كان النظام الهرمي لرجال الدين في السعودية يَصِمُ صوت المرأة بأنَّه "عورة"، بهدف إبقاء النساء صامتات، وجزء كبير من ذلك مرده إلى الشيخ الراحل عبدالعزيز بن باز، المفتي العام للمملكة، الذي قال: "إنَّ المرأة يجب أن تبقى في المنزل للحد من خطر الفسق والزنا".
وفي العام 1994 أمر بن باز بانسحاب المملكة من مؤتمر للأمم المتحدة؛ لأنَّ دعم المؤتمر للمساواة بين الجنسين كان "ضد شريعة الله"، وفق تعبيره.
لكن بعد عقدين من الزمان، أصبح صوت العالِمات السعوديات يُسمَع على نطاقٍ واسع، فهنَّ الآن ينفذن إلى المحاكم والمساجد والجامعات، ويمكن سماعهن يلقين دروساً على الإنترنت، بحسب ما جاء في مجلة لصحيفة The Economist البريطاينة، 12 يوليو/ تموز 2018.
يطمحن لشُغل وظائف الرجال
ومن بين النساء السعوديات البارزات حالياً في الحقل الديني، نوال العيد، وهي داعية تمتلك مركزاً خاصاً للنساء في الرياض، ولديها 5 ملايين متابع على موقع تويتر، أي أكثر من أي رجل دين تقريباً.
وتتحدث نورة الحساوي، مديرة البحث في قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الأميرة نورة، أكبر جامعات المملكة للسيدات، عن التغيير الذي طرأ على وضع المرأة السعودية، وقالت: "طالما كنتَ مؤهلاً، يمكنك أن تجهر برأيك". وأضافت: "بصفتي عالِمة، فرأيي مساوٍ لرأي الرجل".
وبحسب المجلة البريطانية، حظيت النساء العلمانيات في السعودية باهتمامٍ عالمي في يونيو/حزيران الماضي، عندما أنهى محمد بن سلمان، ولي العهد الذي يميل نحو الإصلاح، حظر قيادة النساء للسيارات في المملكة.
لكنَّ نظيراتهن المُحافِظات، من وراء نُقُبهن، ربما يكسبن بشكل أكبر أيضاً؛ إذ أضافت عالمات الدين من النساء التاء المربوطة إلى أسماء المناصب التي كانت حكراً على الرجال مثل داعية، وعالِمة، ومفتية. ويوجد دليل على الإنترنت يضم أسماء نساء مؤهلات في الشريعة، ويقول: "أيتها نساء، بدلاً من سؤال الرجال اتصِلن بمفتيةٍ أكثر تفهماً لك".
ويرجع بزوغ نجم هؤلاء النساء إلى موجة من برامج الدراسات الإسلامية الموجهة للنساء، والتي بدأها -للمفارقة- رجال الدين، الذين يعارض الكثيرون منهم فكرة تعليم البنات. إذ قبل هؤلاء ارتياد الفتيات للمدارس الابتدائية في ستينيات القرن العشرين، شريطة أن يمكنهم الإشراف على العملية التعليمية (وميزانيتها). والآن، تفوق خريجات الجامعات في الدراسات الإسلامية الخريجين الذكور عدداً.
واعتادت الكثير من الخريجات الاتجاه إلى التدريس، لكنَّهن الآن طامحات للوظائف المُقتصِرة على الرجال، حيث بدأت النيابة العامة هذا العام تدريب أول دفعة من قاضيات التحقيق من النساء، فيما قالت وزارة الشؤون الإسلامية -وكل موظفيها من الرجال- إنَّها تعتزم إنشاء قسم خاص بالسيدات. وبدأت الوزارة بالفعل يوم 3 يوليو/تموز في تعيين مُساعِدات للقضاة الذكور.
وتريد بعض النساء الذهاب أبعد من ذلك، فيستشهدن بالقرآن وبأمثلة من جيل السلف الأول للمسلمين (الذين يقر السعوديون المحافظون باتباعهم)؛ ليثبتن أنَّ النساء يمكنهن الإمامة في الصلاة أو حتى قيادة الدول.
مرحلة جديدة من عمر النساء
التغيير أصبح جارياً الآن في المملكة؛ إذ يسمح القضاة الآن للمحاميات بالحديث. وأُلغي حق الأولياء الذكور في التحكم في ثروات النساء، أو التحكم في زواجهن، أو الحصول على حقوق حضانة أبنائهن.
والسطوة المتزايدة للنساء في الشؤون الدينية تثير بعض الليبراليين، فتقول إحدى المسؤولات: "لا نريد المزيد من المتعصبين"، وهي تخشى أن تُعطِّل النساء المُحافِظات برنامج ولي العهد التحديثي.
ويشعر مجلس الشورى، الذي يُعَد شبه برلمان في المملكة، بالقلق أيضاً. وقضى المجلس في سبتمبر/أيلول الماضي بأنَّ الطامحات للعمل كمفتيات عليهن الحصول على تصريحٍ حكومي.
والمحافظات هنَّ أيضاً لسن سعيدات؛ إذ تواصل النساء المطالبة بالمزيد من مجال المساجد، ويشتكي مسؤول في الشؤون الإسلامية، قائلاً: "قبل جيل من الزمن" -وأضاف غاضباً- "كُنَّ ليبقين في المنزل"، وفقاً لما ذكرته The Economist.