تتمسك به الأردن وفلسطين.. ماذا يعني مصطلح “الوضع القائم” في المسجد الأقصى؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/04/28 الساعة 12:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/28 الساعة 12:04 بتوقيت غرينتش
"الوضع القائم" في المسجد المسجد الأقصى يرجع للعهد العثماني/ رويترز

يسعى الأردن إلى دفع إسرائيل لاحترام الوضع التاريخي القائم للمسجد الأقصى، والذي يسعى الاحتلال إلى تغييره، فما قصة "الوضع القائم"، ومتى بدأ تاريخ ذلك الوضع، وهل ما زال قائماً حتى اليوم بالفعل؟

كاد اقتحام المستوطنين المتطرفين للمسجد الأقصى في حماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي، خلال شهر رمضان الجاري، أن يؤدي إلى انفجار الأوضاع، كما حدث وأدى لاندلاع حرب غزة العام الماضي، ووجّه الفلسطينيون اتهامات مباشرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، بالسعي لفرض التقسيم الزماني والمكاني على المسجد الأقصى.

وقال مسؤولون أردنيون ودبلوماسيون غربيون لرويترز، الخميس 28 أبريل/نيسان 2022، إن الأردن كثَّف جهوده لدفع إسرائيل إلى احترام الوضع التاريخي القائم بالمسجد الأقصى في القدس المحتلة، وتجنّب المواجهات العنيفة التي قد تهدد بنشوب صراع أوسع.

الأردن يسعى لضغط أمريكي على إسرائيل

المسؤولون قالوا لرويترز إن الأردن أبلغ واشنطن باستعداده لمناقشة الأمر مع إسرائيل بعد نهاية شهر رمضان الأسبوع المقبل، والهدف من ذلك هو تحديد الخطوات التي يمكن أن تتخذها إسرائيل لإعادة الأوضاع في المسجد إلى ما كانت عليه قبل 22 عاماً، إذ يتهم الأردن إسرائيل بتغيير القيود المفروضة على العبادة في المسجد تدريجياً منذ عام 2000.

وقال مسؤول أردني، طلب عدم نشر اسمه، إن الجهد الدبلوماسي الجديد يهدف للتعامل مع جذور التوتر، وضمان عدم تفجر الأمور مرة أخرى، مضيفاً أن واشنطن تلقت مؤخراً ورقة تُبين بوضوح موقف المملكة.

وأثارت الاشتباكات التي دارت خلال الأسبوعين الماضيين بين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية في مجمع المسجد غضباً عربياً وقلقاً دولياً من الانزلاق مرة أخرى إلى صراع إسرائيلي فلسطيني أوسع.

وقال دبلوماسي غربي إن اقتراح الأردن لم يشتمل على عقد لجنة مشتركة مع إسرائيل بشأن الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في البلدة القديمة بالقدس، بينما قالت عدة وسائل إعلام إسرائيلية إنه يشمل ذلك.

وقالت المصادر إن عمان أبلغت واشنطن بأن على إسرائيل رفع القيود المفروضة على تعيين موظفين بدائرة الأوقاف الإسلامية التابعة للأردن، والسماح لها بإدارة جميع زيارات غير المسلمين ومنع ممارستهم للعبادة.

يقول الأردن، الذي تمتلك الأسرة الهاشمية الحاكمة له الوصاية على المواقع الإسلامية والمسيحية، إن إسرائيل تقوض منذ عام 2000 تقليداً يعود لقرون مضت، لا يُسمح فيه لغير المسلمين بالصلاة في مجمع المسجد.

العاهل الأردني عبد الله الثاني/رويترز

وتنفي إسرائيل اتهامات الأردن والدول العربية بأنها تحاول تغيير الوضع القائم للأماكن الإسلامية المقدسة في البلدة القديمة بالقدس، التي احتلتها في حرب عام 1967. وتقول أيضاً إنها تنفذ حظراً قائماً منذ وقت طويل على صلاة اليهود في الحرم.

ويقول الأردن إن إسرائيل تقيّد دخول المصلين المسلمين ولا تقيّد دخول القوميين الإسرائيليين، المنتمين لليمين المتطرف، الذين تنتهك طقوسهم الوضع القائم السابق، وتنتهك حرمة المكان المقدس.

وقال مسؤول أردني آخر لرويترز إن الأردن يواصل اتصالاته المباشرة مع الإسرائيليين وواشنطن وأطراف دولية أخرى، لمطالبة إسرائيل باحترام الوضع التاريخي الذي كان قائماً قبل عام 2000.

وحظرت إسرائيل يوم الجمعة زيارات غير المسلمين حتى نهاية شهر رمضان. وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لرويترز إنها خطوة جيدة نحو احترام الوضع القائم، وتخفيف التوتر واستعادة الهدوء.

ما المقصود بالوضع القائم في الأقصى؟

يعود ما يُعرف بـ"الوضع القائم لترتيب الأماكن المقدسة"، في مدينة القدس الشرقية المحتلة، إلى العهد العثماني. إذ أقر السلطان العثماني عبد المجيد الأول عام 1852 ميلادية، ما بات يُعرف منذ ذلك الحين بـ"الوضع القائم لترتيب الأماكن المقدسة"، وما يُعرف بالإنجليزية بـ"ستاتس كو"، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.

وبالنسبة لدائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، فإن الوضع القائم هو الوضع الذي ساد منذ إقراره في العهد العثماني، واستمر خلال فترة الانتداب البريطاني لفلسطين (1920-1947)، ثم في العهد الأردني، وحتى ما بعد الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية عام 1967.

وينص هذا الوضع إجمالاً على أن المسجد الأقصى مكان مقدس للمسلمين فقط، وتحت إدارتهم.

واستناداً إلى دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، فإن الوضع القائم للأماكن المقدسة بدأ عام 1852 ميلادية، حينما أقره السلطان العثماني عبد المجيد الأول.

صورة من حشود المصلين في المسجد الأقصى ليلة القدر – Getty Images

وآنذاك أصدر السلطان مرسوماً ينص على "تجميد مطالبات الحيازة الدينية للأماكن المقدسة في القدس وبيت لحم، من قِبل الطوائف الدينية، وحظر أي تشييد أو تغيير في الوضع القائم". ويشمل الترتيب عدة مواقع دينية، إسلامية ومسيحية، في القدس وبيت لحم، جنوبي الضفة الغربية.

ولاحقاً، تم الاعتراف بهذا الترتيب دولياً في مؤتمر باريس 1856 (في نهاية حرب القرم)، كذلك في معاهدة برلين (بين القوى الأوروبية والعثمانيين)، حيث تنص المادة 62 من هذه المعاهدة على أن: "من المفهوم تماماً أنه لا يمكن إدخال أي تعديلات على الوضع القائم في الأماكن المقدسة"، وقد وسّعت هذه المادة الترتيبات لتشمل كل الأماكن المقدسة وليس المسيحية فقط.

وعقب الاحتلال البريطاني لفلسطين، وإعلان الانتداب عليها (1920-1947) أبقت على الترتيب القائم. وبعد احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة، عام 1967، أعلنت إسرائيل بقاء الوضع على ما هو عليه في المسجد الأقصى، حيث تتولى دائرة الأوقاف الإسلامية إدارة شؤون المسجد.

لكنّ إسرائيل استولت بالقوة على حائط البراق، أحد جدران المسجد الأقصى، وأطلقت عليه اسم "حائط المبكى"، وصادرت مفاتيح باب المغاربة للمسجد الأقصى، ودمّرت حي المغاربة الذي يقع أمام جدار البراق، وأنشأت ساحة صلاة كبيرة للمصلين اليهود، وهو ما يعده الفلسطينيون انتهاكاً للوضع القائم.

وفي عام 2003، قررت الحكومة الإسرائيلية فتح المسجد الأقصى أُحادياً أمام اقتحامات المتطرفين، في انتهاك واضح للوضع القائم.

هل الوضع القائم في الأقصى قائم فعلاً؟

في الوقت الذي يتمسك فيه الفلسطينيون، ودائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس بالترتيب العثماني الخاص بالوضع القائم، الواضح أن لإسرائيل مخططات خاصة بها، وتعريفاً مختلفاً للوضع القائم.

إذ يقول الفلسطينيون إن إسرائيل تخطط وتسعى إلى إنهاء الوضع القائم، وتقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود زمانياً، بحيث يتم تخصيص أوقات معينة لليهود لدخول المسجد، ومكانياً من خلال اقتطاع أجزاء منه وتخصيصها لليهود.

ومنذ قرار الحكومة الإسرائيلية في العام 2003 فتح المسجد الأقصى أُحادياً أمام اقتحامات متطرفين يهود للمسجد، فإن دائرة الأوقاف الإسلامية دأبت على الشكوى من انتهاكات إسرائيل للوضع القائم بالمسجد.

ويزداد تنديد دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس، المسؤولة عن إدارة شؤون المسجد الأقصى، مع كثافة اقتحامات المتطرفين، خاصة خلال الأعياد اليهودية، واقتحامات الشرطة الإسرائيلية للمسجد.

ويقول الشيخ عكرمة صبري، رئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس (أهلية)، وخطيب المسجد الأقصى، إن هناك العديد من الدلائل على نية السلطات الإسرائيلية "إجراء تغييرات على الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك".

وقال صبري للأناضول: "من هذه الدلائل الاقتحامات المتوالية للأقصى، وتزايُد أعداد المقتحمين بحراسة مشددة من قبل السلطات الإسرائيلية، إضافة إلى إعلان الجماعات اليهودية استصدار قرار قضائي بأداء ما سمّته الصلاة الصامتة أثناء الاقتحامات، حيث يريدون أن يشرعنوا تصرفاتهم بقرار قضائي، في وقت تغض فيه الشرطة الطرف عن هذه الانتهاكات".

القدس
جيش الاحتلال الإسرائيلي يقتحم باحات الأقصى/Getty Images

"كذلك الإعلان عن محاولة إدخال قرابين عيد الفصح اليهودي إلى المسجد، وهو ما سبب التوتر الشديد خلال شهر رمضان في الأراضي الفلسطينية، ولو لم يتم هذا الإعلان من قبل الجماعات المتطرفة لما حصل هذا التوتر".

"كما أن من بين الدلائل: الاقتحامات الشرسة من قبل الشرطة الإسرائيلية واستباحة المسجد القبلي المسقوف، واعتقال المصلين من داخله، وأيضاً استخدام السلاح بالمسجد الأقصى، فضلاً عن استخدام المسيّرات (طائرات صغيرة بدون طيار) لإطلاق قنابل الغاز على المصلين بالمسجد".

وأكمل الشيخ صبري: "الدلائل والانتهاكات الإسرائيلية عديدة وكثيرة، بما فيها تقييد عمليات الترميم التي تقوم بها دائرة الأوقاف، وإبعاد المصلين والحراس ورجال الدين عن المسجد الأقصى، لفترات طويلة، في إجراء لم تتخذه أي دولة في العالم بإبعاد المصلين عن أماكن العبادة".

وبرزت تنديدات دائرة الأوقاف الإسلامية، خلال الأسبوع الماضي، بعد تعمّد الشرطة الإسرائيلية إخلاء ساحات المسجد الأقصى من المصلين المسلمين، توطئة لاقتحام المئات من المتطرفين لساحات المسجد.

الوضع القائم من وجهة نظر إسرائيل

ورغم كل ذلك، تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى محاولة إقناع الدول العربية والإسلامية والدولية، بأنها تحترم "الوضع القائم" في المسجد.

غير أن الحكومة الإسرائيلية تجد صعوبات في إقناع الدول، وكذلك وسائل الإعلام، بأنه لا تغيير حقاً طرأ على الوضع القائم في المسجد، وهو ما وجد تعبيراً له في لقاء وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد مع الصحافة الأجنبية، الأحد 24 أبريل/نيسان.

وتوجّه أحد الصحفيين الأجانب إلى لابيد بالسؤال: "إن المزيد والمزيد من اليهود المتدينين المتطرفين يزورون الموقع، أنت تقول ألا تغيير على الوضع القائم، ولكن كان هناك تغيير جذري في سياسة الشرطة الإسرائيلية فيما يتعلق بالسماح بأداء صلاة يهودية في الموقع، هل سيستمر هذا الأمر؟ هل سيواصل متطرفون يهود زيارة الموقع وإقامة صلوات يهودية هناك؟".

وكان رد لابيد على هذا السؤال: "السياسة واضحة، ولا تغيير على الوضع القائم، ربما هناك يهود متطرفون يخرقون القواعد"، ولكن الصحفي توجّه إليه بالسؤال مجدداً: "لقد شاهدت بنفسي الشرطة تسمح لهم بالقيام بذلك؟".

فقال لابيد: "لدى الشرطة تعليمات مشددة بمنع ذلك، أعلم ما هي التعليمات المعطاة للشرطة، وهي تعليمات مشددة جداً، ويطبقونها بأقصى قدراتهم، بما يعني إبقاء الوضع القائم، بحيث يصلي المسلمون في الأقصى في حين يزوره أتباع الديانات الأخرى".

بن غفير
رئيس الوزراء الإسرائيلي نيفتالي بينيت – رويترز

غير أن وزير الشتات نحمان شاي، قال لهيئة البث العامة الإسرائيلية، السبت، إن الوضع القائم في المسجد الأقصى آخذ في التدهور، مع وصول المزيد من اليهود إلى الموقع المقدس، وحذّر من أنه ستكون لهذا الأمر "عواقب وخيمة".

"هناك الكثير من اليهود الذين يصعدون إلى الحرم القدسي، هناك من يتوقف في الطريق ويصلي، وهذا ممنوع"، وأضاف شاي: "هناك تصعيد معين وتدهور معين، أيضاً مع الوضع القائم، لقد فتحوا الحرم، وتركوا المزيد والمزيد من اليهود يذهبون إلى هناك".

إلّا أن لابيد قال: "لدى السيد شاي معلومات خاطئة، فلا يسمح لليهود بالصلاة، والسياسة واضحة، وهذه السياسة تقضي بصلاة المسلمين، في حين أن اليهود والمسيحيين وغيرهم يزورون".

"قد يتسلل شخص ما إلى الداخل، وقد يقوم أحدهم بالصلاة، وهنا يفترض على الشرطة أن تتعامل مع هذه الحالات، ولكن السياسة واضحة ولم تتغير، نحن نحافظ على الوضع القائم ولم يتغير".

وكانت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، قد اعتبرت سماح الشرطة الإسرائيلية لمتطرفين بالصلاة أثناء اقتحاماتهم للمسجد الأقصى، بأنه انتهاك للوضع القائم.

ووجد لابيد صعوبة في تبرير استخدام الشرطة الإسرائيلية طائرة مسيّرة لإلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع على مصلين بالمسجد الأقصى، الجمعة، في خطوة غير مسبوقة.

وقال لابيد: "يتم استخدام الغاز المسيل للدموع من قبل الشرطة في أنحاء العالم حينما تقع اضطرابات، وقد لا يكون الحل الأمثل، ولكن اعتقدنا أنه أفضل من إدخال قوات الشرطة".

الخلاصة هنا هي أن الوضع القائم في المسجد الأقصى يتعرّض للتغيير بشكل منظم من جانب الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، لكن حكومة بينيت ولابيد تصر على أن ذلك لا يحدث، وسط مساعٍ أردنية لدفع واشنطن لممارسة ضغوط على تل أبيب، لوقف الانتهاكات في المسجد الأقصى، والتي ترقى إلى "جرائم حرب"، بحسب تعريف القانون الدولي.

تحميل المزيد