عندما نشعر بنسمات باردة غالباً ما تقشعر أبداننا، فتسري رعشة لطيفة في أكتافنا وأيدينا، وتظهر نتوءات جلدية على بشرتنا، التي تصبح للحظات مثل بشرة الدجاجة منزوعة الريش.. نفس الأعراض تواجهنا عندما نشعر بعاطفة جياشة، سواء كانت الدهشة أم الحب أم الرعب أم غيرها.. لكن لماذا نشعر بالقشعريرة؟
ما هي القشعريرة؟
فلنبدأ أولاً بتعريف القشعريرة، في الواقع هي حالة ينتصب فيها الشعر على سطح الجلد لفترة قصيرة، وتحدث حين تنقبض عضلات انتصاب الشعر. وهذه العضلات الدقيقة ترتبط بالبصيلات التي تنشأ منها كل شعرة.
أما الانتصاب الشعري فهو استجابة لا إرادية يوجهها الجهاز العصبي السمبثاوي (الذي يطلق استجابة "الكر أو الفر")، ويثيره البرد أو الخوف أو التجارب المباغتة.
والقشعريرة لها وظيفتان لا يستفيد منهما إنسان العصر الحديث الذي لا يكسو جسمه شعر كثيف.
يقول طبيب الباطنة، الدكتور كيث روش، لموقع HowStuffWork الأمريكي: "الوظيفة الأولى هي الحفاظ على شعورنا بالدفء، وهي وظيفة لم يعُد لها نفع في العصر الحديث؛ لأننا لم نعد مغطين بالفراء".
على سبيل المثال، الطقس البارد يؤدي إلى انتصاب الشعر في الثدييات- وكذلك الطيور- وهذا يؤدي إلى وقوف شعرها (أو ريشها) قبل أن يعود إلى وضعه الطبيعي. وهذه الحركة ينتج عنها طبقة من الهواء تتشكل تحت فراء الحيوان تساعد في عزل جسده عن درجات الحرارة الباردة.
ويحدث انتصاب الشعر أيضاً حين تدرك الحيوانات أن تهديداً قريباً يحيط بها. وفي هذه الحالة، حين تنقبض عضلات انتصاب الشعر وتتسبب في انتصابه، فإنها تضفي على الحيوان مظهراً "منتفخاً" وأكبر حجماً، وهذا قد يساعده في صد هجوم الحيوانات الأخرى.
إذاً فالفائدة من القشعريرة هي الحصول على الدفء وردع الأعداء من خلال انتصاب الشعر، وبالرغم من أننا في العصر الحالي ما زلنا نصاب بالقشعريرة في مواقف الخوف أو البرد أو غيرها، فإننا لم نعد ننعم بفوائد الانتصاب الشعري ذاك؛ لأننا ببساطة لم يعد الشعر يكسو أجسادنا.
ماذا عن القشعريرة التي تثيرها بعض الأغاني والأفلام؟
القشعريرة قد تصيب البشر أيضاً في اللحظات الانفعالية القوية، ويضيف روش: "وما هو مثير جداً للاهتمام أن بعض الأغاني والأفلام قد تثير قشعريرة انفعالية".
يستشهد روش بدراسة نُشرت في يناير/كانون الثاني عام 2011 في مجلة علم النفس البيولوجي قاس فيها الباحثون القشعريرة الذاتية (الشبيهة بالرعشات التي تصيب الجسم) وانتصاب الشعر الظاهر في مجموعة من المتطوعين أثناء استماعهم للأغاني ومشاهدتهم الأفلام، وكانت النتائج مذهلة.
إذ سجلت الأغنية الشهيرة My Heart Will Go On لسيلين ديون نسبة قشعريرة (تأثير "رعشة الجسم") وصلت إلى 50% ونسبة انتصاب الشعر (قشعريرة الجلد) 14% مقارنة بأغنية برِنس Purple Rain، التي سجلت نسبة رعشة 100% ونسبة انتصاب شعر 50%.
فما علاقة الأغاني بالقشعريرة؟
هنا يدخل ميتشل كولفر، الحاصل على درجة البكالوريوس في الموسيقى وعلم النفس. فكولفر، أثناء الدراسات العليا في جامعة شرق واشنطن عام 2010، أجرى دراسة بحثية عن نوعية الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالقشعريرة. ونُشرت هذه الدراسة في عدد مارس/آذار عام 2015 من مجلة علم نفس الموسيقى وأثارت ضجة كبيرة. وجعلت كلوفر أيضاً أحد أبرز العلماء الرائدين في القشعريرة.
وقال كولفر: "لنفهم طبيعة القشعريرة بشكل أفضل، من الضروري أن ندرك أن لدينا دماغان- الدماغ الانفعالي والدماغ المفكر- وهما يستجيبان بشكل مختلف للأشياء التي تحدث حولنا".
والدماغ الانفعالي بدائي. فالأرنب في الغابة يكون متأهباً للتهديدات باستمرار، وحين يواجه واحداً، يطلق دماغه استجابة فسيولوجية تلقائياً، تُعرف باسم استجابة الكر أو الفر. ولأنه يطلق استجابة للنجاة من الموت، ينشط الدماغ الانفعالي في الحال حين يدرك الخطر، ويتجاوز الدماغ المفكر.
أما في حالة المفاجآت، يشير كولفر إلى ما ذكره ديفيد هورون، مؤلف كتاب Sweet Anticipation: Music and the Psychology of Expectation: "لا مفاجآت سارة للدماغ الانفعالي".
وقال كولفر: "لذلك، حين نسمع أصواتاً في البيئة، ومن ضمنها الأصوات الموسيقية، فالدماغ الانفعالي لا يتعامل معها على أنها موسيقى، بل على أنها صراخ شخص. وحين يسمع صوتاً مرتفعا لكمان بتردد معين، يتصور أنه ضوضاء تهدد حياته".
أما في الموسيقى، فالمقاطع التي تتضمن نغمات غير متوقعة أو تغيرات مفاجئة في الصوت تؤدي إلى إطلاق قشعريرة؛ لأنها "تخالف" توقعات المستمع، وهذا يصور للدماغ أن شيئاً ما لا يسير كما ينبغي.
على أنه بعد ثوانٍ معدودة، يتدخل الدماغ المفكر ويعيد تقييم الوضع. ويدرك أن هذه الأنغام العالية موسيقى، وأنها لا تمثل تهديداً، فيغلق الدماغ العاطفي وتتلاشى القشعريرة.
وهذه "المخالفة" للتوقعات تفسح المجال لما يشير إليه كولفر بـ "التوتر الجمالي"- أي تراكم التوتر الناجم عن استجابة الدماغ الانفعالي للتهديد المتصور يليه إفراغ هذا التوتر حين يدرك الدماغ المفكر أن هذه المنبهات ممتعة، ويعطي إشارة بأنها "آمنة".
هل هو خوف أم متعة؟
تذكرون أرنب الغابة؟ في مملكة الحيوانات، بمجرد زوال تهديد ما، يعود الأرنب إلى تناول النباتات. يقول كولفر: "ولكن حن يعيد البشر تقييم الخطر ويدركون أنه شيء ممتع [وليس تهديداً حقيقياً]، نحصل على دفعة من الدوبامين". والدوبامين هو الهرمون المسؤول عن "الشعور بالسعادة" في الجسم. "ولهذا السبب تكون القشعريرة مصاحبة للشعور بالمتعة لدى البشر".
وظاهرة القشعريرة الممتعة أثناء الاستماع إلى الموسيقى لها اسمها المميز- frisson، وهي كلمة فرنسية تعني "الرعشة الممتعة". وبعض الباحثين يطلقون عليها "النشوة الجلدية".