شهدت الساحة العالمية في الأشهر القليلة الماضية نوعاً من الاهتمام والتعاطي الكبير لقضية الهجوم الروسي على أوكرانيا التي انتقلت من لغة التهديد إلى الاجتياح العسكري صبيحة 24 فبراير/شباط الفارط إلى غاية كتابة هذه الأسطر، فتحركت كل الدول للتنديد بهذا التصرف الذي يخرج عن المبادئ العامة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان التي ينادي بها في الرقعة الجغرافية لأوروبا وفقط، بعيداً تماماً عن بعض قضايا الأمم الشرقية الضاربة بجذورها في تاريخ الحضارات، فبعد العجز الذي طال أقوى الأجهزة الدولية الرسمية في تطبيق عقوباتها للاتفاق على إبعاد– بل إزاحة– المعسكر الشيوعي السابق عن التموقع الجيواستراتيجي داخل أوروبا، لتتبعه العقوبات المتواصلة التي ينادي بها رؤساء تلك الدول، بداية من الحصارات الاقتصادية، إلى غاية التضييق التكنولوجي على المجتمع الروسي في إطار حجب السوشيال ميديا عن الدولة الأوراسية الجديدة شعباً وحكومة.
كل هذه الضجة العالمية للمناداة بالإنسانية وحقوق الشعوب الضعيفة في العيش بسلام– المجتمعات الأوربية طبعاً– تزامنت مع مشاهد وسائل الإعلام الثقيلة الغربية والعربية، التي جعلت برامجها وأخبارها محصورة في الإقليم الأوكراني، بعيداً عن رصد وبث كل أحداث أخرى لقضايا عادلة تجاوزت مدتها القرن، قد تكون ربما تلك التغطيات الإعلامية رسائل ضمنية وصريحة لمقارنتها مع نظيرتها من الأزمات الأوروبية، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقط، لتظهر معها أجندات إعلامية واضحة تساهم في تكوين وتوجيه الرأي العام، خرجت في بعض الأحيان عن الأطر المهنية والأخلاقية، فمثلا صرّح تشارلي داغاتا المراسل الأجنبي لمكتب لندن التابع لشبكة "سي بي إس"، في بث على الهواء مباشرة من كييف بقوله صراحة: "هذا ليس مكاناً، مع كل الاحترام الواجب، مثل العراق أو أفغانستان، حيث يدور صراع محتدم منذ عقود… كما تعلمون هذه مدينة حضارية نسبياً وأوروبية نسبياً"، وهنا تتضح الصورة الحقيقية لموضوعية وسائل الإعلام الجماهيرية في التغطيات الصحفية لمختلف الأحداث العالمية.
وهذا طبعاً ما يذكّرنا بكل أنواع الظلم والقهر الذي يتعرّض له الشعب الفلسطيني من قبل الكيان الصهيوني منذ تنازل بريطانيا سنة 1948، هذا إن لم نقل منذ وعد بلفور المشؤوم سنة 1917، إلى غاية اليوم وما تشهده مناطق غزة وجنين وكل الأراضي الفلسطينية من مختلف أنواع التعذيب، الترحيل القهري من الأراضي والمباني، وأشكال الحصار الاقتصادي والاجتماعي بغية القضاء على تواجد أصحاب الأرض الحقيقيين، دون نسيان الاقتحام الأخير لقوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر الجمعة 15 من شهر نيسان الجاري، للمسجد الأقصى، والاعتداء بالرّصاص المطاطي على المصلين، لتتراءى بوضوح ازدواجية التعامل مع القضيتين بين تجليّات الديمقراطية الزائفة ومعالم الإنسانية المصطنعة في معالجة القضايا الدولية، لاسيما إذا تعلق الأمر بتهديد المصالح الغربية التي تصل في أغلبها إلى وصف الرئيس الروسي بمجرم الحرب من طرف الرئيس الأمريكي، وتحميله مسؤولية جرائم الحرب من طرف رئيس وزراء بريطانيا، لكن عندما يتعلق الأمر بفلسطين، تصبح القضية داخلية ومن اختصاص الاحتلال الصهيوني سياسياً ودولياً، وتصبح الأنظمة العربية شريكة بالصمت تارة وبالزيارات الحميمية لقادة الكيان الصهيوني، ولا تسمح القوانين والأعراف الدولية بمزج أمور الحرب بمجالات الأنشطة الاجتماعية والثقافية، وحتى الرياضية منها، لأن الإنسانية وجه لعملات المصلحة والانتماء.
ومع هذا، فإن القضية الفلسطينية -وبالرغم من كل التّكالبات الدّولية والعربية عليها التي ترعاها إسرائيل خدمة لتثبيت تواجدها- فهي قضية عادلة تمشي في العروق ممشى الدم، ومسيرة النصر ستستمر حتى يرفرف العلم الفلسطيني في القدس وفي كل فلسطين، لأن أساليب خلق حالات من الردع والرعب التي تبثها قوات الاحتلال، لن تُخضع الشعب الفلسطيني الأبيّ.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.