تمسّك واستئساد يزيد التضاد بين قطبي السياسة العراقية، فكل منهما يدور في فلكِ ما يرغب دون تقارب مع ما يطرحه الآخر، وهذا ما يؤدي إلى نفق جديد لا ضوء في نهايته، هذهِ الصورة القاتمة بعيدة عمّا يطمح له الشعب الذي أنهكتهُ الأزمات المتفاقمة الناجمةُ عن غياب الحكومة، وتَخالُف الأحزاب فيما بينها، فالقطبان لم يبذلا ما هو كافٍ لطي صفحة الانسجام الحاصل، فالتشدد هو الغالب على الصورة السياسية دون أية مرونة تُذكر.
بادر "الإطار التنسيقي" أو ما يعرف بالثلث المعطل بتسعِ نقاط، كان أبرزها الرغبة في الاتفاق، وضمان عدم الإقصاء، وتمكين المعارضةِ برلمانياً، والابتعاد عن سياسة كسر الإرادات، وبعد ذلك رمى الكرةَ في ملعب المستقلين بتقديم مرشح يحظى بقبول المكون الاجتماعي الأكبر الذي ركز "الإطار التنسيقي" على ضرورة حفظ حقه، وعدم التفريط فيه، فيما مرر رفضه لإعادة مصطفى الكاظمي لنفس المنصب بالتعهد بمراجعة كل الاتفاقات والالتزامات التي أُبرمت خلال فترة تصريفه لأعمال الحكومة.
جاء الرد سريعاً على هذه المبادرة من قبل السيد مقتدى الصدر الذي يُمثل "تحالف إنقاذ وطن"، وطرح ثلاث نقاط تخللها رفض المبادرة، وتحدث عن حق أغلبيته السياسية الناتجة عن الانتخابات الأخيرة بتشكيل الحكومة، وأشار الى مدته الممنوحة سابقاً التي لم ينجح "الإطار التنسيقي" في استغلالها، وأعطى المستقلين فرصة تقديم مرشح لرئاسة الوزراء في مدة أقصاها 15 يوماً لإنهاء الانغلاق السياسي شريطة موافقة تحالف (الأغلبية الوطنية) بجميع أطرافها، وهذا يعني ترك حق المعارضة للطرف الذي لم ينضم لهذا التحالف، فيما دعا ممن يؤمن بهم على حد قوله من "الإطار التنسيقي" للانضمام معه في مشروعه.
أربعون مستقلاً بيدهم العصا التي تشق طريق الحكومة القادمة، متجاوزين دور بيضة القبان نحو لعب دور أكبر من خلال هذه الفرصة التي يرغب فيها المستقلون دون معرفة قدرتهم على تحمل مسؤولية كبيرة في فترة حرجة من تاريخ السياسة العراقية التي تتأثر بشكل أو بآخر بما يحدث اقليمياً ودولياً، فموافقة كل المستقلين لا بعضهم تعني الوصول لمشارفِ الانفراج السياسي، إلا أن تقديم المرشح يجب أن يحصل على موافقة التحالف الذي أعطى الفرصة للمستقلين، وهذا بحر آخر على المستقلين أن يجتازوه لكي يُنهوا الانسداد السياسي الحاصل، فحصول الموافقتين تعني إغلاق ملف بات مؤرقاً اسمه "رئيس الوزراء"، ولو لفترة وجيزة قبل مرحلة جديدة من الصراع السياسي حول الوزارات التي أعلنت الكتلة الصدرية عن عدم المشاركة بها حال تقديم مرشح المستقلين الحاصل على الموافقة.
مبادرتان فحواهما دعونا نستمر في التنافر، فلا إشارة واضحة على اتفاق المستقلين جميعهم، ولا الالتزام واضح من قبل المبادرين، ولا مشتركات واضحة بين الطرفين، فثمانية أشهر من الصراع السياسي المرير لم تكن كافيةً، حيث إن الاتفاق هو المسيطر على طاولة النقاشات والتفاهمات التي جرت بين "الإطار التنسيقي" والكتلة الصدرية المعنيتين بمنصب رئيس الوزراء، فضلًا عن الصراع الكُردي حول منصب رئيس الجمهورية الذي لم يُنتخب بجلستين قاطعها الثلث المعطل (الإطار التنسيقي وحلفاؤه).
باب السيناريوهات سيبقى مفتوحاً على مصراعيه، حيث يبدو المشهد مستمراً، وقد يجعل المرحلة القادمة مرحلة إنهاء لهذه العملية التي لم تُسفر عن مخرجات واضحة؛ مما يُجبر أحد الأطراف لدعوة البرلمان لجلسة يصوّت فيها على حل نفسه، وهذا ما لا يرغب فيه أحد، أو الاستمرار على هذا النحو لفترة أطول قد تجعل الشعب العراقي هو اللاعب الذي يُنهي هذه الأزمة التي عجز الجميع عن حلها. كل هذه التكهنات واردة طالما استمر الصراع، وستنتهي حال اتفاق الأطراف فيما بينها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.