الهجمات الليلية الأوكرانية تحولت إلى إحدى مشكلات القوات الروسية في الحرب الأوكرانية، وهي هجمات يفترض أن جيش دول عظمى كروسيا يجب أن يكون قادراً على التعامل معه.
فقد تكرَّر وقوع القوات الروسية في أوكرانيا ضحيةَ غاراتٍ تنال من جنودها في الليل، حسبما ورد في تقرير لمجلة The Economist البريطانية.
الهجمات الليلية الأوكرانية تتم عبر الطائرات المسيرة
ونسبت مصادر عديدة الهجمات الليلية الأوكرانية إلى مجموعة قتالية أوكرانية تُدعى "آيروروزفيدكا" Aerorozvidka، وهي وحدة عسكرية من مشغلي الطائرات المسيرة الصغيرة في الجيش الأوكراني تحمل الشعار اللاتيني Non dormies، أي "لا نوم لكم"، وتشن هذه المجموعة غاراتها على القوات الروسية تحت جنح الظلام.
تعتمد الطائرات المسيرة الأوكرانية على أجهزة تصوير حرارية قادرة على تعيين موقع المركبات الروسية من إشاراتها الحرارية -إذ غالباً ما يُبقي الجنود على محركات المركبات قيد التشغيل بحثاً عن التدفئة في البرودة الشديدة.
وبعد عملية الرصد يتم قصف المركبات الروسية بقنابل يدوية مضادة للدبابات من مخزون الحقبة السوفييتية.
وتشير عدة مقاطع فيديو لهذه الهجمات الليلية الأوكرانية إلى أن الروس كانوا عاجزين عن اكتشافها والتصدي لها، وذلك مع أن الجيوش الحديثة تستخدم تقنيات الرؤية الليلية منذ أمد طويل، لماذا إذن يستعصى على قوات الغزو الروسية رؤية القوات الأوكرانية في الظلام؟
أجهزة الرؤية الليلية نوعان
استُخدمت أنظمة الرؤية الليلية العسكرية أول مرة في الحرب العالمية الثانية، واعتمدت وقتها على كشَّافات الأشعة تحت الحمراء التي لا يمكن كشفها إلا بأجهزة رصد خاصة. وأمكن الاعتماد على هذه الأنظمة ما لم يكن لدى العدو أيضاً أجهزة استشعار تعمل بالأشعة تحت الحمراء، إذ يسهل وقتها رصد المستخدِم واستهدافه. وتمتلك الجيوش الحديثة نوعين من معدات الرؤية الليلية لتجنب الرصد والتحرك بحرية في الظلام.
تعتمد أجهزة التصوير الحرارية، المماثلة لتلك التي تستخدمها مجموعة الاستطلاع الجوي الأوكرانية آيروروزفيدكا، على استشعار الأشعة تحت الحمراء المنبعثة من الأجسام الدافئة، ثم تعرضها في ألوان واضحة. ويستخدم آخرون جهازاً يسمى "المضخِّم الضوئي" لتحويل الضوء إلى إشارات كهربائية، ما يؤدي إلى تضخيم الضوء القليل المتاح، وتحويل نطاق الرؤية من حولك إلى اللون الأخضر المتوهج.
الأمريكيون ينسبون لها النصر في الحرب ضد العراق عام 1991
تجلَّت أفضلية الرؤية الليلية في حرب "عاصفة الصحراء" الأمريكية على العراق عام 1991، وتفاخرت القوات الأمريكية وقتها بـ"هيمنتها في الليل" وقدرتها على مناورة الجيش العراقي الذي كانت تنقصه مثل هذه المعدات الحديثة، والتفوق عليه في القتال. وأخبر جون ليمان، السكرتير السابق للبحرية الأمريكية، لاحقاً أن قدرة القوات الأمريكية على العمل في الليل "عندما تكون جميع دفاعات الجيوش الأخرى عند 10 % من قدراتها أثناء النهار" هي التي منحت الجيش الأمريكية الأفضلية والتفوق.
يقول صامويل كراني إيفانز، من معهد رويال يونايتد البريطاني لدراسات الأمن والدفاع، إن معظم الجيوش توفر أدوات الرؤية الليلية في معدات القتال الشخصية للأفراد، مثل النظارات الواقية ومناظير الأسلحة للرؤية البعيدة والأدوات الملحقة بالدبابات. على الجهة الأخرى، فإنه لا يُعرف بالضبط عدد المركبات العسكرية الروسية المزودة بتقنيات الرؤية الليلية، وإن كانت الدبابات الروسية الحديثة مزودة بأجهزة تصوير حرارية استوردتها روسيا من شركة "تاليس" الفرنسية.
ولكن روسيا لا تزود سوى قواتها الخاصة بأجهزة الرؤية الليلية
ومع ذلك، فإن روسيا، على خلاف الجيوش الغربية، لا توفر بانتظام معدات الرؤية الليلية لقوات مشاتها. ويقول كراني إيفانز، من معهد رويال يونايتد، إن القوات الروسية لا تمنح هذه المعدات إلا لقلة مختارة من قواتها الخاصة ووحدات الاستطلاع. وهذا ما تؤكده صور الجنود الروس الأسرى، فحتى الآن كانت وحدات سبيتسناز (القوات الخاصة) هي الوحيدة المزودة بمعدات القتال الليلي. وقد يرجع ذلك إلى ارتفاع ثمن هذه المعدات وحساسيتها، ومن ثم لا يثق الروس باستوداعها لدى الجنود عديمي الخبرة أو المجندين، لا سيما أن القطعة الواحدة من هذه المعدات المتطورة قد تكلف عشرات الآلاف من الدولارات.
بينما الغرب بدأ يقدمها لأوكرانيا بكثافة منذ عام 2014
عندما قاتلت القوات الأوكرانية الانفصاليين المدعومين من روسيا عام 2014، تعثرت بافتقارها إلى معدات الرؤية الليلية. ومنذ ذلك الحين، بدأت في جمع هذه المعدات وتخزينها. وقدمت إليهم الولايات دفعة من 2500 طاقم معدات عسكرية للأفراد في عام 2018، كما تبرعت دول أخرى لهم بأجهزة الرؤية الليلة. ووعدت بريطانيا في 9 أبريل/نيسان بإرسال المزيد من معدات الرؤية الليلية إلى أوكرانيا. وقدمت مؤسسة Come Back Alive، المعنية بجمع التبرعات للجيش الأوكراني، أكثر من 1000 جهاز تصوير حراري لأوكرانيا منذ عام 2014.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن تعديل أنظمة خاصة بأسلحة أخرى لاستخدامها في الرؤية خلال الليل. فعلى سبيل المثال، تتضمن وحدة إطلاق صاروخ غافلين الأمريكي المحمول مصوِّراً حرارياً يمكنه تكبير الأهداف تسعة أضعاف حجمها، ومن ثم فإنها تظل مفيدة للمراقبة الليلية، حتى وإن استهلكت صواريخها، وأوكرانيا تمتلك منظومات غافلين بأعداد كبيرة.
الروس يقاتلون بالطريقة التقليدية
وعلى الرغم من أن إنفاق الجيش الروسي على قواته يفوق ما ينفقه الجيش الأوكراني بكثير، إلا أنه لا يملك المال لتزويد كل جندي لديه بأحدث المعدات. ولفت مسؤول غربي في اليوم الثاني من الحرب على أوكرانيا إلى أن "القوات البرية الروسية تفتقر إلى المعدات اللازمة للقتال ليلاً، ولم تشارك القوات الروسية في عمليات كثيرة من هذا النوع في المدة الأخيرة".
وأضاف المسؤول الغربي أن بعض القادة الروس ما زالوا يقاتلون بالطرق التقليدية القديمة، فيستعينون على إضاءة ساحة القتال بالقنابل المضيئة وقذائف الإضاءة، ومن ثم ما أن يعود الظلام حتى يعاود الخصوم قنصَ الجنود الروس من حيث لا يرونهم.