تشبه المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا ما يروى في ميثولوجيا "صندوق باندورا"، فعندما فتحته باندورا في المرة الأولى خرج ضوء ساطع قيل إنه الأمل، لكن تبين أن وجود الأمل في صندوق الفظائع دليل على أنه أمل "زائف" وظهوره على شكل ضوء ما هو إلا شر مكسو بالمظهر الحسن.
باستعارة تعبير الفيلسوف الألماني نيتشه، فإن هذا "الأمل هو الأسوأ بين كلّ الشرور" لأنه يطيل من عذاب أوكرانيا. وبالفعل فإن النتائج الميدانية لهذا الدعم لم تبدل قيد أنملة من نتائج المعارك المستعرة في القارة العجوز، الجيش الروسي ما زال يقضم تدريجياً شرق وجنوب أوكرانيا ويدمر البنية التحتية العسكرية الأوكرانية بشكل ممنهج، ولا يبدو في الأفق أي أمل لنهاية قريبة لتلك الحرب.
وما يؤكد ذلك هو الغياب المطلق لأي مبادرة دبلوماسية جادة لإنهاء الحرب، فحتى مبادرة الأمم المتحدة خافتة وخجولة، كأن ما يجري هناك لا يعنيها. وعلى ما يبدو أيضاً فإن أمريكا وروسيا تريدان إطالة أمد الحرب لكن لغايات مختلفة. الولايات المتحدة تريد من هذه الحرب إنهاك روسيا، وموسكو تريد من إطالة أمد الحرب قضم أجزاء من أوكرانيا وتقليم أظافرها بأقل قوة ممكنة استعداداً لاحتمال توسع الحرب نحو جبهات أخرى.
وإذا ما استمرت الحرب الدائرة على نفس الوتيرة سوف تصل إلى ذروتها مع الهجوم المتوقع لروسيا على منطقة أوديسا، وفي حال نجاح هذا الهجوم، سيتم حرمان أوكرانيا من البحر الأسود بالكامل وسيترتب على جعلها دولة حبيسة تبعات خطيرة قد تؤدي إلى انهيار السلطة المركزية في كييف؛ وعندها تصبح أوكرانيا لقمة سائغة لموسكو. لكن هذا السيناريو لن يشكل أي إغراء لروسيا في توسيع رقعة الحرب كما يظن البعض لأن الرئيس بوتين بالأساس لا يعترف بتاريخية دولة أوكرانيا بل يعتبرها دولة "مصنوعة" وبالتالي فإن زوالها عن الخريطة لا يشكل أية مشكلة حسب رؤية الرئيس بوتين.
هناك من يعتقد أن انضمام فنلندا والسويد إلى حلف "الناتو" الذي تروج له إدارة الرئيس بايدن ليل نهار سيكرر حكاية "صندوق باندورا" عندما فتحته للمرة الأولى، أي أن الحرب ستتوسع لكن يبدو أن روسيا تدرك تماماً أن إدارة الرئيس بايدن تأمل في توسيع رقعة الحرب بأي ثمن، لذلك لن تستجيب لها إلا في حالة واحدة وهي تعرض منطقة كاليننغراد لعزلة برية في حال قررت ليتوانيا إغلاق الحدود مع روسيا وبيلاروسيا بحيث يصبح الطريق البري للوصول إلى كاليننغراد مقفلاً، عندها سيكون الرد الروسي حازماً حيث سوف تغلق روسيا رداً على ذلك ممر "سوالكي" الذي يشكل الرابط البري الوحيد بين دول البلطيق (لاتفيا وليتوانيا وإستونيا) وبقية دول الحلف الأوروبية؛ مما قد يرفع من احتمال الصدام العسكري بين روسيا وبيلاروسيا من جهة ودول بحر البلطيق الثلاثة من جهة أخرى، إضافة إلى بولندا، لكن بطبيعة الحال لم تعُد تلك الدول في الحماس ذاته لمواكبة إصرار الرئيس بايدن على توسيع رقعة الحرب بعد أن تبين لها أن الرئيس بايدن لا يقدم أية ضمانات ملموسة لتجاوز أزمة الطاقة، سوى الوعود الفارغة التي قد تورّطها في حرب لا مصلحة لها فيها. أما كردٍّ على طلب انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو فسوف تنشر روسيا صواريخها الحاملة لرؤوس نووية على حدودها مع فنلندا وفي منطقة كاليننغراد لردع الدولتين.
يبدو أن مجريات الصراع حول أوكرانيا لن تتخذ منعطفاً جديداً قبل الانتخابات النصفية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني القادم. وفي حال فوز الحزب الجمهوري بالأغلبية سيضطر الرئيس بايدن إلى التراجع عن مسار التصعيد نتيجة ضغط تلك الأكثرية التي عبر عن موقفها الرئيس السابق دونالد ترامب الذي يحوز سيطرة شبه كاملة على الحزب الجمهوري؛ حيث اتهم الرئيس الحالي بأنه لا يجيد التفاهم مع الرئيس بوتين.
إضافة إلى بداية التصدع في جبهة الدول الأوروبية حول مسألة الطاقة والتي على إثرها لم يعد لقادتها رغبة جامحة في مواكبة هيجان الإدارة الديمقراطية، حيث بدأ هؤلاء القادة يشعرون بتحول دولهم إلى دول من ذوي الاحتياجات الخاصة للغاز والبترول.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.