قبل نحو 29 عاماً وتحديداً في عام 1993، كانت مقدونيا المُستقلّة حديثاً عن جمهوريّة يوغسلافيا، ترغب بالانضمام إلى الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي "الناتو".
ولكن في الوقت الذي بدت فيه الأمور أنها تسير بالاتجاه الصحيح من خلال الموافقة على انضمامها إلى الأمم المتحدة، جرت الأمور في حلف الناتو على عكس ما يشتهيه المقدونيون، إذ عارض اليونانيون انضمام هذه الدولة الصغيرة الواقعة في وسط شبه جزيرة البلقان لسبب يراه البعض غريباً.
قصة اسم مقدونيا الذي أشعل خلافاً طويلاً مع اليونان
بدأ الأمر في العام 1993 عندما أعربت مقدونيا رسمياً عن رغبتها في الانضمام إلى حلف الناتو، وأكملت مُعظم المتطلبات في العام 1995، لكنّ شرط موافقة جميع الأعضاء في الحلف بالإجماع لم يكتمل بسبب اليونان التي أعاقت هذا الانضمام، والحجة كانت الخلاف بينهما على اسم دولة مقدونيا الذي يشكل لليونانيين مشكلة كبيرة.
كان الخلاف على الاسم بين بلغراد وأثينا قائماً قبل تسعينيات القرن الماضي، عندما كانت جمهورية مقدونيا الشعبيّة اليوغوسلافية جزءاً من يوغوسلافيا، لكنه برز بشكل كبير في عام 1991 عندما أعلنت مقدونيا استقلالها بعد تفكك يوغوسلافيا، وقد أدى الخلاف إلى منع أثينا محاولات متعددة من جانب مقدونيا للانضمام إلى الناتو والاتحاد الأوروبي.
اليونانيون يرون أنّ إطلاق اسم "مقدونيا" على الدولة الجارة هو بمثابة إعلان رسمي عن نيتهم للاستيلاء على أراضيهم، وفقاً لما قاله موقع Balkan Insight، سيما أن هذا الاسم بالتحديد يشير إلى اسم مقاطعة المِنطقة الشمالية من أراضي اليونان والتي تشمل أكبر مدينة في البلاد وهي سالونيك.
وقد أثار هذا الاسم أيضاً مخاوف اليونانيين من أن تقوم مقدونيا باستغلاله لصالحها، سيما أن مجموعة كبيرة من اليونانيين العرقيين الذين يعيشون في تلك المنطقة الشماليّة يعرفون أنفسهم على أنهم مقدونيون ولكنهم في الحقيقة غير مرتبطين بالعرقية المقدونية.
كما اتهمت اليونان مقدونيا بالاستيلاء على رموز وشخصيات تعتبر جزءاً من الثقافة اليونانيّة مثل "شمس فيرجينيا" الموجودة على العلم الوطني لمقدونيا.
وتدعي اليونان أن شعار الشمس يعود إليها منذ القرن الـ6 قبل الميلاد، وأن محاربيها القدامى كانوا يحملونه على الرايات والدروع، وأنه نُقش على العملات في القرن الـ5 قبل الميلاد، إضافة إلى أنّ الإلياذة وصفت اللوحة الأولى لبطلها الأسطوري في الميثولوجيا الإغريقية "آخيل" بأنها ذات زخارف نجمية.
نضيف إلى ذلك الصراع بين الدولتين على إرث القائد الإسكندر المقدوني الذي ولد في بيلا العاصمة المقدونية القديمة (في اليونان حالياً)، وهو ما يراه المقدونيون سبباً كافياً للادعاء بأن الإسكندر الأكبر هو الأب المؤسس لبلدهم، وهو الأمر الذي ترفضه اليونان بشكل قطعي.
أما المقدونيون فلم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام الادعاءات اليونانيّة وقاموا باستفزازهم، من خلال إطلاق اسم البطل الإغريقي، الإسكندر الأكبر، على المطار الرئيسي في العاصمة سكوبيا، كما استخدموا الاسم نفسه لتسمية الطريق السريع المار من صربيا إلى حدود اليونانية.
جميع هذه الأمور كان سبباً في رفض اليونان انضمام مقدونيا إلى حلف الناتو.
كيف انتهت الخلافات بين اليونان ومقدونيا؟
بقيت الخلافات بين البلدين مستمرة حتى العام 2018، عندما بدأت مقدونيا مساعيها الجديّة للانضمام إلى حلف الناتو خوفاً من التهديدات الروسيّة، ففتحت قنوات التواصل مجدداً مع اليونانيين من أجل حلّ النزاع بينهما، وبالتالي فتح الباب أمامها للانضمام للناتو والاتحاد الأوروبي.
في 12 يونيو/حزيران 2018، تمّ التوصل إلى اتفاق بين أثينا وسكوبيا إلى "معاهدة بريسبا" والتي جرت تحت رعاية الأمم المتحدة، والتي تم الاتفاق من خلالها على ما يلي:
1- إجراء استفتاء شعبي في مقدونيا من أجل تغيير اسم البلاد من جمهورية مقدونيا إلى جمهورية مقدونيا الشمالية واستخدامه في جميع المنظمات والمؤسسات الإقليمية والدولية.
2- الاعتراف باللغة المقدونية في الأمم المتحدة، مع الإشارة إلى أنها ضمن مجموعة اللغات السلافية الجنوبية، وأن جنسية الدولة ستسمى مقدوني/مواطن جمهورية مقدونيا الشمالية.
3- الاتفاق على أنّ مواطني الدولة ليسوا على صلة بالحضارة اليونانية القديمة التي سكنت سابقاً المناطق الشمالية من اليونان.
4- كلا البلدين يقران بأن فهمهما لمصطلح "مقدونيا" يشير إلى سياق تاريخي وتراث ثقافي مختلفين، أي عند الإشارة إلى اليونان فإن المصطلح يشير إلى المنطقة والشعب في منطقتها الشمالية، وكذلك الحضارة والتاريخ والثقافة الهيلينية لتلك المنطقة، أما عند الإشارة إلى مقدونيا فيشير إلى إقليمها ولغتها وشعبها وتاريخها المختلف تماماً عن الحضارة اليونانية.
5- إزالة شمس فيرجينيا من الاستخدام العام في مقدونيا.
6- تشكيل لجنة لمراجعة الكتب المدرسية والخرائط في كلا البلدين لإزالة المحتوى الوحدوي ومواءمتها مع اليونسكو ومعايير مجلس أوروبا.
طُرحت هذه التغييرات للاستفتاء على مواطني جمهورية مقدونيا في 30 سبتمبر/أيلول وقد أكد الناخبون قبولهم لاتفاقية بريسبا بنسبة مشاركة خجولة من أجل دخول حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، وقد دخلت هذه الاتفاقية حيّز التنفيذ في 12 فبراير/شباط 2019، فيما أصبحت مقدونيا العضو الـ30 في الناتو في مارس/آذار 2020.
ولكن هل تستطيع دولة واحدة فقط منع انضمام دولة أخرى إلى الناتو؟
وفقاً لما ذكرته شبكة TRT التركية، فإنّ "لا" واحدة من أحد أعضاء حلف الناتو كفيلة بإعاقة عملية الانضمام لأي دولة.
ويستند الناتو من خلال موافقته على انضمام أعضاء جدد إلى سياسة الباب المفتوح، ومع ذلك لا يُسمح إلا للدول الأوروبية بتقديم طلب العضوية.
فيما يمكن للأعضاء دعوة دول أوروبية أخرى للانضمام إلى المنظمة، يجب على الأعضاء المحتملين "اتباع القيم الديمقراطية والمساهمة في الأمن الأوروبي الأطلسي" حتى يجري أخذهم في الاعتبار.
ومن بين المعايير الأساسية التي يجب أن يتمتع بها المرشح امتلاكه لنظام ديمقراطي موحد واقتصاد السوق المفتوح والقدرة على المساهمة في العمليات العسكرية لحلف الناتو.
وبمجرد أن تعرب دولة ما عن رغبتها في الانضمام إلى التحالف، تقيّم الدول الأعضاء الطلب وتقرّر ما إذا كانت تريد دعوة الدولة لبدء محادثات الانضمام.
وفور توجيههم الدعوة، تبدأ العملية رسمياً وتبدأ المحادثات الفنية في بروكسل بين الفرق المتخصصة، حيث تركز المباحثات على القضايا السياسية والدفاعية والعسكرية، بالإضافة إلى بحث الموارد والميزانية المشتركة.
وبعد انتهاء المفاوضات بنجاح، يصوغ الناتو بروتوكول الانضمام ويرسله إلى الدول الأعضاء من أجل الموافقة عليه، ويشترط لقبوله موافقة جميع الدول الأعضاء بالإجماع.
هل تكرر تركيا ما فعلته اليونان مع مقدونيا وتغلق الباب أمام فنلندا والسويد؟
في الوقت الذي لا تزال تركيا متحفظة بشأن الموافقة على انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو، وهو ما أكدته وزيرة الخارجية السويدية آن ليندي التي قالت إن بلادها لم تتوصل إلى حل حتى الآن مع تركيا بشأن الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، قال المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السبت 14 أيار/مايو 2022 إن تركيا لم تغلق الباب أمام انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي لكنها تريد التفاوض مع دول الشمال وتشديد الإجراءات على ما تعتبره أنشطة إرهابية، خاصة في ستوكهولم.
فيما قال الرئيس أردوغان إنه لا يمكن لتركيا دعم توسع الحلف لأن فنلندا والسويد "موطن لكثير من المنظمات الإرهابية"، مؤكداً أن انضمام فنلندا والسويد إلى الأطلسي سيكون "خطأ".
وتعتبر تركيا العضو في الناتو والتي تمتلك ثاني أكبر جيش بعد الولايات المتحدة الأمريكية أحد العوائق المحتملة أمام انضمام كلا البلدين إلى الحلف، إذ يتطلب صعود دولة عضو جديدة موافقة إجماع من جميع الأعضاء الحاليين.