ليس منطقياً تقييم نتائج الانتخابات اللبنانية الأخيرة من خلال حجم الكتل النيابية التي أفرزتها، بل يجب تقييم هذه الانتخابات من خلال مقاربة قدرة المجلس الجديد مجتمعاً على مواجهة التحديات والمصائب التي يعاني منها لبنان كدولة فاشلة. أي أن المسألة ليست حسابية مطلقاً تتعلق بمن حاز الأكثرية، بل تتجاوز ذلك إلى إجراء استقراء ذي طابع نوعي للروابط بين القوى التي حازت شرف تمثيل الشعب اللبناني وتصرفها حيال مشاكل لبنان الجوهرية.
بمعنى آخر، هل المطلوب إبقاء لبنان مجرد دولة على الخريطة تبقى فيه المواطنة درجات بين عدة شعوب، أم المطلوب الارتقاء به إلى دولة تتفاعل مع محيطها ومع دول العالم الأخرى كدولة تمثل شعباً واحداً لا تمييز في المواطنة فيها بين فرد وآخر؟
هذا هو لبُّ القضية وما عداه هو نقيق ضفادع على ضفاف مستنقع مهجور.
السؤال الأساسي: هل هذا المجلس قادر على رسم رؤية جيو-سياسية موحدة ومشتركة تلتزم بها مكوناته المختلفة؟ والسؤال الثاني: هل هذا المجلس قادر على حصر علاقة لبنان الخارجية بوزارة الخارجية تحديداً، أم سيبقى لكل حزب أو تنظيم وزارة خارجية تخصه وحده؟
والسؤال الثالث: هل هذا المجلس قادر على صياغة رؤية دفاعية مشتركة تحدد؟
والسؤال الرابع: هل هذا المجلس قادر على تنفيذ المواد الدستورية المتعلقة بأن تكون الانتخابات القادمة خارج القيد الطائفي وأن ينتخب مجلس شيوخ؟
هذه الأسئلة الجوهرية ستبقى دون إجابات شافية حتماً من المجلس النيابي المنتخب، وبالتالي ستبقى الأمور على حالها؛ بحيث ستستخدم النقاط الخلافية لتحسين شروط التوافق على تشكيل الحكومة أو انتخاب رئيس جديد للجمهورية، أي نحن بالنتيجة المعلنة رسمياً سنرى حتماً وجوهاً جديدة في المجلس النيابي المنتخب لكن الوضع سيبقى على حاله.
ومن الممكن أن تتجاوز الخلافات حدودها السلمية بسبب التشنج الطائفي المذهبي الذي رافق العملية الانتخابية من أولها إلى آخرها، ومن المتوقع حدوث اغتيالات سياسية وأعمال عنف لن تبلغ درجة الحرب الأهلية؛ لأن معظم الأطراف المتصارعة لا تمتلك مقومات عسكرية كافية لإشعال هذه الحرب بل ستبقى مشتعلة في النفوس.
ومن السخف بأية حال استعراض نتائج هذه الانتخابات وتحليلها بجدية، لكن ما يمكن قوله لإرضاء فضول البعض أن هذه الانتخابات أنتجت مجلساً نيابياً قانونياً، لكنه يفتقد إلى الشرعية الشعبية نتيجة انخفاض نسبة المشاركة التي تؤكد على الخلل البنيوي في النظام السياسي القائم وفي القانون الانتخابي أيضاً.
أما من حيث تركيبة المجلس الجديد فلا معنى لوجود أكثرية أو أقلية فيه؛ لأن غالبية القوى السياسية في المجلس المنتخب سوف تحتكم إلى مفاهيم الديمقراطية التوافقية والمحاصصة على الطريقة اللبنانية لتدوير الزوايا فيما بينها لتفادي شلل المؤسسات كي لا تفقد مبرر وجودها في السلطة.
ولضخ سيولة نقدية في السوق ستعمل حكومة المحاصصة القادمة التي ستحوز ثقة المجلس النيابي المنتخب على الموافقة على شروط البنك الدولي بعد شرعنة حجزها على أموال المودعين، إضافة إلى إنجاز ترسيم الحدود البحرية مع الكيان الصهيوني وفقاً للمبادرة الأمريكية.
أما فيما يخص انتخابات رئاسة الجمهورية في الصيف القادم، فمن الواضح منذ الآن أن فراغاً رئاسيا حتمياً ينتظر لبنان، ومن المحتمل أن يكون الرئيس عون آخر رئيس ينتخب في هذه الجمهورية قبل وضع لبنان تحت الوصاية الدولية.
هذا التحليل لا ينطلق من مشاعر التشاؤم أو من مبدأ تفاءلوا بالخير تجدوه، بل هي الحقيقة العارية التي تدعمها الوقائع الميدانية؛ حيث إننا منذ زمن بعيد نعيش في حالة فقدان للوزن والاتزان، لأننا عاجزون عن تجاوز الطائفية التي تحرمنا من العيش كشعب واحد.
بالمختصر المفيد، أقيمت الانتخابات، لكن النتيجة كأنها لم تحصل.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.