللبنانيين، وخاصة الذين تعطلت أشغالهم، والطلاب الذين كانوا مضطرين إلى السفر لإجراء مقابلات مع الجامعات وحتى الامتحانات، أضف إلى ذلك بعض الحالات الطبية الطارئة، مضيفة أن استئناف العمل وإصدار الجوازات سيسهل أمور الناس.

مرسل لفتت إلى أن هذا القرار كان بمثابة تعطيل لأمور الناس، وقالت "أصبح اللبناني وكأنه محجوز أو مخطوف في بلده، ولا يمكنه مغادرته، لأنه لا يملك جواز السفر"، ولكنها أشارت في الوقت نفسه إلى عدم وجود علاقة مباشرة للاقتصاد اللبناني.

وعن مبلغ الـ12 مليون دولار، تقول مرسل إن تجميد هذا المبلغ سياسي، ولا علاقة له بأي أمر آخر، خاصة في ظل هدر الأموال، سواء من خلال منصة صيرفة، التي حتى الآن لم يُعرف مَن المسؤول عنها والمستفيد منها، حتى من يدير هذه المنصة.

وأوضحت أن البنك الدولي أشار إلى أن نسبة التحويلات تقريباً بلغت حوالي 6 مليارات و600 مليون دولار، مع العلم أنها بلغت في 2020 حوالي 7 مليارات دولار، وقالت "في الأيام المقبلة ستتضح الصورة أكثر".

تحميل المزيد