تكتظ صالة المطعم بالصائمين قُبيل أذان المغرب، يغلب على المكان هدوء يشتته العاملون بتوصيل الطلبات في انتظار وجبة ساخنة، تصل لصاحبها أينما كان، لكن حال المطبخ على النقيض تماماً، حيث ضجيج أواني الطعام وأصوات السكاكين، وبين طشة يميناً وتسبيكة يساراً وطواجن في الفرن تقف نجلاء عطية في مطبخ أحد مطاعم وسط القاهرة، تقود فريق العاملين لتحضير مختلف الأصناف، بينما تفتقدها أسرتها على مائدتهم الرمضانية.
تعمل الشيف نجلاء يومياً في رمضان؛ نظراً لشدة الإقبال وضغط العمل، حيث يمثل الشهر الكريم موسماً للعاملين بالمجال، فتروي: "بنتسابق في تحضير وتقديم الوجبات المطلوبة خاصة مع التزامنا بميعاد محدد، أذان المغرب".
طلبات على حائط المطبخ..
تتم كتابة الطلبات على حائط المطبخ حتى يتسنى للجميع رؤيتها ومراجعتها، ثم تقسم الشيف المهمات على زملائها الخمسة، وتكمل: "كلنا في المطبخ عيلة، بحاول أختار أحسن فرد في كل مهمة"، لافتة إلى أن جميعهم يجيدون تحضير كل أنواع الطعام، لكنها تؤمن بأسطورة "النَفَس"، وهو ما يطلق على الإحساس الذاتي للإنسان تجاه الطعام، توضح نجلاء: "النفَس هو اللي بيميزني، وإني بعمل الأكل بحب للناس اللي مستنيانا هنا في المطعم أو في منازلهم". يستمر المطبخ في العمل حتى آخر "أوردر" في الصالة أو لعمال التوصيل للمنازل وبعد الانتهاء يشرع فريق المطبخ في الإفطار، والذي يمكن أن يتأخر إلى الثامنة مساءً.
خبرة 20 عاماً
بعد خبرة خمس سنوات في مجال الطهي بالإضافة إلى أكثر من 20 عاماً أم وربة منزل مسؤولة عن تحضير الطعام لأسرتها، أصبحت مقادير الأكلة ومكوناتها لا تحتاج لجهد أو تفكير أو حتى تذوق أثناء الصيام، مؤكدة: "نادراً ما ألجأ إلى تذوق الأكل خلال الصيام وبحاول أدوق على طرف اللسان لو ضروري"، تعرف الشيف أن مطبخ المطعم مختلف نوعاً ما عن مطبخ البيت، فالمساحة أكبر والعدد المتلقي للطعام أكثر، كما أن الأصناف متنوعة بشكل كبير، إلا أن معظمها لا يخرج عن المطبخ المصري الصامد في البيوت المصرية في العاصمة أو في الدلتا والصعيد وحتى في المناطق البدوية على الحدود، جميعها في حافظة الشيف نجلاء.
تقف وسط المطبخ تبوح بـ"تكات" أشهر الأطباق المصرية، للملوخية قرن فلفل، وللطواجن ترتيب محدد في إضافة التوابل، والتحكم في قوة النكهات يعتمد على التوابل الصحيحة أو المطحونة، وبعض الإضافات ذات التأثير الغني في باقي الأطباق، وتتابع: "ده شغلي، لازم يطلع بمستوى كويس وبمنتهى الدقة ويميزني أنا والمكان اللي بشتغل فيه".
أم مسؤولة عن 7 أبناء..
اضطرت الأم الأربعينية للعمل، بعد رحيل زوجها ومسؤوليتها عن 7 من الأبناء والبنات، تفهَّم الأبناء ظروف العمل وضرورته بالتدريج، تعود لتروي: "يعتمد أبنائي على أنفسهم في تحضير الإفطار، بحاول من حين لآخر أشاركهم وأحسسهم بأجواء رمضان، وده حال ستات كتير زيي".
وعن زوجها الراحل، تحكي نجلاء بابتسامة أنه أكثر مَن شجعها على تلك الخطوة، رغم عدم وجوده حينما أقدمت عليها: "كان دايماً يقول لي انتي شكلك هتبقى شيف"، وذلك خلال الثناء عليها وعلى ما تحضره من طعام سواء في عزومات العيلة أو في مبادرات الإطعام التي اعتادوا المشاركة فيها، بعدها بسنوات أصبح الثناء حقيقة وتحول حب الطهي من هواية إلى مهنة أثرت في حياتها وحياة عائلتها الصغيرة: "حتى لو الظروف اتحسنت هفضل أشتغل؛ لأني بقيت أقوى ومستقلة أكتر".