على مشارف مدينة مغربية تُدعى الصويرة ترتفع أهازيج موسيقى كناوة كل سنة شهر يوليو/حزيران، لتستقبل الآلاف من عشاق هذا النمط الموسيقي، الذين يحجون من داخل البلاد وخارجها.
وتحتضن الصويرة، المدينة الروحية للطائفة الكناوية كل سنة مهرجانها السنوي "كناوة وموسيقى العالم"، تجتمع فيه العشرات من الفرق الكناوية القادمة من دول المغرب العربي ودول إفريقيا جنوب الصحراء.
وتُعد موسيقى كناوة من التراث المغربي الذي اعترفت به منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) كتراث إنساني ضمن اللائحة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي.
وتقوم عروض فرق كناوة على الرقص على نغمات "الكنبري" (آلة وترية تستعمل في العزف) والطبول والقراقب (آلات نحاسية تستعمل في العزف)، فيما يرتدون ألبسة بألوان فاقعة، وقبعات مرصعة بالأحجار.
ما هي موسيقى كناوة؟
بلباس غريب مطرَّز بالأحمر والأزرق تتراصُّ فرقة كناوة يتوسطهم القائد المعروف بلقب الـ"معلم" بتسكين الميم واللام، وهو الذي يكون لباسه مختلفاً عن بقية أعضاء الفرقة.
موسيقى كناوة ليست حكراً على المغرب فقط، على الرغم من أنها أكثر انتشاراً فيه، بل هي موسيقى ممتدة في دول المغرب العربي، جاء بها "سلالة من العبيد" نهاية القرن الـ16 الميلادي من إفريقيا السوداء جنوب الصحراء.
وسُميت موسيقى كناوة بهذا الاسم تحريفاً للاسم الأصلي "عبيد غينيا"، الذين اندمجوا في المجتمع المغاربي، وهي المنطقة التي كانت تُسمى في القرن الـ16 بالسودان الغربي أو إمبراطورية غانا (دولة مالي الحالية).
ودخل "عبيد غينيا" إلى دول المغرب العربي عبر رحلات تجارية بحرية عبر المحيط الأطلسي، الذي كان بمثابة تبادل تجاري مع تمبكتو، عاصمة إفريقيا السوداء المسلمة آنذاك.
ويعتبر ضريح "سيدي بلال"، الموجود غرب مدينة الصويرة، المرجع الأعلى، ومقام الأب الروحي لكناوة، حيث توجد الزاوية التي تحتضن في العشرين من شهر شعبان الموسم السنوي للطائفة الكناوية.
ليلة كناوة
كل "ليلة كناوية" تنقسم إلى المراحل التالية، المرحلة الأولى، وهي العادة حيث يطوف المشاركون في "كناوة" عبر الأزقة والساحات مرتدين ملابس مزينة بالأصداف، وهم يرقصون على إيقاعات الطبول و"القراقب" حتى تحل فترة "الكويو".
أما المرحلة الثانية فهي الكويو، وتعرف بالبدء في الحفل الرسمي لليلة الكناوية، يستغنى فيها عن الطبل ويعوض بالآلات الوترية ليشرع "المعلم" (قائد الفرقة) بالعزف وأثناءه رقص الفرقة انفرادياً.
أما المرحلة الثالثة فمعروفة بالنقشة: وفيها توظف آلة "القراقب" إلى جانب آلة "الهجهوج" ويكون فيها الرقص جماعياً.
أما المرحلة الرابعة فهي فتوح الرحبة بتسكين الفاء، يعمل فيها كناوة على توضيب المكان الذي ستجري فيه المرحلة الأخيرة من الليلة لإضفاء طابع القدسية عليه، حيث يتم وضع طبق أمام "المعلم" تحتوي على مختلف أنواع البخور والأقمشة ذات الألوان المختلفة، كل لون منها يرمز إلى "ملك" من الملوك (أرواح مقدسة) وتصحب عملية التحضير أذكار وإنشادات، ليتم الدخول مباشرة إلى القسم الأخير والأساسي من الاحتفال الكناوي والمسمى بـ"الملوك".
وتأتي المرحلة الأخيرة وهي للملوك أو رجال الله، الرجال الربانيون المؤمنون، وتقول الأسطورة إن موسيقى كناوة تستدعي أرواحهم ليحضروا بين جمهور المنتشين بالرقص، ولكل "ملك" لون خاص.