يبدو الكونغرس الأمريكي غاضباً من خيبات الاستخبارات الأمريكية المتعددة في توقع سيناريوهات الحروب في العراق وأفغانستان، وأخيراً أوكرانيا، ولكن كان هناك جهاز واحد توقع صمود الأوكرانيين من بين كل أجهزة الاستخبارات الأمريكية، رغم أنه الأقل احترافاً بينهم من الناحية العسكرية، واللافت أن توقعاته كانت أقرب للصحة أيضاً في العراق وأفغانستان.
فما هو هذا الجهاز؟! وما السبب الذي جعله أكثر دهاءً من الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه"، واستخبارات الجيش وغيرها من أجهزة الاستخبارات الأمريكية ذات الإمكانيات الكبيرة والمرهوبة الجانب عالمياً؟
الاستخبارات الأمريكية تجري مراجعات بعد خيباتها المتعددة
وتُجري أجهزة المخابرات الأمريكية حالياً مراجعة داخلية شاملة لكيفية تقييمها للقوة القتالية للجيوش الأجنبية، وسط ضغوط متزايدة من المشرعين الرئيسيين في الكونغرس الذين يقولون إن مسؤولي أجهزة الاستخبارات الأمريكية المختلفة فشلوا مرتين في عام واحد في تقييماتهم بشأن أزمتين رئيسيتين في السياسة الخارجية، هما أوكرانيا وأفغانستان، حيث كانوا قد توقعوا سقوط كييف أمام الغزو الروسي خلال أيام من بدء الحرب، وقبل ذلك توقعوا أن مقاومة الجيش الأفغاني الموالي لأمريكا ستستمر لنحو عام أمام طالبان.
وأرسلت لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ مؤخراً رسالة سرية إلى مكتب مدير المخابرات الوطنية ووزارة الدفاع ووكالة المخابرات المركزية تشير إلى أن الوكالات الاستخباراتية قللت على نطاق واسع من المدة التي يمكن للجيش الأوكراني أن يكون قادراً فيها على صد القوات الروسية، حسبما أفادت مصادر متعددة مطلعة على الأمر لشبكة CNN الأمريكية.
وقبل ذلك بالغت وكالات الاستخبارات الأمريكية في تقدير المدة، التي توقعت فيها أن الجيش الأفغاني الموالي لواشنطن سيصمدها في مواجهة مقاتلي طالبان الصيف الماضي بعد انسحاب الولايات المتحدة من البلاد.
وقالت المصادر إن اللجنة شككت في المنهجية الكامنة وراء تقييمات مجتمع الاستخبارات الأمريكية والافتراضات الكامنة وراءها.
جهاز واحد صغير مغمور كان أقرب للدقة
واحدة من أصغر وكالات الاستخبارات الأمريكية تكاد تكون هي الوحيدة التي توقعت صمود الأوكرانيين أمام الغزو الروسي، وهي مكتب استخبارات وزارة الخارجية الأمريكية، حيث قدم المكتب تقييماً أكثر دقة قبل الحرب يتوقع قدرة الجيش الأوكراني على مقاومة روسيا، حسبما ذكرت شبكة CNN.
لكن في حين أن هذا التقييم تم تقاسمه داخل الحكومة الأمريكية، إلا أنه لم يتجاوز توقعات مجتمع الاستخبارات الأمريكية الأوسع.
وجاء تقييم وكالة استخبارات الخارجية الأمريكية مختلفاً عن أجهزة الاستخبارات الأكبر والأكثر شهرة، مثل الاستخبارات المركزية الأمريكية الشهيرة "سي آي إيه"، ووكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية، ووكالات استخبارات أخرى معروفة وكبيرة.
ويقول النقاد إن فشل مجتمع الاستخبارات الأمريكي في توقع المقاومة الأوكرانية كان مضراً من الناحية العسكرية للأوكرانيين.
إذ كان يمكن أن تتحرك الولايات المتحدة لتسليح أوكرانيا في وقت مبكر وبأسلحة ثقيلة إذا كانت الاستخبارات الأمريكية قد قدرت أنه لدى كييف فرصة للقتال ضد الجيش الروسي.
ولكن في الأيام التي سبقت الحرب، أبلغ مجتمع الاستخبارات صانعي السياسة الأمريكيين أنه من المحتمل أن تسقط كييف في غضون 3 إلى 4 أيام من الغزو الروسي.
ويقول السيناتور أنجوس كينج، العضو المستقل عن ولاية مين الأمريكية: "أعتقد أنه كانت هناك مشكلة كبيرة، وكان لها تأثير كبير على كيفية تطور الأحداث، ولو كان لدينا معالجة أفضل للتنبؤات، لكان بإمكاننا فعل المزيد لمساعدة الأوكرانيين في وقت سابق".
وقال السيناتور هذا الكلام خلال نقاش متوتر مع مدير الاستخبارات الدفاعية الأمريكية في جلسة استماع علنية، يوم الثلاثاء الماضي.
وتشير المراجعة الداخلية داخل مجتمع الاستخبارات والكونغرس، إلى اعتراف واسع النطاق داخل حكومة الولايات المتحدة، بأن أجهزة الاستخبارات الأمريكية بحاجة إلى إعادة تقييم كيف تقوم بتقييم قوة جيوش الدول الأخرى وقدرتها على القتال، حسب الشبكة الأمريكية.
السبب الذي لا يمكن تقييمه بدقة هو إرادة القتال
وقال جريج تريفرتون، الرئيس السابق لمجلس المخابرات في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما: "في أوكرانيا، يعتقد المسؤولون الأمريكيون على نطاق واسع أن مجتمع الاستخبارات أعطى وزنًا كبيرًا للمزايا العسكرية الروسية التقليدية، وفشل في حساب مدى أهمية إرادة أوكرانيا للقتال في الصراع.
ولكن اللافت أن ذراع المخابرات بوزارة الخارجية، المعروفة باسم مكتب الاستخبارات والبحوث، هي فقط من تنبأت بدقة بأن المقاومة الأوكرانية ستكون أكثر فاعلية بكثير مما يعتقده معظم الناس، حسبما نقلت CNN عن العديد من الأشخاص المطلعين على التقييمات الاستخباراتية.
كان مكتب استخبارات وزارة الخارجية الأمريكية أيضاً هو الصوت المعارض الرئيس في عام 2002، عندما أخطأت غالبية وكالات الاستخبارات الأمريكية عبر زعمها بأن العراق كان يمتلك أسلحة دمار شامل، وهو الإدعاء الذي كان وراء شن إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن حرب العراق في عام 2003، وهو ما يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه خطأ فادح في السياسة الخارجية الأمريكية.
هكذا توقعوا صمود المقاومة الأوكرانية
وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية لشبكة CNN إن إحدى الأدوات التي جعلت هناك ثقة عالية من قبل الوزارة والاستخبارات التابعة لها في المقاومة الأوكرانية كانت استطلاعات الرأي الأساسية.
إذ استعرض المحللون في مكتب الاستخبارات التابع للخارجية تدفقاً ثابتاً من استطلاعات الرأي العامة، لا سيما من شرق أوكرانيا، طوال خريف عام 2021 وحتى عام 2022، والتي أظهرت نمواً في المشاعر المعادية لروسيا، ورغبة أوكرانية متزايدة في المشاركة للدفاع عن بلادهم عبر القتال المسلح.
وفي المقابل، ركزت وكالات الاستخبارات الأمريكية الأخرى إلى حد كبير على مدى تفوق الجيش الروسي على أوكرانيا من حيث عدد الأفراد والأسلحة وقوتها.
فعلى الورق، كانت لروسيا ميزة ساحقة من حيث الأسلحة والمعدات والقوى العاملة.
ويبدو ألا أحد توقع مدى سوء تنفيذ روسيا لحملتها الأولى، حسب الشبكة الأمريكية.
وقال مسؤول أمريكي: إنه على الرغم من كون وكالة الاستخبارات التابعة للخارجية الأمريكية كانت متفائلة بشأن فعالية قدرات أوكرانيا على الدفاع عن نفسها، ولكن حتى هذا الجهاز بالغ في تقدير القدرات العسكرية الروسية.
وقال اللفتنانت جنرال سكوت بيرير، مدير وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية، خلال جلسة استماع علنية يوم الثلاثاء الماضي، إن الصراع الروسي الأوكراني المستمر منذ شهرين هو الآن في "حالة من الجمود إلى حد ما".
وبينما تمت الإشادة بمجتمع الاستخبارات على نطاق واسع لدقة رؤاه حول التخطيط الروسي الذي أدى إلى الغزو، لكن قدرته على التنبؤ بمجريات الحرب كان محل انتقاد.
فمن الصعب على أعتى المحللين توقع مسار الحرب، بسبب وجود عامل يصعب قياسه وهو ما يسمى بـ"إرادة القتال".
هذا الفشل الاستخباراتي تكرر في أفغانستان
يقول مسؤولون أمريكون سابقون إن "إرادة القتال" من أصعب الأمور غير الملموسة بالنسبة إلى الاستخبارات للتنبؤ بها، وقد فشلت أجهزة الاستخبارات الأمريكية مراراً وتكراراً في تقييمها أو وضعها في الحسبان كما ينبغي، وتكرر ذلك في فيتنام والعراق، والآن في أفغانستان وأوكرانيا.
في أفغانستان فر الجيش الذي أسسته الولايات المتحدة وأنفقت عليه عشرات المليارات، ودُرِّب أعضاؤه أمام مقاتلي طالبان الأقل في العدد والتسليح بشكل لافت، بل كان تسليح مقاتلي طالبان الذي لا يزيد عددهم عن 50 ألفاً تسليحاً خفيفاً في أغلبه، وليس لديهم سلاح طيران أو مدفعية ثقيلة أو دبابات.
وقبل ذلك بسنوات انهار الجيش العراقي الذي أسسه الأمريكيون أيضاً أمام مسلحي تنظيم داعش الإرهابي، وفر أفراده من الموصل، بينما عاد أداؤه ليكون أفضل بعد ذلك بسنوات في المدينة نفسها، كما أن ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من قوة عالم ثالثة، هي إيران، كان أداؤها أفضل أمام داعش من الجيش العراقي المؤسس من قبل الأمريكيين.
وتستخدم مراجعة مجتمع الاستخبارات، لحربي أوكرانيا وأفغانستان كدراسات حالة لمحاولة فهم أفضل للمؤشرات التي يجب أن يستخدمها المسؤولون الأمريكيون للتنبؤ بمدى نجاح جيش أجنبي في مواجهة نيران العدو.
وقال مدير المخابرات الوطنية، أفريل هينز، خلال جلسة استماع عامة الثلاثاء الماضي: "السبب في صمود أي جيش هو مزيج من الإرادة للقتال والقدرة". "هاتان المسألتان… تمثلان تحدياً كبيراً لتقديم تحليل فعال حولهما ونحن نبحث في منهجيات مختلفة للقيام بذلك".
تغيير الروس لأسلوبهم القتالي فاجأ الأمريكيين
دافع مسؤولو الاستخبارات الأمريكية عن عملهم في الفترة التي سبقت الحرب في أوكرانيا، بحجة أن الجزء الأكبر من توقعاتهم كان دقيقاً، وأن التقييم بأن الجيش الأوكراني سينهار، وأن سقوط كييف في يد روسيا في غضون أيام كان له ما يبرره بناءً على المعلومات المتاحة للولايات المتحدة في ذلك الوقت، وهي تتمثل بشكل أساسي في البيانات المتعلقة بحجم القوة البشرية والمعدات التي يمتلكها كلا الجيشين، وسنوات من دراسة العقيدة العسكرية الروسية.
ويرى مجتمع الاستخبارات أن جزءاً من فشل تنبؤاته بمجريات حرب أوكرانيا، هو تغيير الروس لأسلوبهم التقليدي في الحرب.
فلقد فاجأت روسيا العديد من المسؤولين الأمريكيين من خلال تجاهلها لعقيدتها العسكرية التقليدية، حيث سار الروس إلى كييف بشكل مباشر في طابور هائل دون إضعاف دفاعات المدينة أولاً بضربات جوية ساحقة. لقد كانت خطوة افتتاحية لا يمكن التنبؤ بها، وقد عزاها كبار مسؤولي الاستخبارات الأمريكية جزئياً إلى اعتقاد خطأ من جانب موسكو بأنها ستعامل كمحرر من قبل السكان الأوكرانيين المحليين.
وتعتمد العقيدة الروسية على عمليات هجوم شاملة بأعداد كبيرة من الجنود والدبابات، يسبقها قصف جوي ومدفعي مكثف، يتم بعده اجتياح خطوط العدو نقطة نقطة بشكل متتابع، ولكن روسيا استهلت هجومها على أوكرانيا بعملية اختراق لخطوط الدفاع الأوكرانية بهدف الوصول لكييف، ونفذت عمليات إبرار فاشلة من اليوم الأول للقتال في أوديسا في أقصى الجنوب الأوكراني، وهو أسلوب أقرب للعمليات العسكرية الغربية والإسرائيلية والنازية التي تعتمد على اختراق نقاط ضعف خطوط العدو بدلاً من تدميرها بالكامل، والعمل على الالتفاف حول قواته ومحاصرتها بسرعة، واحتلال مراكز قيادته دون تدمير كل قواته على أمل شله، دون التورط في قتال واسع النطاق.
ويبدو أن الروس لم يستطيعوا تنفيذ هذا الأسلوب الذي يعد جديداً عليهم.
الاستخبارات تحاول تبرير فشلها
وأخبر رئيس وكالة الاستخبارات الدفاعية، المشرعين الأمريكيين أنه نظراً لتفوق الروس بشكل كبير على الأوكرانيين في بداية الصراع، "كان كبار المحللين يعتقدون أن الأمر لن يسير على ما يرام بالنسبة للأوكرانيين، بسبب مجموعة متنوعة من العوامل. ولكن لم يكن هناك أبداً تقييم لمجتمع الاستخبارات يقول إن الأوكرانيين يفتقرون إلى الإرادة للقتال".
وعلق المنتقدون لتقييمات الاستخبارات بقولهم: "التقييم هو أن أوكرانيا سوف تهزم في غضون أسابيع. كان خطأً فادحاً".
وقال رئيس وكالة الاستخبارات الدفاعية إن تقييم وزارة الخارجية الأمريكية الأكثر تفاؤلاً بشأن قدرات أوكرانيا كان معروفاً داخل الحكومة الأمريكية.
جهاز صغير ومتناقض ولكنه كثيراً ما يكون على صواب
ويقول مسؤولون حاليون وسابقون إنه على الرغم من غموضه وحجمه الصغير نسبياً مقارنة بوكالات الاستخبارات الأمريكية الأخرى، فإن مكتب الاستخبارات والبحوث التابع للخارجية الأمريكية غالباً ما تنال تقييماته وزناً كبيراً في المناقشات بين الوكالات الاستخباراتية الأمريكية الأخرى.
وقال تريفيرتون: "يتم الاهتمام بهم لأنهم جيدون ويميلون إلى أن يكونوا متناقضين مع الرأي السائد، وهذا أمر جيد أيضًا". وأردف قائلاً: "غالباً ما يكونون متناقضين وصحيحين".
لكن مجرد تقديم تقييم معين للإدارة من قبل جهاز معين، لا يعني أنها ستتصرف بناءً عليه.
كيف تضر التقييمات الاستخباراتية بالعمل الميداني؟
في حالة أفغانستان، أشارت بعض التقييمات الاستخباراتية إلى أن الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في كابول ستكون قادرة على الصمود أمام طالبان لمدة عام على الأقل، وهي فترة كافية للولايات المتحدة لاستكمال انسحاب قواتها وإجلاء الرعايا الأجانب والمتعاونين.
لكن التقييمات اختلفت داخل مجتمع الاستخبارات، حتى إن بعض تقارير وزارة الدفاع الأمريكية العامة أشارت إلى أنه من غير المرجح أن يظل الجيش الأفغاني المدعوم من الولايات المتحدة متماسكاً لفترة طويلة في مواجهة هجوم طالبان، وسرعان ما أصبح من الواضح أن إدارة بايدن قد اعتمدت على تقييمات خطأ للقوة القتالية للجيش الأفغاني الذي صنعته أمريكا.
بعد سيطرة طالبان على كابول، علق الرئيس جو بايدن الهزيمة جزئياً على انهيار الجيش الأفغاني: "في بعض الأحيان دون محاولة القتال"، وهو ما يشير إلى أهمية عامل إرادة القتال، وهو العامل الذي يلقى اهتماماً خاصاً من قبل مكتب استخبارات وزارة الخارجية أكثر من بقية وكالات الاستخبارات الأمريكية.
وتعهدت إدارة بايدن بإخراج الولايات المتحدة من أفغانستان، وليس من الواضح أن التقييم الأفضل للقوة القتالية للجيش الأفغاني كان من شأنه أن يقود إدارة بايدن إلى اتخاذ قرارات سياسية مختلفة بشكل كبير. لكن بعض النقاد في الكونغرس وأماكن أخرى جادلوا بأن التنبؤات الأفضل حول السرعة التي يمكن أن تهزم بها طالبان الجيش الأفغاني المدعوم من الولايات المتحدة ربما كانت قد سمحت للإدارة بتصميم رحيل نهائي أقل فوضوية.
وكان الجمهور الأمريكي قد صُدم بصور الأفغان اليائسين وهم يتدلون من الخارج من طائرات النقل الأمريكية العسكرية من طراز C-17، ومقتل 13 من أفراد الخدمة الأمريكية في تفجير انتحاري لداعش في المطار.
"فن وليس علماً".. سر تفوق تقييمات مكتب استخبارات وزارة الخارجية عن غيرها من الوكالات
يعترف مسؤولو الاستخبارات الأمريكيون الحاليون والسابقون بأن النظر فقط إلى "القدرات" العسكرية يستبعد العوامل البشرية الجوهرية التي يمكن أن تكون حاسمة.
وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية إن تقييم إرادة السكان للقتال هو فن، وليس علماً، وهو تقييم يتحدى غالباً التحليل القائم على البيانات البحتة. لكن المسؤول قال إنه عنصر أساسي لتحديد مدى نجاح أي جيش في القتال.
وقال تريفرتون: "المشكلة أن الأشياء المهمة كلها غير ملموسة… أنت فقط لا تعرف إلى أي مدى سيكونون الجيش الذي تحاول التنبؤ بأدائه جيداً ومدى استعداده للقتال. وليس لدينا الكثير عن طريقة جيدة لفعل ذلك".
وفي الواقع، فإن التركيز على المؤشرات السياسية الأكثر ليونة هو الذي ربما سمح لوزارة الخارجية ومكتب استخباراتها بالتوصل إلى نتيجة أكثر دقة في أوكرانيا، بينما وزارة الدفاع الأمريكية وأجهزة الاستخبارات الأخرى تركز على الجيش أو مجتمع الاستخبارات الأوسع.
"تجري تقييمات الاستخبارات الأمريكية عادة بناءً على ما تجمع من معلومات، وتجري وزارة الدفاع الأمريكية تقييمات بناءً على ما تعرفه عن الجيوش. لكن لدى الخارجية الأمريكية أشخاص أمضوا حياتهم المهنية بأكملها على الأرض، وأقاموا علاقات دبلوماسية وشخصية، وبالتالي فهم يفهمون عقلية الناس والثقافة المحلية".
"هذا مهم عندما يتعلق بتقييم احتمالات المقاومة لدى أي جيش"، حسبما قال مصدر أمريكي مطلع على المناقشات.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية إن الوزارة في وضع جيد لتحليل "إرادة القتال" بالنظر إلى تأكيدها المتأصل على السياق الثقافي والتاريخي.
غضب بالكونغرس من فشل التقييمات الاستخباراتية الأمريكية
وعبّر هذا النقاش عن قلق عميق الجذور بين المشرعين من أن المخابرات الأمريكية تفتقد تلك المؤشرات البشرية الرئيسة.
ودار نقاش ساخن بين سكوت بريير، رئيس جهاز استخبارات الدفاع، وبين السيناتور المستقل أنجوس كينج الذي قاد الانتقادات الموجهة لتقييمات مجتمع الاستخبارات الأمريكية.
وقال السيناتور كينج: "كل ما أقوله هو أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية بحاجة إلى أن تكون قادرة على القيام بعمل أفضل بشأن هذه القضية".
أجاب بريير: "أعتقد أن أجهزة الاستخبارات قامت بعمل رائع في هذه القضية، أيها السيناتور. وسنقوم بما يلزم".
قاطعه كينج بصوت مرتفع: "جنرال، كيف يمكنك أن تقول إنكم قمتم بعمل رائع، لقد قيل لنا صراحة إن العاصمة الأوكرانية كييف ستسقط في غضون 3 أيام، وإن أوكرانيا ستسقط في غضون أسبوعين؟ فهل تقصد أن هذه معلومات استخباراتية دقيقة في ضوء ما يحدث في الحرب الآن؟".