تقرير أمريكي يقول إن الأمور بشأن الاتفاق النووي مع إيران قد تكون وصلت إلى طريق مسدود، وإن طهران باتت تمتلك بالفعل جميع ما يلزم لإنتاج سلاح نووي، فماذا يملك جو بايدن من خيارات؟
كانت إيران قد قررت إيقاف عمل كاميرات المراقبة في منشآتها النووية رداً على قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بإدانة طهران فيما يتعلق بتعاونها مع مفتشي الوكالة، في ظل فشل المفاوضات مع الولايات المتحدة لإحياء الاتفاق النووي.
شبكة CNN International الأمريكية نشرت تقريراً عنوانه "إيران أقرب إلى بناء القنبلة النووية من أي وقت مضى"، رصد آخر تطورات البرنامج النووي الإيراني والأوراق التي لا يزال الرئيس الأمريكي بايدن يمتلكها أو خيارات التفاوض كما توصف.
ضربة قاصمة للاتفاق النووي!
ربما وصلت التوترات طويلة الأمد بشأن القدرات النووية بإيران إلى نقطةٍ لا عودة عنها هذا الأسبوع، وهكذا أصبحت سفينة الشرق الأوسط تسير في ظلمةٍ على غير هدى، وتحيط بها المخاطر من كل جانب، حسبما تقول الشبكة الأمريكية.
إذ عزَّزت طهران تخصيب اليورانيوم بوتيرةٍ لم نشهدها منذ توقيع الاتفاق النووي التاريخي بينها والقوى الغربية عام 2015، فقد أسفر الاتفاق عن تقييد إيران لتخصيب اليورانيوم مقابل تخفيف العقوبات، ثم كان الارتداد عن ذلك بعد انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق في عام 2018. ويذهب محللون الآن إلى أن طهران ربما تكون قد حصلت بالفعل على المواد اللازمة لتصنيع سلاح نووي.
أغلقت إيران، يوم الخميس 9 يونيو/حزيران، كاميرات المراقبة التي تستخدمها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمراقبة النشاط في المنشآت النووية الرئيسية في البلاد. وحذر رافائيل غروسي، رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من أن هذه الخطوة قد توجه "ضربة قاضية" للمفاوضات الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي.
وقال غروسي لشبكة CNN إن غياب النقل المرئي من المواقع النووية يحرم مفاوضي الاتفاق النووي من البيانات، ما يجعل "التوصل إلى اتفاق أمراً مستحيلاً من الناحية العملية"، أو قد "يجري التوصل إلى (صفقة) على الرغم من غياب المعلومات، وهو أمر أرى أنه لن يحدث. ولهذا السبب نقول إن الأمر شديد الخطورة، وله عواقب، وهو حقاً كذلك".
كشفت وكالة Reuters، التي ذكرت أنها اطلعت على تقريرٍ للوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن النشاط النووي المتصاعد في إيران، أن إيران أخذت تركِّب بكثافة أجهزة طرد مركزي متطورة في محطة تخصيب أنشأتها تحت الأرض. وجاء التقرير بعد أن أقر مجلس إدارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية مشروع قرار إدانة لطهران بعد امتناعها عن تقديم إجابة واضحة عن أسئلة بشأن آثار لليورانيوم عُثر عليها في ثلاثة مواقع غير معلنة.
ويأتي تعجيل إيران بخطوات برنامجها النووي في وقت تحتدم فيه التوترات بينها وبين الولايات المتحدة. وقد وصلت المحادثات حول الاتفاق النووي إلى طريق مسدود؛ بسبب إصرار طهران على شطب فيلق الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية. وتشير الأخبار إلى أن هذه هي نقطة الخلاف الأخيرة بعد ما يقرب من عام ونصف من المفاوضات بين البلدين.
وقد رفض كل جانب حتى الآن التزحزح عن موقفه في هذه المسألة، ويعزو البعض ذلك إلى الضغوط السياسية الداخلية في البلدين.
أدرج ترامب الحرس الثوري الإيراني في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية خلال أسابيعه الأخيرة في المنصب. ووصف معارضوه هذا القرار بأنه "عقدة منشار" وضعها ترامب لتعطيل أي مفاوضات تحاول استعادة الاتفاق النووي في المستقبل.
هل القادم يبدو أسوأ للشرق الأوسط؟
قالت دينا إسفندياري، كبيرة مستشاري شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "مجموعة الأزمات الدولية"، إن توقف المفاوضات له تداعيات خطيرة على المنطقة، "فمع أن الولايات المتحدة وإيران قد عالجتا معظم الجوانب الفنية اللازمة للعودة إلى الاتفاق النووي، لا تزال الخلافات قائمة في نقاط ذات أهمية كبيرة؛ لذلك تهاجم إيران الآن بهذه الطريقة لحشد الضغوط" على الولايات المتحدة.
أطلق ترامب العنان لموجة من العقوبات الساحقة على الاقتصاد الإيراني بعدما انسحب من الاتفاق النووي في عام 2018. وذهبت تقارير الحكومة الأمريكية في هذا الوقت إلى أن إيران واصلت التمسك بالاتفاق.
ولكن ترامب الذي انعقدت نيته على إلغاء سياسات عهد أوباما، كان عازماً على إلغاء الاتفاقية النووية، متعللاً باستمرار إيران في أعمالها العدائية في الشرق الأوسط من خلال الميليشيات المتحالفة معها.
كان الرئيس الأمريكي جو بايدن معارضاً صريحاً لما يسمى "حملة الضغط القصوى" التي شنَّها ترامب على إيران، ومن ثم استدعى المفاوضات حول العودة للاتفاق النووي عندما تولى منصبه. لكن سياسة بايدن لم تنجح الآن في إحياء الاتفاق، بل زادت إيران ثمن العودة إلى الاتفاق بالاستمرار في انتهاكه.
وقال تريتا بارسي، نائب الرئيس التنفيذي في معهد كوينسي الأمريكي، إن "الإيرانيين يرون أنهم لم ينتفعوا بشيء من الاتفاق النووي منذ عام 2018. أما الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فوجدت فيه بعض الفائدة، وكذلك رأى الآخرون، لأن الإيرانيين ظلوا على التزامهم بالاتفاق في معظم بنوده".
ومع ذلك، يذهب بارسي إلى أن "الأمر كان محكوماً عليه أن يتوقف بمرور بعض الوقت، إذ كان لا بد أن يأتي وقت يقول الإيرانيون فيه: (حسناً، إذا لم تكن نحصل على أي شيء مقابل التزام الاتفاق، فلماذا يجب علينا أن نستمر في ذلك؟)".
تشير تقديرات الخبراء إلى أن إيران لا تزال على بعد عام تقريباً من تصنيع سلاح نووي، إلا أن المنطقة قد تكون مقبلة على مسار تصعيدٍ لا هوادة فيه.
أظهرت صور ملتقطة بالأقمار الصناعية في عام 2019 أن السعودية تحقق تقدماً "سريعاً" في خطواتها لبناء مفاعل نووي تجريبي. والإمارات أيضاً لديها برنامج نووي. ويبدو النشاط النووي في كلا البلدين خاضعاً حتى الآن لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومع ذلك فإن اقتراب إيران من حيازة سلاح نووي قد يؤدي إلى تأجيج التوتر الأمني القائم بالفعل، ويزيد مخاطر اندلاع سباق للتسلح النووي في المنطقة المضطربة.
ماذا تبقى لدى بايدن من خيارات؟
في غضون ذلك، فإن خيارات بايدن نفدت، أو تكاد، فالولايات المتحدة فرضت بالفعل عقوبات مشددة على إيران في ظل إدارة ترامب.
وجَّهت العقوبات ضربة قوية لاقتصاد إيران، لكنها لم تدمره، والأقرب ألا تهتز إيران كثيراً لمزيد من العقوبات الاقتصادية. فضلاً عن ذلك، فإن عمليات الاغتيال الإسرائيلية لكبار المسؤولين عن البرنامج النووي الإيراني في السنوات الأخيرة لم تنجح في كبح تخصيب إيران لليورانيوم.
قد يدفع هذا بالولايات المتحدة وحلفائها إلى التفكير في الخيار العسكري ضد إيران. قد تسحق الحرب على إيران برنامجها النووي، لكنها ستلحق دماراً لا يوصف بالمنطقة كلها، علاوة على استدراج الولايات المتحدة إلى المنطقة مرة أخرى بعدما حاولت الانسحاب منها.
وقال بارسي: "أشد خطوات التصعيد التي اتخذتها إيران فيما يتعلق بتكثيف برنامجها النووي وقعت في عهد بايدن، وليس في عهد ترامب، لكن ذلك لم يحدث إلا لأن بايدن واصل سياسة ترامب".
الخلاصة هنا هي أن توجيه ضربة عسكرية لإيران بهدف تدمير برنامجها النووي أمر يدرك الأمريكيون جيدا أن تداعياته ستكون كارثية ليس فقط على دول المنطقة ولا المصالح الأمريكية فيها ولكن بالنسبة للعالم أجمع، وهو ما يطرح تساؤلات بشأن ما قد تشهده المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن على المدى القصير.