انهيار حكومة بينيت قد يكون يكون وشيكاً بعد عام من تشكيلها، حيث يواجه الائتلاف الحكومي في إسرائيل أزمة قد تؤدي لانهيار الحكومة في موعد لا يتجاوز الأسبوع المقبل، بسبب الخلاف حول قانون للمستوطنات وفي ظل شكوك بأن أحد أبرز قادتها قد عقد صفقة سرية مع رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو.
ووزير العدل الإسرائيلي جدعون سار، رئيس حزب أمل جديد، هو محور هذه الأزمة الجديدة. فحتى وقت قريب، كان يُنظر إلى سار على أنه معتدل، حسب التصنيفات الإسرائيلية ويمكنه الحفاظ على التوازن الدقيق في هذا الائتلاف المهتز. على أن شركاءه في التحالف فقدوا ثقتهم في أنه لا يزال كذلك، ويشكون أنه عقد صفقة سرية مع نتنياهو، حسبما ورد في تقرير لموقع Al Monitor الأمريكي.
قصة القانون العنصري الذي قد يؤدي إلى إنهيار حكومة بينيت
فالشهر الماضي، لم ينجح سار في الحصول على أغلبية داخل الائتلاف الذي شكل حكومة بينيت لتجديد اللوائح التي توسّع نطاق القانون الجنائي الإسرائيلي وجزء من القانون المدني ليشمل الإسرائيليين المقيمين في الضفة الغربية. وهذه اللوائح اعتمدها الكنيست في الأصل عام 1967، بعد حرب يونيو/حزيران مباشرة، باعتبارها إجراءات طوارئ. وبسبب حساسية هذا الموضوع، لم يغير البرلمان الإسرائيلي حالة الطوارئ لهذه اللوائح يوماً، وهذا يعني أنه لا بد من تجديدها كل خمس سنوات. وآخر مرة خضعت فيها للتجديد كانت عام 2017. وبالتالي، فصلاحيتها ستنتهي بنهاية يونيو/حزيران.
أي أن هذه اللوائح تمثل تمييزاً عنصرياً فاضحاً بين المستوطنين في الضفة الغربية وبين أصحاب الأرض الفلسطينيين المقيمين بالضفة، حيث يخضع المستوطنون للقانون الجنائي الإسرائيلي، بينما فلسطينيو الضفة يخضعون للقانون العسكري الإسرائيلي.
وفي غيابها، سيخضع الإسرائيليون الذين يعيشون في المستوطنات لسلطة السلطات العسكرية الإسرائيلية، مثلهم مثل الفلسطينيين المقيمين في المنطقة (ج) بالضفة الغربية.
وحتى عام 2017، كانت الحكومات الإسرائيلية، سواء من اليمين أو اليسار، تمددها بشكل روتيني. لكن الوضع مختلف هذه المرة. إذ يتكون الائتلاف من مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأحزاب من بينها حزب عربي هو القائمة العربية الموحدة التي شكلتها الحركة الإسلامية الجنوبية بقيادة منصور عباس، علماً بأن الشطر الثاني من الحركة وهو الحركة الإسلامية الشمالية بقيادة الشيخ رائد صلاح، يرفض المشاركة في العملية السياسية بإسرائيل وهي محظورة حالياً.
والائتلاف خسر أغلبية الكنيست في أبريل/نيسان. وفي الوقت الحالي، يعارض حزب القائمة العربية الموحدة "راعم" وعضوة الكنيست العربية غيداء ريناوي الزعبي التي تنتمي لحزب ميرتس اليساري تجديد هذه اللوائح، التي يقولان إنه بمثابة موافقة ضمنية على الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية.
وفي الأول من يونيو/حزيران، أعلن سار في مقابلة تلفزيونية أنه ينوي طرح هذه اللوائح للتصويت في الكنيست دون تأخير، وأن هذا سيكون اختباراً لاستمرار الائتلاف. وكان التهديد واضحاً للجميع.
هل تصوت القائمة العربية الموحدة ضد القانون؟
وتلوح مشكلات أخرى في الأفق أمام حكومة بينيت. إذ أشارت الرئيسة السابقة للائتلاف، عضوة الكنيست إديت سيلمان من حزب يمينا، إلى أنها تنوي التصويت ضد هذه اللوائح. ورغم أن سيلمان استقالت من منصبها في قيادة الائتلاف وتتعاون علانية مع الليكود، باعتبارها عضوة في الكنيست، فهي لا تزال عضوة في الائتلاف، على الأقل رسمياً.
ولو صوتت سليمان ضد تجديد هذه اللوائح، فقد تُصنف على أنها "منشقة" وبالتالي غير مؤهلة للترشح لمقعد- ولا حتى عن حزب الليكود- في الانتخابات المقبلة. ولو كانت واثقة من أن راعم سيصوت ضد اللوائح، فيمكنها ببساطة الامتناع عن التصويت والحفاظ على وضعها.
وتلك أزمة أخرى تتمحور حول قانون يصعب على راعم قبوله لأسباب أيديولوجية. وتثبت كيف كان الائتلاف يعيش في الوقت الضائع، علماً بأن "راعم" لم تنسحب من الائتلاف عندما سمح بينيت بمسيرة الأعلام المتطرفة التي تستفز الفلسطينيين.
وكسر منصور عباس خطاً أحمر لدى فلسطينيي 48، عندما أصبح حزبه الإسلامي الصغير أول فصيل عربي ينضم إلى ائتلاف إسرائيلي.
وانقسمت الحركة الإسلامية في أراضي 48 إلى فصيلين باتا متباعدين تماماً في المواقف، الأول الحركة الإسلامية في الشمال التي يقودها الشيخ رائد صلاح، وهي ترفض المشاركة في الكنيست وتخصص جزءاً كبيراً من جهودها للدفاع عن القدس والمسجد الأقصى، وهو ما أدى إلى سجن الشيخ رائد صلاح مراراً.
والفصيل الثاني هو الحركة الإسلامية في الجنوب، الذي خرج منه منصور عباس، والتي قررت الدخول لانتخابات الكنيست مثل كثير من الأحزاب العربية، ولكن عباس نقل حزبه لمرحلة أخرى عبر المشاركة في حكومة بينيت.
فعلى مدى 73 عاماً منذ النكبة، ظلت الأحزاب العربية في المعارضة، وتنتقد الحكومات الإسرائيلية المتوالية ولا تريد أي دور في السياسات ضد إخوانها الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. في المقابل غالباً ما كان نظراؤهم اليهود ينظرون إليهم على أنهم تهديدات أمنية محتملة وأعداء من الداخل.
ويرأس عباس (47 عاماً) حزب "راعم" الذي تصفه وسائل الإعلام الغربية بأنه حزب إسلامي محافظ معتدل، جذوره تعود لجماعة الإخوان المسلمين، وغالبية ناخبيه هم من العرب البدو في النقب، وهم من أفقر السكان في إسرائيل، حسبما ورد في تقرير Washington Post الأمريكية.
ولكن نجاحات عباس في تحقيق بعض المكاسب لقاعدته الانتخابية، أو بالأحرى وقف الخسائر التي تلحق بها، تقابلها مواقف صادمة للرأي العام للفلسطينيين في الضفة وغزة أراضي 48 على السواء.
فالاتفاق الخاص بالائتلاف الحكومي ينص على دعم توسيع البناء الاستيطاني في القدس المحتلة، ولقد وافق عباس باعتباره عضواً بالكنيست ورئيس القائمة العربية الموحدة المشاركة في الحكومة عليه.
تاريخياً اعتمدت الحركة الإسلامية الجنوبية التي انشقت عن الشق الشمالي بقيادة الشيخ رائد صلاح، في تبرير دخولها إلى "الكنيست"، على فكرة الرباط في الأقصى وتسيير القوافل إلى المسجد، وتأتي خطوة عباس منصور بدعم حكومة الاحتلال التي يدعم قادتها مثل "نفتالي بينيت" الاستيطان في القدس وضم الضفة، تنازلاً عقائدياً آخر عن المبادئ الإسلامية التي لطالما رفعتها الحركة.
ويصف الاتفاق الحكومي مدينة القدس المحتلة بأنها "عاصمة إسرائيل"، ويدعم نقل كافة الوزارات الحكومية الإسرائيلية ووحداتها القطرية إليها.
كما صدم عباس الفلسطينيين في كل مكان، سواء في أراضي 48 أو خارجها عندما اعترف بإسرائيل كدولة يهودية في مؤتمر أعمال، وانتقدت السلطة الفلسطينية تصريحات عباس بشدة، وقالت الرئاسة الفلسطينية، إن منصور عباس عوضاً عن أن ينحاز إلى حقوق شعبه، أصبح جزءاً من تيار يعزز المشروع الاستعماري الصهيوني، فبدل أن يدين الاستيطان وعمليات القتل والتهجير التي يرتكبها الاحتلال، ومخططات المتطرفين الإسرائيليين لتفريغ الأراضي الفلسطينية، نراه اليوم يكرر ما تروجه الحركة الصهيونية من أكاذيب لا تمت للتاريخ بصلة.
نتنياهو لن يصوت لصالح تجديد القانون لإسقاط الحكومة
وآخر مرة حدثت أزمة مشابهة، أنقذت المعارضة حكومة بينيت. فحينها، منح الليكود دعمه لتشريع يقدم منح أكاديمية للجنود المقاتلين بعد تسريحهم، بعد أن رفض "راعم" دعمه. ولكن هذه المرة، أعلن زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو أنه لن ينقذ الائتلاف مرة أخرى، وأنه سيعمل على إسقاطه دون تأخير.
ويعني ذلك أن نتنياهو سيمنع تمرير قانون هو في صالح المستوطنين، بهدف إسقاط حكومة بينيت.
وبالنظر إلى كل هذا، فربما يكون الوضع الحالي هو أخطر أزمة تواجهها حكومة بينيت المنهكة والمستمرة حالياً دون أغلبية.
يشار إلى أن الحكومة الحالية قد تشكلت في 13 يونيو/حزيران الماضي، بأغلبية ضئيلة من 61 صوتاً من أصوات الكنيست الـ120، ثم ما لبثت أن فقدت أغلبيتها لتبقى بـ60 صوتاً.
وطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، الجمعة 3 يونيو/حزيران 2022، ممن وصفهم بـ"الأغلبية الصامتة" في المجتمع الإسرائيلي دعم حكومته، بعد أن أشار إلى أن البلاد تقف أمام مفترق طرق، سيقودها إما إلى "استمرار العمل أو العودة إلى الفوضى".
وقال بينيت في مناشدة برسالة من 27 صفحة، وجهها إلى الإسرائيليين، بمناسبة مرور عام واحد على تشكيل حكومته: "كنا نقف قبل عام أمام الذهاب إلى حملة انتخابية خامسة، من شأنها أن تفكك البلاد، ثم اتخذت القرار الأكثر صعوبة في حياتي، وهو تشكيل حكومة إنقاذ وطنية لإنقاذ البلاد من الفوضى وإعادتها إلى العمل، والشراكة مع أشخاص لديهم آراء مختلفة جداً عن آرائي من أجل إنقاذ البلاد".
وأضاف: "كنت أعرف أن آلة سموم ضخمة ستوجّه ضدي، وأخذت على عاتقي أن أكون المدافع البشري عن دولة إسرائيل".
ومنذ تشكيلها من أحزاب يمينية ووسطية وحزب يساري، وبدعم من القائمة العربية الموحدة، تواجه الحكومة أزمات متتالية.
وتسعى المعارضة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو جاهدة إلى إسقاط الحكومة، عبر العمل على استقطاب نائب أو أكثر من داخل الائتلاف الوزاري، وهو ما من شأنه أن يسقطها على الفور.
ومنذ أبريل/نيسان 2019، وحتى مارس/آذار، 2021 أجريت 4 جولات انتخابية برلمانية، بمعدل مرة كل 6 أشهر، بسبب عجز الأحزاب عن تشكيل حكومة تحظى بثقة الكنيست، حتى تمكن "بينيت" من تشكيل حكومته الحالية، مع شريكه زعيم حزب "هناك مستقبل"، وزير الخارجية الحالي يائير لابيد.
هل عقد وزير العدل الإسرائيلي صفقة سرية مع نتنياهو؟
وبشكل عام، فالمزاج السائد في الائتلاف هو اليأس. ولم يعد ممكناً إخفاء التوتر والشكوك بين أعضائه. وانتقد كبار أعضائه سار لتسببه في أزمة لا داعي لها.
لهذا السبب يشك الناس في أن سار يخطط للانضمام إلى الليكود لإسقاط الحكومة. لكنه نفى إجراءه محادثات مع الليكود في المقابلات التي أجريت معه، وقال إن موقفه الأصلي لم يتغير: بمعنى آخر، أنه لن ينضم إلى حكومة بقيادة نتنياهو. على أن عدداً غير قليل من أعضاء التحالف يشكون في ذلك.
وهذه الشكوك تضغط على رئيس الوزراء نفتالي بينيت ووزير الخارجية يائير لابيد بكل تأكيد. فهما أيضاً يسمعان الشائعات ويشاهدان التقارير التي تفيد بأن الساعد الأيمن لسار في حزب أمل جديد، وزير الإسكان وشؤون القدس زئيف إلكين، يستعد بالفعل للعودة إلى الليكود. فإلكين، مثل سار، ترك الليكود. وكلاهما يعتبر سياسياً ماكراً أيضاً، ولهذا يخشى المقربون من بينيت من أن سار ينصب له فخاً، وأنه يخطط بالفعل لإسقاط الحكومة إذا لم يُمرَّر القانون.
ووفقاً لاتفاق الائتلاف، إذا أسقط حزب أمل جديد اليميني الائتلاف، فستنتقل رئاسة الوزراء تلقائياً من بينيت إلى لابيد. وهذا السيناريو ربما يكون أكبر مخاوف بينيت.
إنه يريد استعادة شعبيته بعد دخوله في ائتلاف يضم حزباً عربياً
سار يشعر على ما يبدو بأنه دفع ثمناً انتخابياً باهظاً كي ينضم إلى هذا الائتلاف. إذ تُظهر استطلاعات الرأي أن حزبه سيتعرض لهزيمة ساحقة في أي انتخابات جديدة. وما يفعله الآن هو أنه يحاول استعادة مكانته، في حال انعقدت انتخابات جديدة. وكونه عضواً في تحالف يضم راعم أضر به بين قاعدة مؤيديه من اليمين. وربما يحاول سار أن ينأى بنفسه عن هذا.
من ناحية أخرى، لا تزال فرصة انضمام سار إلى نتنياهو مستبعدة، لا سيما في ضوء اتهاماته الأخيرة بأن نتنياهو وراء كل التعليقات السلبية التي تلقاها على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأكد سار في اتصال فيديو مع أنصار حزب أمل جديد، مطالبته لجميع أحزاب الائتلاف بدعم اللوائح، مشيراً إلى أنه "لو لم ينجح التحالف في السيطرة على نفسه، فهو يعرض استمرار الحكومة للخطر". وأكد أيضاً أنه لم يتفاوض أبداً مع الليكود للانضمام إلى المعارضة، رغم العروض الكثيرة التي قدموها له، وهو لا ينوي ذلك أيضاً. بل انتقد سار نتنياهو لرفضه دعم تجديد اللوائح، متهماً إياه بـ"عدم الشعور بالمسؤولية".