"مو حزن لكن حزين..
مثل ما تنقطع جوّا المطر شدّة ياسمين..
مو حزن لكن حزين..
مثل صندوق العرس؛ ينباع خردة عشق من تمضي السنين!"
"مو حزن لكن حزين"، هي واحدة من بين عشرات القصائد الأخرى للشاعر العراقي مظفر النواب، الشاعر المنفي الذي قضى جلَّ حياته في انتقاد الأنظمة العربية، حتى كادت إحدى قصائده تودي به إلى حبل المشنقة.
مظفر النواب.. شاعرٌ عراقي تعود أصوله إلى الإمام موسى الكاظم
وُلد مظفر النواب ببغداد في العام 1934، لعائلة أرستقراطية تحبّ الفن بأنواعه وتقدّره، ويقال إن عائلته يعود نسبها إلى الإمام موسى الكاظم، لكن أحد أجداده رحل إلى الهند وأصبح حاكماً لإحدى ولاياتها، غير أنه نُفي إلى العراق عند احتلال الإنجليز للهند، بسبب مقاومته للاحتلال.
أظهر "النواب" موهبته الشعرية منذ طفولته عندما كان جده لوالده يكتب الشعر بالعربية والفارسية، وهو أحد الأسباب التي دفعته إلى أن يدرس الآداب في بغداد ويصبح مدرساً فيما بعد.
في فترة لاحقة، انتسب إلى جامعة فانسان الفرنسية وسجل رسالة ماجستير كان موضوعها "باراسايكولوجي" أو القوى الخفية في الإنسان.
خلال سنوات دراسته الجامعية عاش في ظروف اقتصادية صعبة، بسبب أن والده الثري تعرض لخسارة كبيرة أفقدته ثروته وقصره الذي كان يعيش فيه، وذلك قبل أن ينتمي "النواب" إلى الحزب الشيوعي العراقي، الأمر الذي عرضه للاعتقال.
وفي العام 1955، طُرد "النواب" من المدرسة التي كان يعمل فيها لأسباب سياسية، وبقي عاطلاً عن العمل عدّة سنوات، جعلته يعاني من ضائقة مالية كبيرة.
وبعد الثورة العراقية التي أطاحت بالنظام الملكي عام 1958، عمل "النواب" مفتشاً في وزارة التربية والتعليم.
في أعقاب الانقلاب الذي أطاح بعبد الكريم قاسم عام 1963، تعرّض الشيوعيون واليساريون لحملات اعتقال واسعة من القوميين العرب الذين وصلوا إلى الحكم بانقلاب نفذوه في العام نفسه، فاضطر مظفر إلى مغادرة العراق باتجاه الاتحاد السوفييتي مروراً بإيران.
لكنه لم يستطع الوصول إلى الاتحاد السوفييتي؛ إذ اعتقلته المباحث الإيرانية "السافاك" وقامت بتعذيبه قبل أن تعيده قسراً إلى العراق.
الحكم بإعدام مظفر النواب
بعد إعادة "النواب" إلى بغداد، حكمت عليه محكمة عسكرية عراقية بالإعدام، بسبب هروبه إلى إيران وبسبب كتابته قصيدة "البراءة"، إلا أنه تم تخفيف الحكم إلى السجن المؤبد بمساعٍ حثيثة من وجهاء شيوخ بعض القبائل.
ويقول "النواب" عن تلك المحاكمة، في لقاء صحفي سابق: "عندما أعادوني إلى بغداد، أحالوني إلى المجلس العرفي، ولم تكن محاكمة، بل تقف ويطلبون منك أن تشتم الحزب الشيوعي، وإن لم تشتم، يُحكم عليك، وإن شتمت تحصل على البراءة".
وأضاف: "وضعوني في البداية لكي يؤثّروا على 120 شخصاً، جميعنا كنا من الكاظمية، وأنا كنت في بغداد وقاومت في ساحة التحرير وليس في الكاظمية. قالول لي: اشتم، فقلت لهم: كلا، قالوا: اشتم كل الأحزاب، فقلت: لا".
وأوضح: "هم أرادوا أن يؤثروا على موقف البقية على أساس أن انهياري سيُضعفهم، فحكموا علي وأخذوني إلى غرفة جانبية وحكموا عليّ بثلاث سنوات، من أجل قصيدة البراءة".
الهروب من السجن
وُضع "النواب" مع العديد من اليساريين في السجن الصحراوي المعروف باسم "نقرة السلمان" القريب من الحدود السعودية-العراقية، وأمضى فيه عدة سنوات قبل أن يُنقل إلى سجن الحلة الواقع جنوب بغداد.
لم يستسلم "النواب"، بل قام رفقة مجموعة من السجناء بحفر نفق من الزنزانة يؤدي الى خارج أسوار السجن فأحدث هروبه مع رفاقه ضجة كبيرة في العراق.
أما بعد هروبه من السجن فتوارى عن الأنظار في بغداد، وظل مختفياً فيها 6 أشهر، ثم توجه إلى منطقة "الأهوار" في جنوب العراق وعاش مع الفلاحين والبسطاء نحو سنة، وخلال تلك الفترة انضم إلى فصيل شيوعي سعى إلى قلب نظام الحكم.
وعندما صدر عفو عن المعارضين في العام 1969، رجع إلى سلك التعليم مرة ثانية.
ثم شهد العراق موجة اعتقالات جديدة وكان من بين تعرض للاعتقال مظفر النواب، وأطلق سراحه بعد فترة قصيرة.
غادر بعدها إلى بيروت في البداية، ومنها إلى دمشق، وتنقّل بين العواصم العربية والأوروبية، واستقر به المقام الأول في دمشق، وعاد "النواب" إلى العراق لأول مرة عام 2011، لكنه ظل يتنقل بين بغداد ودمشق وبيروت.
تعرض لمحاولة اغتيال في اليونان!
في العام 1981، تعرض الشاعر العراقي لمحاولة اغتيال أثناء وجوده في اليونان، وقال عن تلك التجربة: "ذات مرة التقيت شخصاً من حراس صدام أثناء اختطافي في اليونان أيام الهجوم على المفاعل النووي العراقي".
وأضاف في حوار سابق له: "سحب مسدساً وعليه كاتم للصوت، وكان أحد الأسئلة التي وجهها لي هو عن جواز السفر الذي أستخدمه، كانوا سينقلوني للسفارة لإجراء تحقيق طويل معي، فقلت له: جواز عراقي".
وتابع: "لم يكن هذا صحيحاً، حيث إنني استعملت عدة جوازات، فقال لي: دوّختنا 13 سنة كاملة، كلما تبعناك إلى مكان ما، تتحرك إلى مكان آخر".
أما عن نجاته من محاولة الاغتيال تلك، فقال: "ربطوني بحبال وأعطوني إبراً منومة، ولكن كان لدي إحساس داخلي بأنني سأنجو، ونجوت".
حياة مظفر النواب الشعرية
لفت "النواب" الأنظار إليه منذ عام 1969 بقصيدته "قراءة في دفتر المطر"، وقد عرفه الجمهور العربي من خلال ملحمته الشعرية "وتريات ليلية" التي كتبها خلال 1972-1975، وظهر فيها ملتزماً بقضايا العرب القومية السياسية والاجتماعية، وأصبح تغنّيه بها سمة ظاهرة في شعره، وفقاً لما ذكره موقع "الجزيرة نت".
فيما اشتهر منذ أوائل السبعينيات بشعره السياسي المعارض والمنتقِد للأنظمة العربية بشكل لاذع، لدرجة أن البعض وصفه بـ"الشاعر الأخطر في حركة الشعر العربي".
ومن أشهر قصائده: "وتريات ليلية، الرحلات القصية، المسلخ الدولي وباب الأبجدية، بحار البحارين، قراءة في دفتر المطر، الاتهام، بيان سياسي، رسالة حربية عاشقة، اللون الرمادي، في الحانة القديمة، جسر المباهج القديمة، ندامى، اللون الرمادي، الريل وحمد، أفضحهم، زرازير البراري".
ومثله مثل بقية الشعراء العربي، كان لفلسطين مكان خاص لدى مظفر النواب، تحديداً قصيدته الشهيرة "القدس عروس عروبتكم"، إضافة إلى العديد من القصائد التي تُحمّس الفلسطينيين على الانتفاض في 1987 و2000.
وفي 20 مايو/أيار 2022، توفي مظفر النواب بمستشفى الجامعة في الشارقة الإماراتية، بعد صراع مع المرض عن عمر يناهز 88 عاماً.