ربما كان جوزيف ستالين (1878 – 1953) الرجل الأكثر سيطرةً ونفوذاً في تاريخ الاتحاد السوفييتي، وبعيداً عن الاختلاف على تقييمه خلال حكمه الاتحاد السوفييتي لـ 30 عاماً بين من اعتبره بطلاً قومياً ساهم في نهضة صناعية لبلاده، وبين من اعتبره ديكتاتوراً مصاباً بجنون العظمة، لكن الشيء الذي اتفقت عليه معظم المصادر التاريخية أن الحياة العائلية لستالين كانت معقدة ومفككة.
سواء لعائلته الصغيرة، ابتداءً من زوجته التي انتحرت بعد شجار بينهما، أو ابنه الذي حاول الانتحار ثم قُتل بالرصاص أو انتحر في معسكر اعتقال نازي؛ حيث تركه والده ليلقى مصيره، وابنه الآخر الذي كان محباً للخمر والنساء وانتهت مسيرته من الترقي بالجيش إلى التجريد من كل ألقابه ودخول السجن، أو ابنته التي طلبت لجوء سياسي وقضت حياتها في الهجوم على والدها، وقبلهم والداه، إذ أرادته والدته قساً وخيب ظنها بطرده من المدرسة الروسية للمسيحية الأرثوذكسية بسبب تغيبه عن الاختبارات وتأثره بالحركة الاشتراكية، أما والده الذي كان مدمناً للكحول فقد اعتاد على ضربه هو ووالدته.
كيف كانت الحياة العائلية لستالين؟
زوجته الثانية ناديا آليلوييفا – انتحار
تزوج ستالين مرتين؛ الأولى كانت من الجورجية كاتو سفانيدزي (عام 1906) لكنها توفيت في العام التالي للزواج، وذلك بعد إنجاب ابنه الأكبر ياكوف جوجاشفيلي؛ حيث يعتقد أنها أصيبت بالتيفوس أو السل ولم تنجُ منه وماتت بعمر الـ 22.
ثم تزوج ستالين من زوجته الثانية الروسية ناديا آليلوييفا (أو ناديجدا آليلوييفا – عام 1919)، التي عرفته في طفولتها وقبل أن تتزوجته بعمر الـ 18 عاماً، إذ كان والدها عضواً نشطاً في حزب العمل الاشتراكي الديمقراطي الروسي، واعتقل ونفي إلى سيبيريا قبل أن يعود إلى القوقاز (عام 1902)؛ حيث التقى بستالين وساعده في أعماله الثورية، وانتقلت آليلوييفا مع عائلتها بين مدن الاتحاد السوفييتي لتجنب الاعتقال بسبب النشاط السياسي لوالدها، حتى استقروا في سانت بطرسبرغ حيث ترعرعت.
تزوجت ابنة الـ18 عاماً التي أصبحت متأثرة ومناصرة للبلاشفة من الثائر ستالين الذي كان عمره 39 عاماً، وأصبحت السيدة الأولى لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، وركزت اهتمامها على الحياة المنزلية وتربية أبنائها، إذ أنجبت لستالين ابنه فاسيلي (1921)، وابنته الوحيدة سفيتلانا (1926)، كما اعتنت بالابن الآخر الذي تبناه ستالين وهو أرتيوم سيرجييف، ابن أحد أصدقائه المتوفين.
لكن يعتقد أن الأم؛ أليلوييفا التي كانت عضوةً مخلصةً في الحزب الشيوعي، وعملت في البداية سكرتيرةً للمعارض الروسي الماركسي فلاديمير لينين، ركزت على الحياة الأسرية والبقاء في المنزل برغبة من ستالين، وأنه هو من أجبرها على ذلك بطردها من الحزب لاعتبارها لا تفهم في سياساته، وذلك بعد بضعة أشهر من ولادة ابنها فاسيلي، لكنها رغم ذلك اتجهت لاحقاً للدراسة والتحقت بالأكاديمية الصناعية لدراسة الهندسة والألياف الاصطناعية.
أما بالنسبة للحياة الأسرية لزوجين كثيري الشجار فلم تكن سهلة، وقيل إن أسباب الشجار كانت تتعلق بغيابه عن المنزل أو قسوته أو اعتقاد زوجته بأن له علاقات نسائية أخرى أو بسبب مشاكل عائلية يتهم فيها ستالين والدة زوجته بالإصابة بالفصام، فيما أرجعت ابنتهما أسباب الشجار إلى عدم تحملها سياسات زوجها في الحكم، وكان تواصل الزوجين في بعض الفترات يقتصر على الرسائل.
وفي إحدى ليالي نوفمبر/تشرين الثاني 1932، وقبل أسابيع قليلة من إنهائها مسيرتها الأكاديمية قررت إنهاء حياتها، إذ أطلقت النار على قلبها ولم يعثر على جثتها إلى صباح اليوم التالي من مدبرة المنزل، حيث فضلت أن تذهب لمنزلهم الريفي البسيط خارج المدينة قبل يومين فقط من وفاتها، ولإنهاء حياتها استخدمت مسدساً صغيراً أحضره شقيقها لها هدية من برلين بعد طلبٍ منها بحجة حماية نفسها داخل الكرملين إلا أن ستالين فضل أن تعلن وفاتها بأنها نتيجة التهاب في الزائدة الدودية، رغم أن بعض المصادر التاريخية ترجع سبب إقدامها على الإنتحار إلى شجارٍ خاضته مع ستالين قبلها مباشرةً، وفق إحدى الروايات التي نشرتها الصحف الأمريكية على رأسها صحيفة The New York Times.
الابن الأكبر ياكوف يوغاشفيلي – محاولة انتحار وموت بالرصاص في معتقل نازي
تذكر المصادر التاريخية أن الابن الأكبر ياكوف الذي توفيت والدته وعمره أشهراً تربى في جورجيا مع عمه، ولم يسافر إلى موسكو إلا في سن الـ 14، لكن الأب رآه حينها ابناً ضعيفاً مخيباً لآماله، وكانا مختلفين في كل شيء، بدايةً من التخصص الدراسي الذي أراده ياكوف، إذ أجبره والده على دراسة هندسة التوربينات والبطاريات بدلاً من القانون.
مروراً بزواجه الذي رفضه، إذ تقول إحدى الروايات التاريخية التي نقلها موقع Defense Media Network إنه عاش مع صديقته زويا جونينا وهي ابنة كاهن أرثوذكسي، وعندما أخبر والده عن نيته للزواج استشاط غضباً وحاول الانتحار وأطلق النار على نفسه، لكن الرصاصة أخطأت قلبه ودخلت رئته، وقامت زوجة ستالين بتضميده، ويقال أيضاً إن الأب سخر من هذا المشهد باعتبار الابن فشل حتى في الانتحار، ويعتقد أيضاً أن الابن خالف رغبة أبيه وتزوج من حبيبته، لكن الزواج استمر أقل من عامين.
الأمر الآخر الذي اختلف فيه الاثنان ما يتعلق بالجيش؛ إذ انضم ياكوف إلى المدفعية عام 1940، وشارك في الحرب العالمية الثانية ضد الألمان، لكنه أسر بعد شهر واحد وذلك خلال معركة سمولينسك عام 1941، لكن بعض قادة الجيش الأحمر أفادوا بأن ابن ستالين هو من استسلم للألمان، بل حتى إنه انتقد قادة بلاده خلال استجوابه، وهو ما أغضب ستالين الذي قرر تركه بالمعتقل وعدم التفاوض لإخراجه من الأسر، حيث مات قتلاً بالرصاص في العام 1943، وجادل المؤرخون بين اعتبار قتله جاء بعد محاولة هروب فاشلة من أحد الحراس أو طلبه إطلاق الرصاص عليه وكونه انتحاراً يائساً، وفق صحيفة The Independent البريطانية.
الابن فاسيلي ستالين – اتجه للكحول منذ سن الـ 13 عاماً وسُجن لـ 7 سنوات
"كان يحب تدمير الأشياء. كان يأخذ الدُمى الخاصة بي أو يقطع الزهور التي زرعناها.. كان يحتقرني"
هكذا وصفت الأخت الصغرى حياة فاسيلي الذي رباه الحراس والمربيات بسبب انشغال والده في السياسة، وتعيين أمه مربيات له ولشقيقته لرغبتها في احتراف مهنة خاصة لها خاصةً بعد إجبارها على ترك الحزب، وذلك قبل أن تقرر الانتحار بينما كان عمر فاسيلي 12 عاماً فقط، وهو ما جعله أكثر عنفاً وتمرداً إلى درجة اتجاهه لشرب الكحول في عمر الـ 13 عاماً، وفق ما أورده موقع All That's Interesting.
في عام 1938، ومع انتهاء أيام مدرسة فاسيلي، قرَّرَ أن يصبح طياراً في سلاح الجو السوفييتي، لكنه كان يعيش في أماكن مميزة، ويتناول طعاماً فاخراً، بأمرٍ من رئيس الشرطة السرية، لافرينتي بيريا، بينما أراد الأب لابنه حياة عسكرية جادة، لذلك أمر بنقل الشاب البالغ من العمر 18 عاماً إلى الثكنة مع المتدرِّبين الآخرين وأن يحصل على نفس الحصص مثل أيِّ شخصٍ آخر، إلا أن فاسيلي لم يحب كثيراً الحياة العسكرية، حيث كان يشرب الخمر ويطارد النساء في كثيرٍ من الأحيان، كما كان مكروهاً من زملائه الضباط.
وفي عمر الـ 19، التقى فاسيلي بزوجته الأولى، غالينا بوردنسكايا، وتزوجها دون علم ستالين، الذي أرسل لابنه خطاباً بمجرد معرفته بالخبر بالصدفة، إذ كتب بقلم رصاصٍ أحمر: "لماذا لم تطلب إذني بالزواج؟ حسناً، فلتذهب إلى الشيطان. أنا أشفق عليها؛ لقد تزوَّجَت من أحمق". وقد أُمِرَ الزوجان الشابان بالانتقال إلى الكرملين، حيث قضيا فترةً وجيزةً من السعادة، ورُزِقا بطفلين، قبل أن ينتكس فاسيلي إلى الإفراط في شرب الخمر والعلاقات خارج إطار الزواج، ما أنهى زواج فاسيلي سريعاً.
حياة فاسيلي العسكرية أيضاً لم تكن في أحسن أحوالها، فعندما بدأت الحرب العالمية الثانية، انضم أولاد ستالين إلى الجيش السوفييتي من أول يوم، لكنه لم يشارك فعلياً في الحرب، إذ خاف والده مما قد يحل به بسبب ابنه "الفاشل"، خصوصاً بعد أسر ياكوف على يد الألمان، ومع ذلك، بدأ يُدفَع باطرادٍ إلى الترقي، إذ نال رتبة نقيب، ثم رائد، وأخيراً عقيد، وكلُّ ذلك في غضون عامٍ واحد، وكان سبب ذلك مفهوماً، إذ كان كبار الضباط يأملون كسب ودِّ والده. رغم كلِّ هذه الترقيات، لم يكن فاسيلي ضابطاً نموذجياً. ووفقاً لجنديٍّ زميل له، "كان فاسيلي يشرب الخمر بإفراطٍ كلَّ يومٍ تقريباً، ولم يحضر إلى الخدمة لأسابيع متتالية، ولم يسعه أن يترك النساء".
وفي 1 مايو/أيَّار 1952، بينما كان في حالة سُكرٍ شديدة، أمر برحلةٍ جوية على الرغم من الطقس السيئ، وهو القرار الذي أدَّى إلى وفاة طيَّارَين أثناء تحطُّم الطائرة. غضب ستالين لذلك وجرَّد ابنه من رتبته، كما أشار موقع The Famouse People، كما اتهم بالإهمال الجنائي واختلاس أموال عسكرية لإشباع نهمه لشرب الخمر أثناء الحرب بعد وفاة والده، إذ جرده الرئيس اللاحق نيكيتا خروتشوف من رتبته وجوائزه وأمواله وحريته وسجن لـ7 سنوات، ولم يفرج عنه إلا بعدما ساءت حالته الصحية في يناير/كانون الثاني 1960 قبل انتهاء مدة سجنه، لكن بمجرد خروجه، سرعان ما عاد إلى الخمر، ودمَّرَ ما تبقَّى من صحته، إذ تُوفِّيَ فاسيلي ستالين قبل يومين من عيد ميلاده الحادي والأربعين عام 1962.
الابنة سفيتلانا – لجوء سياسي في الولايات المتحدة
"أنا سفيتلانا آليلوييفا، ابنة ستالين، لطالما كرهت روسيا السوفييتية.. أينما ذهبت سأكون دائماً سجينة سياسية باسم والدي" .
كان موقف الابنة تجاه والدها حساماً وسلبياً، ولم تغفر له إخفاءه سبب وفاة والدتها الحقيقي بينما كانت طفلة بعمر الـ6 سنوات تقريباً، وأنه لم يخبرها أنه كان انتحاراً وليس موتاً بالزائدة الدودية، وتقول إن والدها حاول السيطرة على حياتها منذ طفولتها، وحتى اختيار مجالها الأكاديمي وحبيبها.
إذ تقول إنه رفض دراستها للأدب، ومنعها من رؤية حبيبها اليهودي، حتى إنه أرسله لمعسكرات الاعتقال لمدة 5 أعوام، وتقول أيضاً إن الدولة تدخلت في حياتها الشخصية حتى بعد وفاة والدها، إذ منعتها من الزواج من حبيبها الشيوعي الهندي، براجيش سينغ.
وحسب صحيفة The New York Times الأمريكية، فقد سافرت سفيتلانا إلى دلهي عام 1966 بحجة حضور جنازة حبيبها الهندي، وهناك قدمت طلب لجوء سياسية إلى السفارة الأمريكية مع طفليها، ثم انتقلت للعيش في الولايات المتحدة، حيث حصلت على جنسيتها، وغيرت اسمها واختارت اسم لانا بيترز، نسبة إلى زوجها المهندس المعماري ويليام ويسلي بيترز، بعد فترة من استعمال لقب والدتها بدلاً من لقب والدها.
أخذت الابنة الصغرى تهاجم والدها والاتحاد السوفييتي في المؤتمرات الصحفية وفي مذكراتها وكتبها، مثل كتاب "عشرون رسالة لصديق"، و"عام واحد فقط"، الذي وصفت فيها رحلتها إلى الولايات المتحدة، وموقفها من والدها الذي وصفته بـ "البشع"، أو الاتحاد السوفييتي الذي وصفته بـ"الفاسد"، واستمر ذلك حتى وفاتها في العام 2011.