يواجه الاقتصاد الأردني فترة حرجة بشكل غير مسبوق، في حين ارتفعت أسعار مختلف السلع في الأسواق الأردنية، كما بقية دول العالم؛ ما دفع المواطنين إلى إطلاق حملات مقاطعة على منصات التواصل الاجتماعي، في محاولة للضغط على صانع القرار، ووضع حد لجشع بعض التجار. لكن بعض المحللين يقولون إن المقاطعة سلاح ذو حدين يفاقم معاناة اقتصاد البلاد المنهك بالأساس.
تصاعد حملات المقاطعة في الأردن
بدأت فكرة المقاطعة في الأردن قبل أسبوعين، عندما تصدر وسم "مقاطعة الدجاج واجب وطني"، قائمة الأكثر تداولاً بالأردن؛ حيث بلغت أسعاره أرقاماً قياسية بنسبة زيادة 60% عن أسعاره الطبيعية.
وفق ما أعلنته جمعية حماية المستهلك، فقد نجحت حملة المقاطعة بنسبة 50%، مؤكدة أنها ستبقى قائمة إلى حين وضع سقوف سعرية مناسبة لوقف ما وصفته بـ"تغوّل بعض التجار المحتكرين".
محمد عبيدات، رئيس جمعية حماية المستهلك قال إن "المقاطعة للدجاج، تركزت على محافظتي العاصمة والزرقاء وما حولهما، فيما لم تشهد محافظات الشمال والجنوب أي نوع من أنواع المقاطعة؛ لأن مزارعها التزمت بأسعار معقولة، دون المغالاة والتغول"، بحسب تعبيره.
وأضاف عبيدات في حديث مع وكالة الأناضول: "من حيث المبدأ، أنا شخصياً ضد مقاطعة أي منتج يمكن إنتاجه محلياً؛ لأن ذلك سينعكس على الاقتصاد الوطني".
واعتبر أن "أفضل خيار للاقتصاد الأردني في الوقت الحالي، تعديل السلوك الشرائي والاستهلاكي لكل السلع والمنتجات بما يتواءم مع الأوضاع محلياً وإقليمياً وعالمياً".
ودعا عبيدات وزارتي الزراعة والتخطيط إلى زيادة اهتمامهما بمناطق الأرياف والبادية والمخيمات وأطراف المدن، وتشجيعها على استغلال مساحات الأراضي المتاحة للزراعة، لتحقيق نوع من أنواع التكامل الاقتصادي.
آثار ارتفاع السلع على الاقتصاد الأردني
لم تسلم باقي السلع بالأردن، وخاصة المواد التموينية من ارتفاع ملحوظ، إضافة إلى المشتقات النفطية، التي شهدت زيادة تراكمية نسبتها 14% على مدار الأشهر الثلاثة الماضية.
وهنا، بين عبيدات أن مقاطعة المحروقات "خيار غير سليم، والأنجح هو تقليل المشتريات وتقليل الاستهلاك، وهذا إجراء ينطبق على مختلف السلع، وخاصة الكهرباء والماء، لما لذلك من أثر إيجابي على الاقتصاد الأردني".
ومع إعلان التسعيرة الجديدة في اليوم الأخير من الشهر الماضي، دعا نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة إلى حملة مماثلة للدجاج، تحت شعاري "صفها واطفيها"، و"مقاطعة المحروقات واجب وطني"، في حين خرجت مظاهرات الأسبوع الماضي وسط العاصمة عمّان رفضاً لارتفاع الأسعار.
"رؤية جديدة" لتحديث الاقتصاد
والإثنين الماضي، أطلق الأردن رؤية للتحديث الاقتصادي في المملكة تستمر 10 سنوات، وتهدف إلى توفير مليون فرصة عمل جديدة.
وستُنفذ الرؤية عبر 3 مراحل على مدى 10 سنوات، وتشمل 366 مبادرة في مختلف القطاعات، وتندرج تحت 8 محركات تركز على إطلاق كامل الإمكانات الاقتصادية والمولدة لفرص التشغيل والعمل.
ويتطلب تحقيقها تأمين فرص العمل، وجلب استثمارات وتمويل بنحو 41 مليار دينار (نحو 57 مليار دولار أمريكي) على مدى السنوات العشر.
الأناضول أجرت بدورها جولة ميدانية في شوارع محافظة إربد شمالي البلاد، ثاني أكبر محافظات المملكة بعد العاصمة عمان، واستمعت خلالها إلى آراء المواطنين حول جدوى حملات المقاطعة، وأثرها في وضع حد لارتفاع الأسعار.
وانقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض؛ حيث اعتبر القسم الأول أنها "ثقافة" للمجتمعات المتقدمة، ورأى المعارضون للفكرة أنها ستفاقم معاناة المملكة "المأزومة اقتصادياً"، وأن الحل الأفضل هو دور حكومي يقف في وجه تغول التجار.
المقاطعة.. سلاح ذو حدين
رائد محافظة (61 عاماً)، الباحث الاقتصادي والمالي والمطلع على واقع الحال؛ بحكم عمله مقدراً عقارياً لعدد من البنوك، بيّن أن "المقاطعة لها جانب إيجابي وسلبي على المواطن؛ فالأخير يعتبرها وسيلة ضغط على الحكومة؛ للتراجع عن رفع الأسعار".
أما الجانب السلبي، وفق محافظة، فإنه يتمثل "بتداعيات المقاطعة على التاجر؛ كونه يستورد كافة المواد الأولية من خارج المملكة، والارتفاع على مستوى العالم نتيجة الأزمات المختلفة". وزاد: "المقاطعة حل آني، وتخدير لآلام اقتصادية لدى المواطن، ولا تحل إلا بسياسات اقتصادية تراعي ظروف المواطنين من ناحية الدخول".
ناجح الخطيب (72 عاماً)، صاحب مكتب استشاري هندسي، أكد للأناضول أن "المقاطعة حق للمواطن، وهي تعبير عن مساهمته في المصلحة الوطنية وحمايتها". واستدرك: "لذلك، يجب أن تراعي الأولويات، وألا تكون لمجرد السخط على الحكومة؛ للتعبير عن المعارضة لها، فالمعارضة لها وسائل مختلفة".
طارق إرشيد (58 عاماً)، مواطن عاطل عن العمل، كان أكثر حدة من سابقيه، قال للأناضول: "المقاطعة ثقافة، وهي من حق كل مواطن، نقاطع ونتظاهر، ولكن الحكومات لا حياة لمن تنادي، وقد تعبنا من رفع الأسعار".
عامر الشوبكي، الباحث الاقتصادي، والمتخصص في شؤون الطاقة، بيَّن للأناضول أن "الانجرار وراء المقاطعات هو بسبب الأعباء الاقتصادية على المواطنين، والتعلق بأية وسيلة قد تخفض الأسعار بخصوص السلع كافة".
وقال الشوبكي: "بالنسبة لمقاطعة الدواجن على المدى البعيد، فإنه سيؤثر على الأمن الغذائي بالأردن؛ لأنه مكتفٍ ذاتياً من لحوم الدواجن، ومقاطعتها ربما يخفض من سعرها، لكنها ستتسبب بخسائر قد تؤدي إلى إفلاس أصحاب المزارع".
وفيما يتعلق بالمشتقات النفطية، أوضح الشوبكي: "حسب مراقبتي لأكثر من حملة مقاطعة حدثت بالأردن، فإنها لم تنجح، وبأكثر حد كان انخفاض المبيعات بنسبة 5% عام 2018".
إجراءات حكومية
بدوره، قال ينال البرماوي، متحدث وزارة الصناعة والتجارة الأردنية، للأناضول: "إن الوزارة، ومن خلال ما هو منصوص عليه في قانوني الصناعة والتجارة وحماية المستهلك، تقوم بجولات رقابية على الأسواق، وتقوم بتحديد السقوف السعرية لأي سلعة في حال وجود مغالاة في أسعارها أو ارتفاعات غير مبررة".
ولفت البرماوي أن الحكومة اتخذت مجموعة من "الإجراءات الاستباقية"؛ لتعزيز المخزون الاستراتيجي من السلع الغذائية، تتمثل بتخفيض رسوم الفحص على المواد الغذائية المستوردة بنسبة 30%، وإعفاءات أخرى تتعلق بالتخزين والمعاينة، وتحديد سقوف سعرية للشحن لغايات احتساب التعرفة الجمركية".
وشدد على أن "الوزارة والجهات ذات العلاقة تعمل ضمن استراتيجيات لتعزيز الأمن الغذائي، ومواجهة المتغيرات التي تشهدها الأسواق العالمية".
البنك الدولي يكشف عن توقعاته حول نمو الاقتصاد الأردني
والأسبوع الماضي، كشف البنك الدولي، في تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية الأخير الذي صدر عن البنك، نمو الاقتصاد الأردني للعام الحالي بنسبة 2.1%، ولعامي 2023 و2024 بنسبة 2.3%.
وقال البنك الدولي هناك توقعات أن يتراجع النمو العالمي من 5.7% في 2021 إلى 2.9% في 2022، وهي نسبة أقل بكثير من النسبة التي كانت متوقعة في شهر يناير/كانون الثاني والبالغة 4.1%.
في الإطار ذاته بيّن أنه يتوقع أن يتابع النمو العالمي تأرجحه حول تلك الوتيرة خلال الفترة من 2023 إلى 2024، في وقت تتسبب فيه الحرب في أوكرانيا في تعطيل النشاط الاقتصادي والاستثمار والتجارة على المدى القريب، ويضعف فيه الطلب المكبوت، فضلاً عن إنهاء العمل بالسياسات المالية والنقدية التيسيرية، ونتيجة للأضرار التي نجمت عن جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.