إسرائيل في ورطة.. هل انتهى وقت إمساك العصا من المنتصف بشأن الهجوم الروسي على أوكرانيا؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/04/25 الساعة 22:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/26 الساعة 06:41 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء الإسرائيلي نيفتالي بينيت - رويترز

منذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، كان واضحاً أن إسرائيل قررت إمساك العصا من المنتصف لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من الأزمة العالمية، لكن مع مرور الوقت وجدت تل أبيب نفسها في ورطة.

الأزمة الأوكرانية بالأساس أزمة جيوسياسية بين روسيا من جهة وحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة من جهة أخرى، وفي هذا السياق برر الرئيس فلاديمير بوتين هجومه على أوكرانيا بأنه "عملية خاصة" هدفها منع عسكرة كييف والقضاء على من وصفهم بالقوميين النازيين هناك.

أما الغرب فيصف الهجوم الروسي بأنه حرب عدوانية وغزو لا مبرر له، وفرضَ عقوبات كاسحة على موسكو بهدف عزلها عن العالم بشكل كامل، لكن بعد أن دخلت الحرب شهرها الثالث، لا تزال مسألة عزل روسيا مشكوكاً فيها، في ظل رفض أغلب دول العالم فرض عقوبات كما يريد الغرب بقيادة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.

الضغوط تتزايد من روسيا ومن أمريكا

ومنذ اللحظة الأولى لبدء الحرب في أوكرانيا، وجدت دول الشرق الأوسط نفسها تواجه مأزقاً مركّباً بشأن الشق الجيوسياسي وضرورات اتخاذ موقف واضح من طرفي الأزمة، إضافة إلى التداعيات الاقتصادية التي نتجت عن الحرب الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية.

فبالنسبة للشق الجيوسياسي، كان الشرق الأوسط، حتى سنوات قليلة مضت، يعتبر منطقة نفوذ أمريكي خالصة، وبالتالي توقعت واشنطن أن يكون موقف دول المنطقة داعماً للموقف الغربي في أزمة أوكرانيا، لكن حتى الآن أتت الرياح بما لا تشتهي سفن الغرب عموماً وسفن بايدن خصوصاً.

فالسعودية والإمارات رفعتا راية التحدي في وجه الولايات المتحدة ورفضتا زيادة إنتاج النفط تلبية لطلبات إدارة بايدن بغرض الحفاظ على الأسعار من جهة وتسهيل عملية استغناء أوروبا وآسيا عن النفط الروسي من جهة أخرى.

ونشر موقع Responsible Statecraft الأمريكي تحليلاً عنوانه "إسرائيل تواجه ضغطاً متزايداً لاختيار طرف في الصراع الأوكراني الروسي"، ألقى الضوء بصورة خاصة على المأزق الذي وجدت تل أبيب وحكومة نفتالي بينيت نفسيهما في مواجهته.

وترى دول الشرق الأوسط أنَّ فرصها ضئيلة في الحفاظ على التوازن الحساس بين أطراف الصراع الروسي الأوكراني. وأحد الأمثلة التي ينطبق عليها هذا بدقة هو إسرائيل مع تفاقم التوترات مع إيران في سوريا والفلسطينيين بالقدس، وتعبير كلٍّ من موسكو وواشنطن عن عدم صبرهما أمام محاولاتها عدم الالتزام بطرف محدد.

الرئيس الأمريكي جو بايدن – Getty Images

وحذّرت الولايات المتحدة من أنها ستزيد الضغط على الدول التي فشلت في معاقبة روسيا، لكنها لم تستثنِ إسرائيل بعد، موطن تجمعات يهودية روسية وأوكرانية هائلة والتي تضم العديد من الأوليغارشية (القلة الحاكمة). وفي المقابل، أعربت روسيا بوضوح عن انزعاجها من إسرائيل في الأيام الأخيرة.

اللافت هنا أن الهجوم الروسي لم يكن مفاجئاً لا لأوكرانيا ولا للغرب ولا للعالم، فالأزمة الأوكرانية مشتعلة منذ عام 2014، عندما ضمت موسكو شبه جزيرة القرم ودعمت حركات انفصالية في دونيتسك ولوغانسك بإقليم دونباس شرق أوكرانيا، وكان اعتراف موسكو بتلك المناطق مقدمة للعملية العسكرية، التي أصبحت حرباً شاملة بالفعل.

لكن مع دخول الحرب شهرها الثالث، بدأت الضغوط تزيد بشكل واضح من جانب الولايات المتحدة على الدول التي تربطها علاقات وثيقة بواشنطن؛ حتى تخرج تلك الدول من حالة إمساك العصا من المنتصف وتنحاز بشكل واضح إلى الموقف الغربي، وفي هذا السياق يمكن تفسير حديث إدارة بايدن، خلال الأيام القليلة الماضية، عن انتهاكات حقوق الإنسان في الهند، رغم أن اضطهاد المسلمين هناك مستمر منذ وصول ناريندرا مودي الهندوسي إلى رئاسة الوزارة عام 2014.

روسيا وأوراق الضغط في سوريا وغيرها

لكن الولايات المتحدة ليست القوة العظمى الوحيدة التي تمتلك أوراقاً للضغط على حلفاء تقليديين كإسرائيل وباقي دول الشرق الأوسط أو الهند، فروسيا أيضاً قوة كبيرة ولديها أوراق متعددة للضغط، ربما يكون أقواها النفط والغاز فيما يخص أوروبا، لكن بالنسبة لإسرائيل هناك ورقة سوريا وإيران والقضية الفلسطينية أيضاً.

ومن خلال ذلك، تستغل روسيا المخاوف الإسرائيلية من أنَّ موسكو قد تتراجع عن موافقتها الضمنية على الهجمات الإسرائيلية على أهداف تابعة لإيران وحزب الله في سوريا، وتشدد دعمها لإيران، وتدعم الفلسطينيين الذين يتصادمون مع قوات الأمن الإسرائيلية في القدس.

وتشهد الأراضي المحتلة هذه الأيام توترات تهدد باندلاع حرب مفتوحة بين إسرائيل وحركات المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس، للدفاع عن المسجد الأقصى في وجه الاقتحامات والانتهاكات المتكررة من جانب المستوطنين المتطرفين، وهو ما تدعمه حكومة بينيت ويهدد بتكرار حرب غزة العام الماضي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الرئيس السوري بشار الأسد/رويترز

وفي محاولة للحفاظ على التوازن الدقيق، رفضت إسرائيل المطالب الأوكرانية ببيع أسلحة لها، والوصول إلى تكنولوجيا المراقبة الإسرائيلية، لكن تل أبيب وفرت مساعدات إنسانية للمجتمع الاستخباراتي المشترك، وصوتت لصالح قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة الهجوم الروسي، وأقنعت الإمارات بفعل المثل. وصوتت إسرائيل أيضاً لصالح قرار الجمعية العامة وقف عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

ومع ذلك، جاء تأكيد وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، أنَّ روسيا ارتكبت جرائم حرب بأوكرانيا ليقلب التوازن في موسكو. ورداً على ذلك، اتهمت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، تصريحات لبيد بأنها "محاولة مموهة بشكل سيئ للاستفادة من الوضع في أوكرانيا لصرف انتباه المجتمع الدولي عن أحد أقدم النزاعات التي لم تُحل؛ وهو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي".

وبعد ذلك بوقت قصير، قال سفير روسيا لدى إسرائيل، أناتولي فيكتوروف، لمحطة تلفزيون إسرائيلية، إنَّ إسرائيل وروسيا "ما زالتا صديقتين"، لكن موسكو تتوقع "موقفاً (إسرائيلياً) أكثر توازناً".

وأشار الصحفي الإسرائيلي تسفي باريل إلى أنَّ "ما زالت" هي الكلمة المحورية التي تضع إسرائيل في معضلة معقدة بشأن مسألة أوكرانيا".

إسرائيل في أزمة بشأن روسيا

ولزيادة الضغط، كشف الأدميرال أوليغ جورافليف، نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة في سوريا، أنَّ نظام الدفاع الجوي الروسي Buk M2E الذي تديره سوريا، اعترض مؤخراً صاروخاً موجهاً أطلقته مقاتلة من طراز F-16 إسرائيلية في الأجواء السورية. وشكّل هذا الكشف تحذيراً من أنَّ روسيا قد لا تتسامح بعد الآن مع ضربات إسرائيلية مستقبلية ضد أهداف في سوريا.

وأشارت مصادر عسكرية إسرائيلية إلى أنَّ إسرائيل يمكن أن تكثف هجماتها اعتقاداً منها أنَّ نافذة الفرصة لها في سوريا يمكن أن تُغلَق، في وقت قد تصبح فيه القوات الإيرانية أكثر هيمنة بسوريا مع نقل روسيا قواتها ومرتزقتها إلى أوكرانيا. 

وحذّر الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، هذا الأسبوع، من أنَّ قواته المسلحة لن تسمح لإسرائيل بالراحة إذا اتخذت إجراءات ضد الجمهورية الإسلامية.

وقال رئيسي، خلال عرض عسكري بمناسبة يوم الجيش الوطني: "يجب أن تعلموا أنه إذا حاولتم اتخاذ أي إجراء ضد الأمة الإيرانية… فإنَّ قواتنا المسلحة لن تترككم في سلام"، ملمحاً إلى أنَّ إيران يمكن أن تهاجم العاصمة الإسرائيلية تل أبيب.

رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت خلال لقائه الرئيس الروسي في موسكو. أكتوبر 2021/ رويترز

وفي لقطة مماثلة لتحذير إسرائيل، أدان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هذا الأسبوع، تصعيد إسرائيل للعنف في المسجد الأقصى بالقدس المحتلة، في مكالمة هاتفية مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وأكد بوتين لعباس أنَّ روسيا ستدعم الفلسطينيين في المحافل الدولية.

علاوة على ذلك، طالب بوتين في رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، بنقل السيطرة على كنيسة القديس ألكسندر نيفسكي في القدس إلى روسيا. وكان من المفترض تسليم الكنيسة، الواقعة في البلدة القديمة بالقدس، إلى روسيا في إطار صفقة موقّعة قبل عامين لكسب إطلاق سراح مواطن إسرائيلي أمريكي محتجز في روسيا بتهم تتعلق بالمخدرات.

إنَّ التبريرات الإسرائيلية لمحاولاتها الوقوف في أرضية مشتركة على أساس جهود الوساطة بين بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي آخذة في النفاد مع تلاشي الاحتمالات بوضع نهاية تفاوضية للعملية العسكرية في أي وقت قريب.

ويقر المسؤولون الإسرائيليون بأنه إذا حانت لحظة عدم وجود مفر من تأييد طرف على حساب الآخر، فلن يكون أمام إسرائيل خيار سوى الانسجام مع الولايات المتحدة وأوروبا.

واعترف مسؤول إسرائيلي بأنَّ "الوضع الإسرائيلي أصبح أكثر تعقيداً".

مما لا شك فيه أنَّ الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تراقبان من كثب، كيفية إدارة إسرائيل ما يرقى إلى حقل ألغام جيوسياسي.

ومثل إسرائيل، سعت الدولتان الخليجيتان إلى رسم مسار مستقل، رافضتين مطالب الولايات المتحدة بزيادة إنتاج النفط لخفض الأسعار والتنفيس عن الغضب من السياسات الأمريكية المختلفة.

ومع ذلك، وفي التحليل النهائي، قد تجد دول الخليج أنها، مثل إسرائيل، لديها خيارات أقل مما تراه العين.

تحميل المزيد