قالت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، الأربعاء 25 مايو/أيار 2022، إن بحوزتها وثائق تفيد بأن إيران وفّرت الوصول إلى التقارير السرية للوكالة الذرية التابعة للأمم المتحدة منذ نحو عقدين من الزمن، لتوزيعها على كبار المسؤولين، للتستر على "الأعمال السابقة المشبوهة" بشأن الأسلحة النووية.
تكشف وثائق الوكالة الدولية للطاقة الذرية والسجلات الإيرانية المصاحبة لها باللغة الفارسية عن بعض التكتيكات التي استخدمتها طهران مع الوكالة، المُكلّفة بمراقبة الامتثال لمعاهدات حظر الانتشار النووي، ولاحقاً الاتفاق النووي لعام 2015.
الصحيفة الأمريكية نقلت كذلك عن مسؤولين استخباراتيين في الشرق الأوسط قولهم، إنَّ "وثائق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي وصفتها الوكالة بالسرية، والسجلات الإيرانية، وُزّعَت بين 2004 و2006 بين كبار المسؤولين العسكريين والحكوميين الإيرانيين"، بينما كانت الوكالة تحقق في المعلومات التي تشير إلى أنَّ إيران عملت على تطوير أسلحة نووية.
وثائق حساسة
وتنقل "ذا وول ستريت جورنال" عن ديفيد أولبرايت، رئيس معهد العلوم والأمن الدولي، ومفتش الأسلحة السابق التابع للأمم المتحدة، أنَّ حصول إيران على وثائق حساسة للوكالة الدولية للطاقة الذرية "يمثل انتهاكاً خطيراً للأمن الداخلي للوكالة".
وأضاف أولبرايت: "يمكن لإيران تصميم إجابات تعترف فيها بما تعرفه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالفعل، وتفصح عن المعلومات التي من المحتمل أن تكتشفها بنفسها، وفي الوقت نفسه تخفي بشكل أفضل ما لا تعرفه الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى الآن وما تريد إيران إبقاءه سرياً".
وكانت سجلات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي حصلت عليها إيران من بين أكثر من 100 ألف وثيقة وملف توصّلت إليها المخابرات الإسرائيلية، في يناير/كانون الثاني 2018، من أرشيف طهران ذاته.
ملاحظات بالفارسية كُتبت بخط اليد
تتضمن بعض الوثائق ملاحظات مكتوبة بخط اليد باللغة الفارسية على وثائق الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومرفقات مع تعليقات إيرانية. وفي العديد من الوثائق التي راجعتها المجلة، نسب المسؤولون الإيرانيون الفضل إلى "أساليب استخباراتية" في الحصول على تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقال أشخاص مطلعون على الأمر إنَّ إسرائيل سلّمت الأرشيف النووي إلى مجتمع الاستخبارات الأمريكي، ومنحت وصولاً جزئياً إلى خبراء مستقلين، بما في ذلك من مركز أبحاث بلفر للعلوم والشؤون الدولية Belfer Center في جامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية.
ولقد خلُص المركز، في أبريل/نيسان 2019، إلى أنَّ الأرشيف أظهر أنَّ العمل النووي الإيراني قد تطوّر لأبعد مما كان يُفهَم سابقاً، حسب الصحيفة.
تشير إحدى المذكرات المكتوبة بالفارسية بخط اليد، والمرفقة بسجل شركة إيرانية، إلى أن مسؤولاً إيرانياً كبيراً ضغط على محسن فخري زادة، الذي يُنظَر إليه على نطاق واسع على أنه أبو برنامج الأسلحة النووية لإيران، للتوصل إلى "سيناريو" يشرح للوكالة الدولية للطاقة الذرية سبب تغيير سجلات إحدى الشركات إلى شركة مدنية ادعت إيران أنها تعمل في منجم يورانيوم محلي.
اختفاء إحدى الشركات
فوفقاً لمجموعة من الوثائق الإيرانية، لم تعد شركة "كيميا معدن" موجودة في سجلات الشركات الإيرانية، في ديسمبر/كانون الأول 2001. بينما تُظهر إحدى الوثائق توجيه أمر للمسؤولين الإيرانيين بتغيير تاريخ تصفية "كيميا معدن" في سجلات الشركة إلى مايو/أيار 2003.
ووفقاً لمخابرات الشرق الأوسط، أتاح التغيير لإيران أن تخبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنَّ العمل في منجم اليورانيوم، قبل مايو/أيار 2003، أجرته شركة "كيميا معدن" لصالح منظمة الطاقة الذرية الإيرانية؛ ما يدعم تأكيد إيران أنَّ المنجم كان مدنياً ومنفصلاً عن أي عمل نووي عسكري.
وكتب المسؤول الإيراني الكبير باللغة الفارسية أنَّ الوكالة الدولية للطاقة الذرية مُلزَمة بالسؤال عن دقة سجلات الشركات الإيرانية، قائلاً لفخري زادة: "يجب أن نسرع".
وتضمنت وثيقة أخرى للوكالة الدولية للطاقة الذرية تفاصيل معلومات من الأقمار الصناعية، وأدلة مفتوحة المصدر عن عمل إيران في الماء الثقيل، وقائمة من 18 سؤالاً أعدتها الوكالة لطرحها على إيران بشأن عملها.
وكان من بين المسؤولين الذين تلقوا تنبيهات بشأن سجلات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، علي شمخاني، وزير الدفاع آنذاك، ورئيس الأمن القومي للبلاد حالياً. وقيل لهم إنَّ الوكالة الدولية للطاقة الذرية أجرت تحقيقاً في أعمال الماء الثقيل في إيران.
التأثير على المحادثات النووية
من جانب آخر، لا يزال رفض تعاون إيران المزعوم مع تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية يلقي بظلاله على جهود إدارة بايدن والدول الأوروبية، لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، الذي تركته إدارة ترامب في عام 2018.
ومع تعثر المحادثات في الأسابيع الأخيرة بشأن إحياء الاتفاقية، تريد إيران إغلاق تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المستمرة في أنشطتها السابقة في مجال الأسلحة النووية قبل إحياء الاتفاق.
واتفقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران على محادثات مكثفة هذا الربيع، على أمل أن يكون لدى الوكالة ما يكفي من الوضوح بشأن العمل النووي الإيراني، بحيث يمكن لمجلس الدول الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة الذرية إغلاق التحقيق في يونيو/حزيران، لكن مسؤولي الوكالة قالوا إنَّ إيران واصلت عرقلة التحقيق.
وقال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، أمام البرلمان الأوروبي، في وقت سابق من مايو/أيار الجاري: "إيران، في الوقت الحالي، لم تُفصِح عن نوع المعلومات التي نحتاجها منها".