ما هي فترة الأسى المقبولة، ومتى يصبح الحزن المطول مشكلة؟ إليك إجابة علماء النفس

عربي بوست
تم النشر: 2022/04/30 الساعة 17:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/30 الساعة 17:11 بتوقيت غرينتش
المجتمع يميل إلى قبول معاناة الأشخاص المفجوعين باعتبارها وضعاً طبيعياً، ومن ثمَّ يفشل في توجيههم نحو العلاج/ Shuttershock

لا يوجد جدول زمني محدد للحزن. قد تبدأ بالتحسن في غضون 6 إلى 8 أسابيع، لكن العملية برمتها يمكن أن تستمر من 6 أشهر إلى 4 سنوات. قد يتحسن شعور المرء بطرق بسيطة، فيستيقظ في الصباح بسهولة، أو ترتفع مستويات الطاقة لديه. 

عند الوصول إلى هذه الحالة، تبدأ حياة الإنسان بإعادة تنظيمها حول فكرة عدم وجود من يحب. خلال هذا الوقت، قد يشعر وكأنه يمر بسلسلة من حالات الصعود والهبوط، وبينما يمر يوم بسلام، يليه يوم سيئ، وهذا أمر طبيعي، ولكن إلى متى؟

نقاش طويل داخل مجال الصحة النفسية قاده سؤال واحد: ما هي فترة الحزن المقبولة؟ فشعور الحزن المتناهي المطوّل الناجم عن فقدان عزيز بشكل مفاجئ كان موضع اهتمام الباحثين والأطباء النفسيين باعتباره مشكلة نفسية تحتاج إلى مساعدة طبية.

وبعد أكثر من عقد من الجدل، أضاف أقوى مرجع للطب النفسي في الولايات المتحدة الأمريكية اضطراباً جديداً إلى الدليل التشخيصي الإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM)، ألا وهو الحزن المطول.

صُمِّم التشخيص الجديد، الذي سُمّي بـ"اضطراب الحزن المطول" أو "اضطراب الفجيعة المزمن"، ليُطبّق على شريحة محدودة من الأشخاص الثكالى العاجزين عن تقبّل صدمة الفراق واستئناف أنشطة حياتهم الطبيعية بعد مرور عام من اختبار موت إنسان عزيز.

يُرجح أن يؤدي تضمين حالة الفجيعة في الدليل التشخيصي الإحصائي للاضطرابات النفسية إلى فتح تيار من الأبحاث لتطوير علاجات محتملة لهذا الاضطراب.

جادل عدد من الباحثين منذ تسعينيات القرن الماضي بضرورة تصنيف أشكال الفجيعة مرضاً نفسياً، مشيرين إلى أنَّ المجتمع يميل إلى قبول معاناة الأشخاص المفجوعين باعتبارها وضعاً طبيعياً، ومن ثمَّ يفشل في توجيههم نحو العلاج الذي يعزز حقاً فرص شفائهم.

الحزن المطول
يصبح الحزن المرتبط بفقدان شخص عزيز اضطراب فجيعة في حال استمر على حاله 6 أشهر/ Shuttershock

بدوره قال رئيس اللجنة التوجيهية المشرفة على مراجعات الطبعة الخامسة للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الدكتور بول أبيلباوم لصحيفة The New York Times: "سوف يساعد التشخيص النفسي الرجال والنساء الأرامل الذين ارتدوا الأسود لبقية حياتهم وانسحبوا من الحياة الاجتماعية وعاشوا بقية حياتهم على ذكرى مَن فقدوه، بالإضافة إلى الآباء والأمهات الذين لم يتغلبوا قط على أحزان فاجعة خسارة أحد أبنائهم".

ومع ذلك، جادل المنتقدون بقوة ضد قرار تصنيف الحزن المطول المرتبط بالفجيعة اضطراباً نفسياً، قائلين إنَّ هذه التسمية تخاطر بجعل جانب أساسي من جوانب التجربة الإنسانية حالة مرضية وأعربوا عن قلقهم من أن يتحوّل أحد المشاعر الإنسانية الطبيعية- وهو الحزن- إلى سوق متنامٍ لشركات الأدوية التي ستحاول إقناع الأشخاص المكلومين بأنَّهم بحاجة إلى علاج طبي للتكيّف، بينما هم في الواقع يتعافون من حالة الفجيعة بشكل طبيعي، لكن ببطء.

في هذا الصدد، أعربت جوان كاكياتور، أستاذة مشاركة في العمل الاجتماعي بجامعة ولاية أريزونا وتدير منتجعاً صحياً "Selah Carefarm" للأشخاص الثكالى، عن اعتراضها الشديد لتصنيف الحزن مرضاً نفسياً، قائلة: "هذه خطوة خطيرة للغاية وقصيرة النظر. عندما يخبرنا أحد الخبراء أو المتخصّصين بأنَّنا مضطربون نفسياً وضعفاء ومُثقلون بالحزن، فلن نستطيع بعد ذلك الوثوق في أنفسنا وعواطفنا وإرادتنا". 

"لا نقلق من الحزن المطول"

يمكن إرجاع أصول التشخيص الجديد إلى تسعينيات القرن الماضي عندما كانت هولي بريغيرسون، اخصائية وبائيات الاضطرابات النفسية، تتابع مجموعة من المرضى في أواخر العمر وتجمع بيانات حول فعالية علاج الاكتئاب، حسب موقع Webmed.

لاحظت هولي شيئاً غريباً يتمثّل في أنَّ الكثير من هؤلاء المرضى كانوا يبدون استجابة جيدة للأدوية المضادة للاكتئاب، لكن مستوى حزنهم لم يتأثر وظل عميقاً للغاية. لم يبد الأطباء النفسيون زملاؤها في الفريق اهتماماً كبيراً عندما أخبرتهم بذلك.

تتذكر هولي أنَّ أحدهم قال لها إنَّ "الحزن بعد الفقد شعور طبيعي ونحن الأطباء النفسيين لا نشعر بالقلق حياله، لكننا نقلق بشأن الاكتئاب والقلق المزمن"، وكان ردها: "حسناً، كيف تعرف أنَّه لا يُمثّل مشكلة؟".

بدأت الدكتورة هولي بريغيرسون في جمع البيانات وخلصت إلى أنَّ العديد من أعراض الفجيعة، مثل "الاشتياق والحسرة والوهن"، تختلف عن الاكتئاب وتوقعت تداعيات سيئة مثل ارتفاع ضغط الدم والأفكار الانتحارية. 

أظهر بحثها أنَّ أعراض الفجيعة لدى معظم الأشخاص بلغت ذروتها خلال الأشهر الستة الأولى التالية لوفاة الشخص العزيز ثم تراجعت تدريجياً، في حين ظلت الأعراض ممتدة لدى مجموعة شاذة من الأفراد المفجوعين نسبتهم 4% وتداخلت على المدى الطويل مع قدرتهم على العمل والنوم واستئناف حياتهم الطبيعية.

في عام 2010، أثار اقتراح الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين بتوسيع تعريف الاكتئاب في عام 2010 ليشمل الأشخاص المفجوعين ردود فعل عنيفة وانتقادات أوسع نطاقاً تتهم العاملين في مجال الصحة النفسية بالمبالغة في التشخيص والإفراط في التداوي، حسب موقع Family Doctor.

وقال جيروم ويكفيلد، أستاذ العمل الاجتماعي في جامعة نيويورك: "ينبغي إدراك أنَّ الأطباء يريدون تشخيصات مختلفة حتى يتسنى لهم تصنيف الحالات المرضية القادمة إليهم وتحديد مقابل مادي متغير بحسب كل حالة".

ومع ذلك، واصل الباحثون دراسة أعراض الفجيعة، حيث اعتبروها مختلفة بشكل متزايد عن الاكتئاب وأكثر ارتباطاً باضطرابات الإجهاد، مثل اضطراب ما بعد الصدمة. 

برنامج علاجي لـ16 أسبوعاً

كانت الدكتورة كاثرين شير، أستاذة الطب النفسي في جامعة كولومبيا، واحدة من هؤلاء الباحثين والتي طوَّرت برنامجاً للعلاج النفسي مدته 16 أسبوعاً يعتمد بدرجة كبيرة على تقنيات العلاج المستخدمة في علاج ضحايا الصدمات النفسية.

بحلول عام 2016، أظهرت بيانات تجارب سريرية أنَّ علاج الدكتورة كاثرين أسفر عن نتائج جيدة للمرضى الذين يعانون من الحزن المطول والعميق وتفوَّق على مضادات الاكتئاب وعلاجات الاكتئاب الأخرى. 

وكان لا بد من الاتفاق على المعايير التي تميّز الحزن الطبيعي عن اضطراب الفجيعة المزمن، أو بمعنى أدق: كما هي فترة الحزن المقبولة؟ 

على الرغم من شعور فرق الباحثين أنَّه يمكنهم تشخيص الحزن المرتبط بفقدان شخص عزيز بأنَّه اضطراب فجيعة في حال استمر على حاله 6 أشهر بعد الوفاة، قالت هولي إنَّ الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين ناشدت لتمديد الفترة إلى عام بعد الوفاة لتجنّب رد فعل شعبي عنيف.

وأضافت هولي: "كان ثمة قلق من أنَّ الجمهور سيستشيط غضباً من إطلاق وصف (مضطرب نفسياً) على أي شخص لا يزال يشعر ببعض الحزن والافتقاد لفراق أحد أحبائه- حتى لو كانت الوفاة قد مرَّ عليها 6 أشهر. يبدو الأمر كما لو أنك تحوِّل الحب إلى مرض". 

يُمثّل التشخيص الجديد، الذي نُشر في النسخة المنقحة من الدليل التشخيصي الإحصائي للاضطرابات النفسية لشهر أبريل/نيسان 2022، تقدماً كبيراً لأولئك الذين جادلوا لسنوات بأنَّ الأشخاص المفجوعين يحتاجون إلى علاج مُصمّم خصوصاً لهم.

إذا شاع استخدام هذا التشخيص الجديد، فمن المحتمل أن يؤدي إلى ظهور مجموعة من العلاجات الجديدة.

علامات:
تحميل المزيد