وافق الكونغرس مراراً على صفقات بيع بملايين الدولارات لمخزون المعادن الاستراتيجي الأمريكي على مدى العقود الماضية، لكن مخاوف واشنطن المتزايدة من هيمنة الصين على الموارد الحيوية اللازمة للصناعات العسكرية دفعت المشرِّعين الأمريكيين إلى التراجع عن هذا المسار، والعمل على دعم احتياطي البلاد من هذه المعادن.
موقع Defense News الأمريكي قال إن الاحتياطي يتضمن معادن ثمينة وضرورية في الصناعات العسكرية، مثل: التيتانيوم، والتنغستن، والكوبالت، فيما أضاف الموقع أن لجنة شؤون القوات المسلحة بمجلس النواب الأمريكي عازمة على إقرار تدابير لتعزيز مخزون البلاد من المعادن الأرضية النادرة، في مشروع قانون "إقرار ميزانية الدفاع الوطني الأمريكي" لعام 2023، وأن وزارة الدفاع الأمريكية قدمت هذا الأسبوع اقتراحاً تشريعياً خاصاً بها إلى الكونغرس تطلب فيه من اللجنة الموافقةَ على تخصيص 253.5 مليون دولار في الميزانية لشراء معادن إضافية للمخزون الأمريكي.
فيما يسعى النائب الديمقراطي سيث مولتون، أحد أعضاء لجنة القوات المسلحة بالكونغرس، إلى إقناع اللجنة الفرعية المعنية بمخصصات وزارة الدفاع، بتخصيص المزيد من التمويل لتعزيز مخزون البلاد من المعادن النادرة.
وقال مولتون لموقع Defense News: "أوشك المخزون على بلوغ حالة العجز عن الوفاء بالاحتياجات في الوقت الحالي. أما القضية الثانية، فهي أن عمليات البيع هي التي أدت إلى تقلص المخزون بشدة على مدى السنوات الماضية"، فيما قال السيناتور الديمقراطي مارك كيلي، إن الغاية أن يصبح احتياطي البلاد من المعادن الأرضية النادرة أقرب إلى احتياطي النفط الاستراتيجي، بحيث "إذا آلت بنا الأمور إلى صراع مع بلدٍ ما كنا نشتري منه الليثيوم أو الكوبالت، على سبيل المثال، فيمكننا أن نلجأ وقتها إلى الاحتياطي الاستراتيجي".
تشير التقديرات إلى أن المخزون الأمريكي من هذه المعادن بلغ ذروته خلال بداية الحرب الباردة في عام 1952، إذ بلغت قيمته وقتها نحو 42 مليار دولار بسعر اليوم، إلا أن هذا المخزون تقلص بشدة، حتى تهاوت قيمته العام الماضي إلى نحو 888 مليون دولار، بعد عقود من عمليات البيع التي سمح بها الكونغرس لعملاء من القطاع الخاص. ويتوقع المشرعون بلوغ حالة العجز بحلول السنة المالية 2025.
قال مولتون: "أحد أبرز الأسباب في ما حدث، هو أن الكونغرس تمكَّن منه الجشع، وأصبح غاية همه البحث عن أي طريقة ملائمة سياسياً لتمويل البرامج التي لم يكن النواب مستعدين لزيادة النفقات من أجلها".
شملت عمليات البيع 3 آلاف طن أمريكي (قصير) من التيتانيوم، الذي يستخدم في بناء هياكل الطائرات العسكرية، و76 مليون رطل من خامات التنغستن ومكثفاته، التي تستخدم في صناعة المحركات التوربينية العسكرية والذخيرة الخارقة للدروع، بالإضافة إلى أكثر من مليوني رطل من معدن التانتالوم المستخدم في الإلكترونيات، و26 مليون رطل من الكوبالت، و62.881 ألف طن أمريكي من الألومنيوم.
وكتب المشرعون في بيانهم إلى اللجنة الفرعية المعنية بمخصصات وزارة الدفاع الشهر الماضي: "ربما جازت عمليات السحب من المخزون عندما كانت وزارة الدفاع مركزة على مكافحة الإرهاب، إلا أن المخزون الحالي لم يعد كافياً لمتطلبات المنافسة بين القوى العظمى. ولم يعد [مخزون الدفاع الوطني الأمريكي] قادراً على تلبية احتياجات وزارة الدفاع من معظم المعادن ذات الصلة في حالة وقوع اضطراب في سلسلة التوريد".
وقال مولتون: "من الملاحظ أن الصين على وجه الخصوص اجتهدت لزيادة الكميات المخزنة من هذه المواد، والواضح أن لديها استراتيجية عالمية شاملة تسعى بها إلى احتكار الهيمنة على هذه المواد في السوق، ونحن متأخرون ونحاول اللحاق بالركب".
من الجدير بالذكر أن الصين تملك أكبر حصة من التيتانيوم في العالم، وتصدر إلى الولايات المتحدة كمية كبيرة من احتياجاتها، كما تهيمن على تجارة التعدين والمعادن في كثير من البلدان النامية التي تصدر كميات كبيرة من المعادن الهامة، وأحد الأمثلة على ذلك أنها تهيمن على نسبة 70 % من الكوبالت المستخرج في جمهورية الكونغو الديمقراطية، أكبر مورد لمعدن الكوبالت في العالم.