بعد عقود طويلة من الاضطهاد والعنصرية على نطاق واسع ضد المسلمين في جميع أرجاء الهند؛ شهد العالم بعض أبشع مجازر الهندوس ضد المسلمين ضمن المساعي المستمرة لطرد الأقلية من البلاد، باعتبار أنهم ينتمون إلى باكستان ذات الغالبية المسلمة.
فمنذ اللحظات الأولى لإعلان الاحتلال البريطاني إنهاء وجوده في شبه الجزيرة الهندية، والذي نتج عنه استقلال باكستان، وسيطرة الهندوس على الهند، واعتبار مسلميها أقلية، تتعرض الأولى لهجمات عنف ديني صريح لا يزال يروح ضحيته الآلاف من البشر على مدار تلك الفترة بالكامل وحتى يومنا هذا.
ورغم أن المنظمات العالمية قد سجلت، منذ ذلك الحين، آلاف القتلى والمهجرين، إلا أن كافة التقارير والإحصائيات تشير إلى أن هذه الظاهرة قد تنامت خطورتها منذ عام 2014، وبدء فترة ولاية ناريندرا مودي.
في هذا التقرير نستعرض أبرز الجرائم ومجازر الهندوس ضد المسلمين، منذ استقلالها عن الاحتلال البريطاني.
مجزرة كالكوتا في 1946
من منتصف ليلة 15 أغسطس/آب حتى 19 أغسطس/آب 1946، اندلعت أعمال شغب ضخمة مناهضة للهندوس في مدينة كلكتا الهندية، ويُقدر عدد القتلى في تلك المجزرة ما يتراوح بين 5 آلاف و10 آلاف، وأصيب حوالي 15 ألفاً آخرين، بحسب موقع First Post.
في ذلك الوقت لم تكن الهند قد انقسمت بعد إلى دولتين، لكن المدينة ظلت تشهد المناوشات بين الفريقين، خاصة مع تشكيل دولة باكستان ذات الغالبية العظمى من المسلمين.
ومجدداً في يناير/كانون الثاني من عام 1964، لقي أكثر من 100 شخص مصرعهم في أعقاب أعمال شغب جديدة، كما تم اعتقال أكثر من 7 آلاف شخص وإصابة 438 آخرين في الاشتباكات التي امتدت إلى المناطق المحيطة.
وتدعي الحكومة الهندية أن مجازر الهندوس ضد المسلمين في كالكوتا تسببت في "خسائر فادحة في الأرواح"، لكن الإحصائيات الرسمية للضحايا تحظى بكثير من التضارب.
بعد اليوم المشتعل، تم تمديد حظر تجول لمدة 24 ساعة ليشمل 5 مناطق من المدينة يحتلها ضباط الشرطة، في أعقاب هجمات إحراق ونهب ضد المسلمين.
كما أصدرت الحكومة أوامر للقوات المسلحة والشرطة بـ"إطلاق النار بهدف القتل" في أي حالة يُنظر فيها إلى الهندوس وهم يهاجمون المسلمين. وأعرب المسؤولون عن تصميمهم على القضاء على العنف، واتخذت القوات إجراءات صارمة ضد مثيري الشغب.
لسوء الحظ، جاءت هذه الخطوة بنتائج عكسية عندما توفي 3 من رجال الشرطة أثناء محاولتهم حماية مجموعة من المسلمين ومنازلهم عندما تم فتح النار عليهم من حشد ضخم.
ونتيجة لتلك الأحداث، فرّ أكثر من 70 ألف مسلم من منازلهم في المدينة، بينما احتشد نحو 55 ألفاً في العراء تحت حماية الجيش.
وبحسب موقع BBC News تكافح منظمات الإغاثة لتوفير الغذاء والمياه والصرف الصحي لمجموعات كبيرة من اللاجئين المسلمين في تلك المناطق حتى اليوم.
مذبحة نيلي عام 1983
في أبشع مجازر الهندوس ضد المسلمين التي شهدتها الولايات الهندية منذ الحرب العالمية الثانية؛ كانت مذبحة نيلي، بولاية آسام الهندية، هي الأكثر تدميراً على الإطلاق.
وتشير تقديرات إلى أن آلاف المسلمين قُتلوا على إثرها بسبب أعمال العنف الطائفي الممنهجة.
في 18 فبراير/شباط عام 1983، بلغت أعمال العنف تلك ذروتها في حمام دم مروِّع عُرف باسم مذبحة نيلي، قُتل فيه ما يتراوح بين ألفين إلى 5 آلاف مسلم في 6 ساعات تقريباً، على يد حشود من القوميين، وبتآمر من الشرطة الهندية التي إما لم تتدخل أو ساعدت القوميين الهندوس.
يعيش في إقليم آسام الهندي غالبية من المهاجرين المسلمين القادمين من دولة بنغلاديش. وكانت الجالية البنغالية المسلمة والبنغال بشكل عام هي الهدف الأساسي لحركة آسام المناهضة للأجانب في الفترة من (1979-1985).
حدثت الإبادة الجماعية بمذبحة نيلي في خضم هذا التحريض على مستوى الولاية، والذي كان له طابع جماعي شعبي ضد "المهاجرين الأجانب" ذوي الغالبية المسلمة في تلك المدينة.
في السياق ذاته، من المحتمل أن تكون مجازر شبيهة بمذبحة نيلي قد حدثت في العديد من الأماكن في ذلك الوقت. وبالفعل تم توثيق مذابح في عدة مناطق أخرى، مثل تشولكوا شابوري وسيلاباتار.
ومع ذلك، قد يُنظر إلى مذبحة نيلي؛ نظراً لحجمها الضخم، على أنها نموذج تمثيلي للإشارة إلى سلسلة العنف ضد الأقليات التي ارتكبها متطرفو آسام.
لمعرفة المزيد عن تلك المجزرة، إليك تقرير "مجزرة منسية وجرح لا يندمل.. 39 عاماً على مذبحة نيلي ضد مسلمي الهند".
مجزرة هاشم بورا عام 1987
في ليلة 22 مايو/أيار من عام 1987، تم اعتقال حوالي 42 رجلاً مسلماً من منطقة هاشم بورا، وهي مستوطنة في مدينة ميروت بولاية أوتار براديش، وتم إعدامهم وإلقاء جثثهم في النهر.
وبحسب صحيفة The Indian Express الهندية، تم قتل المسلمين على خلفية أعمال الشغب التي اندلعت في ميروت في ذلك الوقت. وقد أفادت التقارير أن 19 من أفراد الشرطة المسلحة الإقليمية اعتقلوا 42 شاباً مسلماً من هاشم بورا موهالا، ونقلوهم إلى ضواحي المدينة، وأطلقوا النار عليهم بدم بارد، وألقوا جثثهم في قناة ري قريبة.
بعد أيام قليلة، تم العثور على الجثث طافية في القناة، وتم تسجيل قضية قتل. في النهاية، اتُهم 19 رجلاً بارتكاب هذه المذبحة. وفي مايو/أيار 2000، استسلم 16 من المتهمين الـ19 الذين أُدينوا قبل أن يُطلَق سراحهم لاحقاً بكفالة.
وفي 31 أكتوبر/تشرين الثاني 2018، أدانت محكمة دلهي العليا 16 فرداً ظلوا على قيد الحياة من المجموعة، وحَكَمت عليهم بالسجن مدى الحياة على خلفية مجازر الهندوس ضد المسلمين في تلك الفترة.
هجوم مسجد بابري 1992
في واحدة من أبرز مجازر الهندوس ضد المسلمين، شن القوميون الهندوس أعمال عنف ممنهجة على مسجد بابري التاريخي في أيوديا بالهند، والذي انتهى بناؤه عام 1527 بأمر من الإمبراطور المغولي ظهير الدين بابر، ويزعم الهندوس أن موقع البناء كان لمعبد "الإله راما" المقدس لديهم.
وراح ضحية هجوم بابري أكثر من 900 قتيل، علاوة على تدمير وحرق آلاف الممتلكات للمسلمين. كما جُرح 2036 شخصاً في المجزرة.
ونتيجة لأعمال العنف الواسعة، شهدت المنطقة موجة نزوح داخلية للمسلمين إلى مناطق أخرى، نتيجة الاستيلاء على مناطقهم، وخوفاً على حياتهم.
ووجهت اتهامات لزعيم جماعة هندوسية يقودها شخص يدعى بال ثاكيراي، فضلاً عن اتهامات للأمن والاستخبارات في البلاد بالتورط.
إذ صرحت المصادر للصحافة في ذلك الوقت أن السلطات كانت على علم بنوايا الجماعات الهندوسية القيام بتلك الجرائم، لكنها غضت الطرف ولم تتدخل.
مجزرة غوجارات عام 2002
في فبراير/شباط عام 2002، شهدت ولاية غوجارات بغرب الهند، التي يحكمها رئيس الوزراء القومي الهندوسي ناريندرا مودي، واحدة من أكبر مجازر الهندوس ضد المسلمين في البلاد.
ورداً على التقارير التي أفادت حينها بأن المسلمين أشعلوا النار في عربة قطار؛ ما أسفر عن مقتل 58 من الحجاج الهندوس في الداخل، انتشرت الحشود في جميع أنحاء الولاية للتحريض على الانتقام من المسلمين.
وبالفعل، اندلعت أعمال الشغب مرة أخرى في 15 مارس/آذار، واستمرت سلسلة من عمليات القتل والاغتصاب والنهب حتى منتصف يونيو/حزيران من العام ذاته.
على إثر ذلك، قُتل أكثر من ألفيْ مسلم، وشردت عشرات الآلاف من الأسرـ في هجمات مخططة ومنسقة بعناية، وفقاً لصحيفة The Guardian البريطانية.
حدث ذلك وسط تقارير أفادت أن القتلة والمتورطين في أعمال العنف تلك كانوا على اتصال مباشر بالشرطة والسياسيين في الهند.
وفقًا لتقرير Amicus عام 2011، جلس وزيران من الدولة في غرف التحكم بالشرطة. وادعى ضابط ووزير كبير في الشرطة ، قُتل في عام 2003، أن مودي أمر صراحة موظفي الخدمة المدنية والشرطة بعدم الوقوف في طريق القتلة. وبالطبع، نفى مودي دائماً تورطه، وأدان أعمال الشغب.
أحداث مظفر ناغار عام 2013
أدت الاشتباكات بين الهندوس والمسلمين في منطقة مظفر ناغار في ولاية أوتار براديش الهندية، في أغسطس/آب عام 2013، إلى مقتل ما لا يقل عن 62 شخصاً، من بينهم 42 مسلماً و20 هندوسياً، كما أصيب العشرات واضطر نحو 50 ألف مسلم إلى النزوح من تلك المنطقة تجنباً لأعمال العنف والتخريب.
بحلول 31 أغسطس/آب 2013، ألقت الشرطة القبض على العديد من قادة حزب بهارتيا جاناتا الهندوسي، بتهم التحريض على العنف الطائفي والتورط في ترتيب مجازر الهندوس ضد المسلمين، إضافة إلى عشرات السياسيين الآخرين.
هجمات نيودلهي 2020
كانت أعمال الشغب في دلهي عام 2020، عبارة عن موجات متعددة من المجازر والعنف وتدمير الممتلكات شمال شرق دلهي، بدءًا من 23 فبراير/شباط.
وقد تسبب فيها بشكل رئيس محرضون هندوس يهاجمون المسلمين في مناسبات متفرقة في تلك المنطقة. ومن بين القتلى، البالغ عددهم 53 شخصاً إثر تلك الموجات، كان الثلثان من المسلمين الذين أصيبوا بالرصاص أو بضربات متكررة أو أشعلوا فيه النيران.
وكان من بين القتلى أيضاً شرطي وضابط مخابرات وأكثر من 12 هندوسياً، وفقاً لـBBC News.
وبعد أكثر من أسبوع على انتهاء العنف، كان مئات الجرحى يقبعون في منشآت طبية غير مزودة بعدد كافٍ من العاملين، وتم العثور على الجثث في المصارف المفتوحة. وبحلول منتصف مارس/آذار من العام ذاته، كان العديد من المسلمين في عداد المفقودين؛ ما تسبب بدوره في اندلاع موجات من النزوح.
وقد اتهم المواطنون المتضررون وشهود العيان ومنظمات حقوق الإنسان المختلفة، شرطة دلهي والسلطات الهندية بالتقصير في حماية الأقلية، والتنسيق أو غض الطرف عن المتورطين في مجازر الهندوس ضد المسلمين.
وأظهرت مقاطع فيديو، تم تداولها في ذلك الوقت، الشرطة وهي تتصرف بطريقة منسقة مع المهاجمين الهندوس، وفي بعض الأحيان عمدت إلى مساعدتهم بصورة مباشرة، بحسب تقارير صحفية.
مجازر الهندوس ضد المسلمين تتواصل حتى اليوم
وبشكل خاص وغير مسبوق؛ يشعر المسلمون في الهند بالتهديد منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي إلى السلطة في عام 2014.
ولكن في العامين الماضيين، أصبح العداء تجاه المسلمين أكثر وضوحاً؛ فاليوم، يوضح القوميون الهندوس اليمينيون المتطرفون، بدعم وتشجيع في بعض الأحيان من الحكومة والسلطات المحلية والرموز الإعلامية والسياسية المختلفة، للمسلمين أنه لم يعد يُنظر إليهم على أنهم مواطنون متساوون في البلاد.
إذ تتعرض عاداتهم الغذائية، وطقوسهم الدينية، للهجوم والتجريم، كما تتعرض النساء المسلمات للإذلال والمضايقة وجرائم الاعتداء، في حين تتعرض سبل عيش المسلمين للتهديد والحرق.
وبحسب موقع Aljazeera، هناك دعوات للإبادة الجماعية للمسلمين تظهر بين الحين والآخر دون ملاحقة أمنية لمطلقيها، في ظل دعم واضح للقوميين الهندوس من قبل رئيس الوزراء الهندي اليميني المتطرف ناريندرا مودي، الذي صرح مراراً بضرورة تحميل مسلمي الهند المسؤولية والعقاب على الجرائم المزعومة التي ارتكبها "أسلافهم"، وهو الزيت الذي يشعل فتيل مجازر الهندوس ضد المسلمين خلال السنوات الأخيرة.