أعلنت عارضة الأزياء البورتوريكية صوفيا جيراو أنها صنعت التاريخ، كونها أول عارضة أزياء مُصابة بمتلازمة داون في العالم، تروّج لأزياء العلامة التجارية Victoria's Secret المتخصّصة بصناعة اللانجري.
وقد أعلنت ذلك من خلال حسابها على إنستغرام، في فبراير/شباط الماضي، بالتزامن مع إعلان Victoria's Secret أنها ستطلق مجموعة Love Cloud Collection.
نشرت جيراو صورتها، وكتبت باللغة الإسبانية: "ذات يوم حلمتُ بهذ الأمر، وعملتُ عليه، واليوم أصبح حلماً يتحقّق. يمكنني أخيراً أن أخبر سرّي الكبير، أنا أول عارضة أزياء لعلامة Victoria's Secret مُصابة بمتلازمة داون".
ما هي متلازمة داون؟
متلازمة داون هي حالة تحدث عندما يولد الطفل مع 47 كروموسوماً؛ والنسخة الإضافية من الكروموسوم هي الكروموسوم 21، ومن هنا جاء اسمه الآخر Trisomy 21 (التثلث الصبغي 21).
ومتلازمة داون هي مجموعة من الصفات الجسدية والنفسية الناتجة عن مشكلة في الجينات، تحدث في مرحلةٍ مبكرة ما قبل الولادة؛ وغالباً ما يكون الأولاد، الذين يعانون من متلازمة داون، ذوي ملامح مميزة في الوجه مع رقبةٍ أقصر من المعتاد.
يسبّبب الكروموسوم الإضافي تأخيرات في النمو الجسدي والعقلي، بالإضافة إلى مشكلات صحية أخرى، من شأنها التأثير على حياة الأفراد المُصابين بالمتلازمة. وتتفاوت حدّة علامات المرض من شخصٍ إلى آخر، لكنها تتراوح بشكلٍ عام ما بين الخفيفة والمتوسطة.
وفي حين يعيش الأشخاص المُصابون بالمتلازمة مع العديد من الأمراض طيلة حياتهم، يمكن لهم مع ذلك أن يعيشوا حياةً صحية، إذا ما حصلوا على الرعاية اللازمة.
فإجراء الفحوصات الطبية المنتظمة، لمراقبة النمو العقلي والجسدي، والتدخل الطبي في الوقت المطلوب؛ بالإضافة إلى الرعاية الأبوية والدعم المجتمعي اللازم، مثل توفير المدارس الخاصة مثلاً.. كلّ ذلك من شأنه تحسين نوعية حياة المُصابين بمتلازمة داون، وتحسينها، من خلال إشراكهم في المجتمع ومساعدتهم على الانخراط.
أسباب متلازمة داون، وأنواعها؟
في جميع حالات الإنجاب، ينقل كلا الوالدين جيناتهم إلى الطفل. هذه الجينات محمّلة بالكروموسومات. من المفترض، عندما تتطور خلايا الطفل، أن تتلقى كل خلية 23 زوجاً من الكروموسوم، ليصل الإجمالي إلى 46. نصف تلك الكروموسومات من الأم، والنصف الآخر من الأب.
ومنظومة الكروموسومات هذه تشكل جزءاً مهماً في خلايا الجسم، لأنها تحتوي على المادة والمعلومات الوراثية للإنسان، المعروفة باسم الحمض النووي الريبوزي المنزوع الأوكسجين (Deoxyribonucleic acid – DNA).
لدى الطفل المُصاب بمتلازمة داون، كروموسوم إضافي لم ينفصل عن الآخر بشكلٍ صحيح قبل ولادته بوقتٍ طويل؛ فينتهي به الأمر مع ثلاث نسخ، أو نسخة جزئية إضافية من الكروموسوم 21، بدلاً من نسختين. ويسبّب هذا الكروموسوم الإضافي مشاكل في تطور الدماغ والسمات الجسدية.
ووفقاً لجمعية متلازمة داون الوطنية (NDSS)، يولد حوالي 1 من 700 طفل في الولايات المتحدة مصاباً بمتلازمة داون. لذلك يمكن القول إنه الاضطراب الجيني الأكثر شيوعاً في الولايات المتحدة وحول العالم أيضاً.
كذلك، وبحسب مراكز الأمراض والوقاية منها، تزداد فرصة الأمهات اللواتي تزيد أعمارهن عن 35 عاماً، لإنجاب طفلٍ مصاب بمتلازمة داون، مقارنةً بالأمهات الأصغر سناً. وكلما تقدّمت بالسن، زاد الاحتمال.
كما تظهر الأبحاث أن عمر الأب له تأثيرٌ أيضاً؛ فقد وجدت دراسة أجريت العام 2003 أن الآباء، الذين تزيد أعمارهم عن 40 عاماً، لديهم فرصة مضاعفة لإنجاب طفلٍ مع المتلازمة.
لكن، وفي أحيانٍ نادرة جداً، يمكن لخللٍ وراثي آخر أن يؤدي إلى الإصابة بالمتلازمة، وهناك ثلاثة أنواع فقط منها:
- التثلث الصبغي 21 (Trisomy 21): وهو الشكل الأكثر شيوعاً للمتلازمة، مع وجود نسخة إضافية من الكروموسوم 21 في كلّ خلية.
- الفسيفساء (Mosaicism): وتحدث عندما يولد الطفل مع كروموسوم إضافي في بعض الخلايا، وليس جميعها. والأشخاص المصابون بالمتلازمة الفسيفسائية غالباً ما تكون أعراضهم أقلّ حدّة من المُصابين بـ"التثلث الصبغي 21″.
- النقل (Translocation): في هذا النوع من المتلازمة، يكون لدى الأطفال فقط جزءٌ إضافي من الكروموسوم 21. أي أنهم يملكون 46 كروموسوماً إجمالياً، لكن يحتوي أحدها على قطعة إضافية من الكروموسوم 21.
مفاهيم خاطئة عن مُصابي متلازمة داون
- الطفل المصاب بها يفسد الزواج
الحقيقة تشير إلى عكس ذلك. فوفق دراسةٍ حديثة نُشرت في العام 2007، تبيّن أن معدلات الطلاق، في عائلات الأطفال مع متلازمة داون، أقلّ من العائلات الأخرى. كانت واحدة من أكبر الدراسات حتى الآن، وشملت 647 أسرة، لديها أطفال مصابون بالمتلازمة.
- لا يمكن للمصابين بالمتلازمة أن يكونوا فاعلين في مجتمعهم
الحقيقة أنهم فاعلون جداً في الأنشطة التعليمية، والاجتماعية، والترفيهية. وفي حال تمّت متابعتهم في نظامٍ تعليمي نموذجي، يمكنهم المشاركة في الرياضة والموسيقى والبرامج الفنية وأي أنشطة أخرى. أصحاب متلازمة داون هم أفراد ذوو قيمة في عائلاتهم ومجتمعاتهم، قلوبهم تفيض حباً واهتماماً، ويقدّمون مساهمات مفيدة لعائلاتهم وللمجتمع.
- لا يستطيع أصحاب متلازمة داون الذهاب إلى المدارس العادية
الحقيقة أنه في الولايات المتحدة، ليس من المستحسن فقط أن يذهب أطفال متلازمة داون إلى مدارس عامة، بل إن القانون يُلزم المدارس بقبولهم وتوفير التعليم المناسب لهم. تم تحديد هذا المطلب في قانون تعليم الأفراد ذوي الإعاقة (IDEA).
لكن أهالي أطفال المتلازمة في الدول العربية ما زالوا يعانون من التمييز والجَهل في كيفية التعامل مع أبنائهم، إذ غالباً ما ترفض مدارسنا العامة استقبال الأطفال مع متلازمة داون. الأمر الذي يؤخر عملية دمجهم في المجتمع.
- أصحاب المتلازمة متشابهون
الحقيقة أن العديد منهم يشترك في بعض السمات المشتركة، ولكن ليس جميعهم. على سبيل المثال، يتميّز الكثير من الأشخاص المصابين بمتلازمة داون، وليس جميعهم، بالعيون لوزية الشكل. ومع ذلك، فإنهم يشبهون عائلاتهم أكثر ممّا يشبهون بعضهم، مثلما أننا جميعنا نشبه فرداً أو أكثر من أهالينا.
- أصحاب المتلازمة يعانون من زيادة في الوزن
الحقيقة قريبة نوعاً ما، لكن ليس كلّ المُصابين بالمتلازمة يعانون من زيادة الوزن. ومع ذلك، هناك علاقة بين متلازمة داون والسمنة- على الرغم من أن الوزن النموذجي، نسبةً إلى عدد السكان ووزنهم، يحتاج إلى مزيد من الدراسة. لكن وفقاً لدراسةٍ نُشرت في العام 2016، فإن أصحاب المتلازمة أكثر عرضة للسمنة مقارنة بغيرهم.
وتشير الأبحاث إلى أن كلاً من الغدة الدرقية وانخفاض معدل الأيض يساهمان في زيادة الوزن لدى الأشخاص ذوي متلازمة داون؛ ويعني معدل الأيض المنخفض أن أطفال المتلازمة يحرقون سعرات حرارية أقلّ من غيرهم.
- لا يمكن للأشخاص المصابين بالمتلازمة الإنجاب
والحقيقة، صحيح أن الشخص المُصاب بمتلازمة داون قد يواجه تحديات كبيرة في تربية الطفل، لكن النساء منهنّ يتمتعن بالخصوبة الطبيعية ويمكن أن يلدن الأطفال. لكن وفقاً لدراسات قديمة، تتم إعادة التحقيق فيها، قد يعاني بعض الرجال المُصابون بالمتلازمة من العقم.
ومع ذلك، فهناك عدد كبير من الرجال الذين تمكّنوا من إنجاب الأطفال، وإنشاء عائلة سعيدة.
هل هناك علاج لمتلازمة داون؟
ليس هناك علاج واضح ووحيد يمكنه أن يعدّل عدد الكروموسومات في الخلايا. لكن فور ولادة الطفل الذي يعاني من متلازمة داون، تتمّ المباشرة بإجراء الفحوصات الطبية للكشف عما إذا كان يعاني من مشاكل طبية إضافية.
فالكثيرون ممن يعانون من المتلازمة غالباً ما يعانون أيضاً من مشاكل في الرؤية، أو السمع، أو الغدة الدرقية، أو قصور في القلب. وكلما تمّ تشخيص المشاكل الطبية بصورة مبكرة، ازدادت فرص معالجتها بفاعلية أكبر.
يستطيع طبيب الأعصاب الذي يشرف على معالجة الطفل المصاب بمتلازمة داون أن ينصح الأهل بتبني برنامج معالجة ملائم لطفلهم يتناسب مع وتيرة تطور الطفل، ونموّه واحتياجاته. فالكثير من الأطفال يحتاجون إلى الاستفادة من برامج معالجة النطق مثلاً.
كلما تقدم الولد المصاب بمتلازمة داون في السن أصبحت المعالجة الوظيفية ذات تأثير أكثر وإيجابية أكبر، إذ تساعد المصاب بمتلازمة داون في تقبّل مكان عمله والمحافظة عليه وفي عيش حياة مستقلة قدر الإمكان.
كذلك، يلعب العلاج النفسي دوراً أساسياً في مساعدته على تجاوز بعض المحن الاجتماعية، خصوصاً أن مجتمعاتنا العربية ما زالت تمارس نوعاً من التنمّر بحقّ الأفراد المُصابين بمتلازمة داون.
هنالك الكثير من المهنيين والاختصاصيين الذين بإمكانهم تقديم المساعدة، سواء للطفل المصاب بمتلازمة داون، أو لوالديه وأفراد عائلته؛ وليس ثمة خلاف على أنه، منذ لحظة ولادة الطفل المُصاب، يصبح دور الأهل هو الأكثر أهمية ومركزية في تقرير مدى نجاح الطفل في مواجهة المرض والتعايش معه.
فالتحديات التي يواجهها الأهل قد تكون أصعب من تلك التي يواجهها الطفل. فمن دون مساعدة الأهل، ومتابعتهم لحالة ابنهم الصحية والعقلية، لن يتمكن من الحصول على حياةٍ هانئة.