لا حديث هذه الأيام عند الجمهور المغربي إلا عن السجال الذي بدأ حول أحقية ملعب الدار البيضاء في استضافة نهائي دوري الأبطال القاري (دوري أبطال إفريقيا) والذي زادت حدته في تحضيرات ما قبل تلك المباراة، ولا يبدو أن الحديث سيتوقف حتى بعدما انتهت المباراة بتتويج الوداد البيضاوي باللقب الإفريقي على حساب الأهلي المصري، والذي تحول إلى سبة في حق كرة القدم المغربية؛ كونه انتصاراً ضرب مبدأ تكافؤ الفرص وشرط النزاهة اللازم تحقيقه في مثل هذه المناسبات.
اللافت في هذا الموضوع وكالعادة في كل الملفات التي تحظى برعاية رسمية، والتي يعتبر الانخراط فيها مقياساً للوطنية، هو ذلك المزاج العصبي الذي يسيطر على المتحدثين فيه، حيث تؤخذ كل التفاصيل المتعلقة بها بالتشنج والانفعال والهجوم على كل رأي خارج عن الإجماع المقرر سلفاً تحقيقه في مثل هذه المعارك، وهو ما يلمس في التعبئة الواسعة والتهييج الذي يمضي على قدم وساق للجمهور من طرف أدوات الدعاية الممثلة في الإذاعات وصفحات التأثير في منصات التواصل الاجتماعي.
القضية سيادية، إذ أضحى النقاش أكبر من مسألة الملعب التافهة، وهذا مفهوم، فبعد أن استأثرت اللوبيات الاقتصادية النافذة بالحقل الرياضي وبعد أن راهن المغرب الرسمي على استغلاله في دبلوماسيته الموازية على الصعيد القاري أصبح يضخم كل الإشكالات البسيطة ويعلي من شأنها كأنه يخوض حرباً تستلزم بروباغندا عنيفة كالتي يمارسها، حيث إن النزاع الأخير ما كان ليستدعي تلك الردود الحادة الموجهة التي أسفرت عن تدشين حملة كراهية بحق المصريين شبيهة بالحملات السابقة ضد غيرهم.
الأصل أن الحفاظ على هيبة الكرة المغربية أهم من أية حسابات أخرى ولو أبدت جامعة الكرة استعدادها للتنازل عن تنظيم المنافسة القارية لصالح الملعب المحايد لكسبت كثيراً من الاحترام بدلاً من الهروب إلى الأمام وتبرير ما لا يبرر، فقد كرس السلوك الرياضي الرسمي وأبواقه الدعائية الانطباع على أن المغرب ضعيف وغير قادر على حصد الألقاب وتحقيق الإنجازات، وهو يحتاج إلى من يمد له يد المساعدة بطرق غير رياضية عبر العمل على اصطياد الثغرات في قوانين الكاف، مثلما حدث في المباراة المذكورة أو عبر إقرار تسويات أو تفاهمات كالتي سمحت للمنتخب الوطني باحتضان كل مباريات إقصائيات كأس العالم في ملاعب مغربية.
الواقع أن جامعة الكرة تغطي على حصادها الهزيل الذي لا يتناسب مع مستوى إنفاقها القاروني على هذا القطاع، ومع حجم دعايتها بصناعة الإنجاز، فتركب على بعض الانتصارات المحدودة وتبني صورة وهمية للمغاربة عن منتوجهم الكروي لتأتي المحطات الكبرى فتصفعهم وتظهر مستواه الحقيقي، فهي سابقاً سوقت للمشاركات المغربية في البطولة الإفريقية للمحليين وفي كؤوس الأندية خصوصاً كأس الكنفدرالية، في الوقت الذي كان رصيدها في كأس إفريقيا للأمم مخجلاً، ناهيك عن الغياب الطويل للمنتخب الأوليمبي عن الألعاب الأوليمبية وعن الشلل الذي يعم منتخبات الفئات العمرية المختلفة والفشل في النهوض باللاعب المحلي وتطوير أدائه الكروي والاقتصار على استيراد لاعبين من الخارج لم يكن للجامعة أي يد فيما وصلوا إليه من مستوى احترافي كبير، وليتها أفلحت في توظيفهم، حيث إن أقصى إنجازاتهم كان وصولهم بالمنتخب إلى كأس العالم وخروجهم المبكر منه بنقطة يتيمة.
المثير للاستفزاز هو ذلك المنطق المختل الذي يسعى لتسويق النفوذ المغربي في "كاف" وفي "فيفا"، ويعتبره إنجازاً في حد ذاته، وهو بذلك يضرب الكرة المغربية من حيث يظن أنه يدافع عنها، خصوصاً حين يتهم المصريين بأن جل ألقابهم راجع لنفوذهم السابق في مؤسسات الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، كأن لسان حاله يقول الآن دورنا في الكولسة كما كنتم تكولسون، مع الفرق أن النفوذ الذي استفاد منه المصريون أو التونسيون أو غيرهم- إذا افترضنا أنه حدث- ظل غير مرئي ولم يكن مفضوحاً بهذا الشكل الذي أظهره المسؤولون الكرويون المغاربة.
سمعة الكرة المغربية على المحك، فهي بتاريخها المشرف ومواردها البشرية الموهوبة قادرة على إعادة توهجها وعلى فرض احترام الآخرين لها، شرط القطع مع الممارسات الملتوية التي أفسدتها داخلياً وخارجياً والتركيز على المطالبة بمحاسبة المسؤولين عن الملف الرياضي والكروي، بدلاً من تلميعهم وتنزيههم، لأن هذا يزيد في تغول من هم في الأصل فوق طائلة القانون.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.