تنتابنا موجات الغضب من حين لآخر، وفي حين يجيد بعضنا السيطرة على أعصابه في مثل هذه المواقف، يميل آخرون إلى الانفجار والقيام بأمور قد يندمون عليها في وقت لاحق، لكن لماذا نغضب أساساً وهل يمكن السيطرة على مشاعر الغضب الجامحة؟
لماذا تنتابنا نوبات الغضب؟
في الواقع يعتبر الغضب رد فعل بيولوجياً يشكل جزءاً من استجابة يطلق عليها العلماء اسم "استجابة الكر والفر"، وهي آلية نجاة ساعدت البشر الأوائل على النجاة في مواجهة التهديدات المحيطة بهم. إذ تدفع الجسم إلى الاستجابة في المواقف السيئة، سواءً كانت الاستجابة بالقتال أو الهروب.
وربما لا يواجه الناس اليوم التهديدات نفسها لحياتهم مثل أسلافهم الأوائل، لكن الغضب ما يزال موجوداً لخدمة غرضٍ مهم.
تقول مديرة عيادة الخدمات النفسية بجامعة ميسوري، إيرين إس بوليت: "يحفزنا الغضب على الانخراط في سلوك التغيير إذا صعب علينا الوصول إلى أحد أهدافنا على سبيل المثال، أو في حال تعرض شخصٌ عزيز للتهديد أو الهجوم، أو إذا شعرنا بالإهانة أو بأننا فقدنا سلطتنا. ويمكن للألمَين الجسدي والنفسي أن يثيرا غضبنا بالقدر نفسه".
وحين نغضب؛ يمكن وصف الغضب في بعض الأحيان بأنه شعورٌ ثانوي. أي إنه يصيبنا نتيجةً لشعورٍ آخر، مثل الحسد أو الخوف.
وترى الدكتورة أشلي هيكس، مديرة عيادة العلاج النفسي للأزواج والعائلة في جامعة ولاية أوهايو، أن بإمكاننا التعبير عن المشاعر الثانوية عادةً بطريقةٍ لن تجعلنا نشعر بالضعف أو تكشف مشاعرنا كما يحدث مع المشاعر الأساسية. وتقول أشلي: "ولهذا كثيراً ما نظن أننا نشعر بالغضب بينما نحن نشعر في الواقع بالإساءة، أو الإحراج، أو الخوف، أو الهجر، أو فقدان السيطرة".
ما هي أضرار الغضب؟
صحيحٌ أن الغضب يعتبر من المشاعر المهمة التي تخبرك "بوجود شيءٍ ليس على ما يرام، أو تنبهك إلى فقدان الاتزان، أو الحاجة إلى التغيير" بحسب أشلي.
لكنك تعيش حالةً من التوتر حين يكون جسدك في وضعية الكر أو الفر. وربما يكون ذاك التوتر ضرورياً من فترة إلى أخرى، لكن التوتر المستمر الذي يرافق الغضب قد يضر بصحتك.
إذ أظهرت الأبحاث أن الغضب من عوامل الخطر في أمراض القلب. وحين تشعر بالغضب طوال الوقت؛ تزيد خطورة إصابتك بارتفاع ضغط الدم، والسكتات الدماغية، والقرح، والأمراض المعوية. كما قد يؤخر الغضب تعافي الجروح، ويزيد خطورة الإصابة بأنواع معينة من السرطان.
ولهذه الأسباب يُنصح بتعلم إدارة وتهدئة غضبك بالطرق الصحية.
مؤشرات الخطر حين ينتابك الغضب
يجب أن تعرف أولاً ما يفعله الغضب في جسدك حتى تتمكن من تقييمه، وفقاً لأشلي. حيث قالت لموقع WebMD الأمريكي: "نعتقد عادةً أن الغضب أمرٌ سيئ يجب تجاهله أو تجنبه بالكامل، ولهذا نبدأ في تجاهل أعراضه".
لهذا في المرّة المقبلة التي تشعر خلالها بالغضب؛ يجب أن تتوقف وتحاول تسجيل ما تشعر به في جسمك؛ لمساعدتك على زيادة وعيك. هل تتسارع نبضاتك؟ هل تشد فكيك؟ هل تبكي؟
وتشمل العلامات الأخرى التي تُشير إلى اقترابك من الانفجار: الشعور بالحرارة، أو احمرار الوجه، أو خفقان القلب، أو ارتفاع نبرة الصوت. وأوضحت إيرين: "تعتبر هذه العلامات مؤشراً على أننا عرضةٌ للتصرف بناءً على غضبنا بطرقٍ أقل حكمة".
وأردفت أن أخطر مؤشرات الخطر على الإطلاق هي أن تكون مشاعرك المحتدمة قد دفعت بك من قبل إلى التصرف بسلوكٍ ندمت عليه في الماضي. وربما تتفوّه هنا بكلمات غير منصفة وجارحة للشخص الذي أغضبك. وربما تنفجر في نوبةٍ غضبٍ تؤدي لحالةٍ من الصمت بينكما على مدار أيام.
ولكن كيف يمكنك الخروج عن مسار التصادم هذا قبل الانفجار أو المواجهة، وكيف تسيطر على نفسك قبل فوات الأوان؟
تيقّظ حين ينتابك الغضب
لا عجب في أن من الصعب النظر إلى الأمور بوضوحٍ وأنت غاضب. ولكن يجب عليك أن تتعلم هذا الأمر تحديداً إذا أردت التعبير عن عواطفك بطرقٍ صحية وغير مؤذية.
ولا شك في أن ممارسة التأمل بأوقات الهدوء يمكن أن تساعدك في تكوين المهارات التي تحتاجها لتصبح متيقظاً في أثناء غضبك. والتأمل هو القدرة على الحضور بشكلٍ كامل في اللحظة الحالية، والوعي بما تفكر فيه وتشعر به وصولاً إلى أكثر الأحاسيس دقة، ودون أن يجبرك الموقف على الإتيان بردِّ فعلٍ مبالَغ عليه.
ويمكن لتعلُّم اليقظة في المواقف العادية، مثل تناول الطعام وتفريش الأسنان، أن يساعدك في استدعاء تلك المهارات خلال اللحظات الساخنة.
كما أن فوائد التأمل بأوقات نوبات الغضب متعددة.
حيث أوضحت إيرين: "يمكن أن يساعدك ذلك على تنظيم مشاعرك، وإبطاء اللحظة الجارية؛ حتى لا تتفاعل بسلوكياتٍ غاضبة".
إذ إن التريث والتأني في وقت الغضب يمكن أن يمنحاك القدرة على التفكير في الخطوة المناسبة التالية. وكل ما عليك فعله أحياناً هو السير بعيداً. وفي حالةٍ أخرى، يجب أن تخبر الشخص الآخر بأنك غاضب، وبالسبب الذي دفعك إلى الغضب، حيث إن ن التريث لبرهةٍ سيسمح لك بأن تنقل مشاعرك بهدوءٍ أكبر، مما يساعدك في الحصول على رد فعلٍ أفضل من الشخص الآخر.
تقصى الحقائق أولاً
قبل أن تغضب وتأتي بردِّ فعل؛ توصيك إيرين بأن تسأل نفسك عن افتراضاتك المرتبطة بالواقعة وتقارنها بالحقائق التي تعرفها فعلياً.
إذ قد تفترض مثلاً أن شخصاً ما تجاوزك في إشارة المرور لمجرد كونه أخرق طائشاً. ولكنك لا تمتلك في الواقع ما يكفي من الحقائق عن هذا السائق على الأرجح. إذ ربما يكون في طريقه إلى غرفة الطوارئ أو يمر بيومٍ سيئ جعله لا يكترث بآداب القيادة.
كما يمكنك أن تراجع الحقائق المرتبطة بك في تلك اللحظة. واسأل نفسك مثلاً عما إذا كانت مشاعرك أكيدة أم أن الإرهاق أو التوتر هو الذي دفعك إلى الاستجابة بغضب.
وتوضح إيرين قائلةً: "يقل ميلك إلى الاستجابة بتهور حين تبدأ التفكير بجدية في ما تعرفه وما لا تعرفه عن الموقف".