كانت هناك لمحة عن مستقبل إسرائيل في البلدة القديمة بالقدس يوم الأحد، 29 مايو/أيار، عندما نظم المتطرفون مسيرة الأعلام في استفزاز واضح لمشاعر الشعب الفلسطيني.
فقد احتشد عشرات الآلاف من الإسرائيليين عند الجدران والبوابات التاريخية، أغلبهم من المراهقين، إلى جانب أعداد صغيرة من العائلات، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
كان هذا التجمُّع، "مسيرة الأعلام" القومية المتطرفة التي تحيي ذكرى سيطرة إسرائيل على القدس الشرقية عام 1967، واحدة من الشرارات التي أشعلت العام الماضي حرباً في غزة وما يشبه الصراع الأهلي بين اليهود وفلسطينيي 48 في أنحاء إسرائيل.
لكن فيما كان الشباب الإسرائيلي يغني "محمد ميت" و"لسنا خائفين"، لم تكن هناك دلائل على تعلُّم أي دروس مما حدث العام الماضي.
وإن كان هنالك من شيء، فإنَّ الشباب الإسرائيلي اليميني المتشدد شعر بالتجرؤ وزاد في العدد. إذ قدَّرت الشرطة الإسرائيلية مشاركة 70 ألفاً في المسيرة، التي قال متحدث باسم الشرطة لموقع Middle East Eye البريطاني إنَّها كانت أكبر بكثير من السنوات الماضية.
مراهقون جرى جلبهم من المدارس بالحافلات
وعند بوابة الخليل، كان واضحاً أنَّ الفعالية التي كان يغلب على الحضور فيها المستوطنون الإسرائيليون قد باتت الآن الاتجاه السائد، إذ جرى نقل المراهقين بالحافلات من مدارسهم بمناطق مختلفة من البلاد.
جُلِبَ إيلون وعيران، وكلاهما يبلغان 16 عاماً، إلى القدس من مدينة عسقلان الساحلية عن طريق مدرستهما.
وقال إيلون للموقع البريطاني: "جئنا إلى هنا اليوم لنُظهِر أنَّ القدس لنا وليست للآخرين. لسنا خائفين، نحن هنا للتأكيد على أنَّ القدس لنا وستبقى لنا".
وأقرَّ إيلون وعيران، المُحاطان بالأعلام الإسرائيلية ورموز منظمة "ليهافا" اليمينية المتطرفة وقمصان مطبوعة بشعارات عدوانية، أنَّ بإمكانهما تفهُّم القضية الفلسطينية، لكنَّ القدس والأرض الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط "لنا".
وقال عيران: "سنواصل القتال كي تبقى في أيدينا. ففي النهاية، سنبقى هنا إلى الأبد".
مستقبل إسرائيل يتضح.. يريدون شخصاً مثل النائب المتطرف بن غفير
خلال الفترة الماضية قُتل عدد من الفلسطينيين على يد القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك صحفية الجزيرة شيرين أبو عاقلة، وسلسلة من الهجمات التي يشنها فلسطينيون من خلفيات متنوعة داخل إسرائيل.
ولم يؤدِّ الاعتداء الإسرائيلي الصادم على جنازة أبو عاقلة في القدس– على ما يبدو بسبب وجود الأعلام الفلسطينية- إلا لتأجيج الأوضاع قبل مسيرة الأعلام.
وأشار العديد من الشباب في البلدة القديمة إلى الهجمات الفلسطينية الأخيرة باعتبارها أسباباً لانجرافهم نحو اليمين. ومع أنَّ الحكومة الإسرائيلية يترأسها يمينيّ صقوري متشدد، نفتالي بينيت، فإنَّهم يصفونها بأنها ضعيفة وغير عملية، ويجري لومها على تدهور الوضع الأمني.
مع ذلك، ليس رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، هو الذي يحقق مكاسب سياسية من مشكلات بينيت في شوارع القدس الحجرية، بل إيتمار بن غفير، وهو تابع سابق للمؤمن بنظرية تفوق اليهود مائير كاهانا ويمثل واجهة لليمين المتطرف الإسرائيلي المزدهر والعنصري علانيةً.
قال عيران: "الدولة في وضع سيئ في ما يتعلق بالاقتصاد والهجمات الأخيرة ضد الإسرائيليين. نحتاج شخصاً مثل بن غفير. يقول بن غفير بصوتٍ عالٍ ما يؤمن به، ولا يخشى أي أحد أو ما يعتقدونه حياله، وهذا هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يُحدث تغييراً".
وحين سُئِلَت شيرا، وهي فتاة تبلغ 16 عاماً من بئر السبع جنوبي إسرائيل، ومويرا، وهي فتاة تبلغ 17 عاماً من مدينة يافني قرب تل أبيب، مَن ينبغي أن يكون رئيس وزرائهم التالي، يصرخان بصوتٍ واحد: "بن غفير".
بن غفير سيتفوق على بينيت
ودخل بن غفير، الذي شارك في مسيرة الأحد بالقدس محاطاً بأنصاره، البرلمان الإسرائيلي عام 2020 بمبادرة من نتنياهو، في محاولة فاشلة لإبقاء نفسه في السلطة. وتُظهِر استطلاعات الرأي الآن أنَّ حزب بن غفير سيفوز بمقاعد أكثر من حزب بينيت في أي انتخابات مستقبلية، وهي الانتخابات التي تبدو الدعوة إليها أكثر ترجيحاً مع ظهور كل أزمة سياسية جديدة.
وهنالك احتمال كبير أن تجد بن غفير عند أي حادث ملتهب، وهو يوجه للفلسطينيين لغة عنصرية ويحمل أسلحة نارية علناً.
وقالت مويرا: "مع أنَّ البعض يصفه بأنَّه متطرف، فإنَّه ساحر ولطيف للغاية".
ويريدون طرد كل الفلسطينيين
يوجد 300 ألف فلسطيني يعيشون حالياً بالقدس، لكن إذا ما حصل الكثير من الشباب الإسرائيلي الذي شارك في مسيرة الأعلام على مراده، سيُطرَد هؤلاء المقدسيون من منازلهم.
تعتقد مويرا أنَّ حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يكمن في طرد الفلسطينيين.
وقالت: "يجب أن نساعد الفلسطينيين على الهجرة من هنا، لديهم 30 بلداً، ونحن لدينا بلد واحد فقط. وربما يمكننا السماح ببقاء أولئك الذين يقبلون بسيادتنا".
تختلف معها شيرا قائلةً: "علينا أن نطردهم جميعاً".
هذا النوع من العداء الصريح للمقدسيين الفلسطينيين بمن فيهم عرب 48 الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية لطالما كان جزءاً من الحياة العامة الإسرائيلية، لكنَّه لم يكن يتجلَّى في مسيرات عدوانية تحت حماية مشددة من الشرطة حتى وقتٍ قريب.
ويمتلك الفلسطيني رياض الحلاق مقهى في شارع الواد، وهو الطريق الرئيسي من باب العامود إلى المسجد الأقصى عبر البلدة القديمة.
وقال للموقع البريطاني: "في السنوات الماضية، كانت المسيرة أصغر بكثير وكانت تمر بمتاجرنا بسلام دون مهاجمة متاجرنا".
وقد تعرَّضت الأعمال والمنازل الفلسطينية للتخريب والبصق والكتابة على جدرانها، وتعرَّض الفلسطينيون للاعتداء من جانب المشاركين الإسرائيليين في المسيرة.
قالت مويرا: "كان من المهم بالنسبة لنا أن نأتي لنُظهِر للعرب أنَّنا لسنا خائفين وأنَّ القدس لنا".
وخارج بوابة الخليل، كانت مجموعة من المراهقات يُغنِّين ويرقصن وهنَّ ملفوفات بالعلم الإسرائيلي. وقطعن كل هذا الطريق من مجموعة من البلدات الإسرائيلية على الحدود مع قطاع غزة.
قالت إحداهن: "يجب أن تفهموا أنَّنا أقوياء وأنَّ الرب يرعانا. إذا ما واجهنا أي مقاومة من العرب في البلدة القديمة، سنكسرهم".