أيام قليلة وتنتهي تجاذبات الانتخابات الرئاسية الفرنسية للمنافسة على الظفر بكرسي قصر الإليزيه، باعتبار أن الدور الأول، الذي أُجري يوم 10 أبريل/نيسان الماضي، أسفر عن نتائج متقاربة بين إيمانويل ماكرون بنسبة 27.8%، ومارين لوبان بنسبة 23.1%، وجون لوك ميلنشون بنسبة 22%.
إلا أن التأهل للدور الثاني كان حليف مترشح حزب الجمهورية إلى الأمام، في مواجهة زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، بعد احتلالها المركز الثاني بفارق ضئيل عن مترشح أقصى اليسار ميلنشون، لتبقى ساحة الحملة الانتخابية مفتوحة على كل الاحتمالات الممكنة، خصوصاً بعد التوجهات الواضحة التي أبداها باقي المنافسين السابقين الذين لم يسعفهم الحظ السياسي لاستكمال المشوار، من خلال إعلان تأييدهم ودعمهم لطرف على حساب الآخر، حيث دعا مرشحو حزب "الجمهوريون" اليميني، وحزب الخضر، والحزب الشيوعي، والحزب الاشتراكي للتصويت لإيمانويل ماكرون.
من جانبه قال مرشح فرنسا الأبية، جان لوك ميلنشون، لا تعطوا صوتاً واحداً لمارين لوبان. فيما ناشد إيريك زمور، مرشح حزب "الاسترداد"، ناخبيه بالتصويت للوبان، لكن حرب الحسابات لن تكون دقيقة إذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار عاملي الحرية الشخصية للناخب في اختيار المرشح الأنسب من جهة، ومن جهة أخرى حصيلة الأرقام التي أصدرتها وزارة الداخلية عقب انتهاء الجولة الأولى، بتسجيل تراجع في نسبة المشاركة قدره 4.4 نقطة مقارنة بانتخابات سنة 2017، التي بلغت النسبة فيها 69.42%، في حين أن انتخابات عام 2012 بلغت نحو 70.59%، وهو الأمر الذي سيخلط الحسابات إذا ما شاركت الفئة الممتنعة، طالما أنها ستكون عاملاً مهماً في تحديد مسار النتائج النهائية.
وسيكون يوم الأحد، 24 أبريل/نيسان، يوماً حاسماً أمام الهيئة الناخبة الفرنسية لاختيار الشخصية الأنسب نحو قيادة فرنسا، بين تمديد ولاية جديدة لماكرون أو الدخول في سياسة واستراتيجية مغايرة لم يعهدها الفرنسيون في الفترة السابقة، وكل ذلك في ظل الخطط التي انتهجها المترشحان في هذه المرحلة، بالاعتماد على قوة وسائل الإعلام -كسلطة رابعة- في تشكيل الرأي العام ومحاولة التأثير واستقطاب أكبر عدد ممكن من مساندي منافسيهم السابقين، إذ يشارك الطرفان هذه الأيام في مقابلات مختلفة، خَصّص على إثرها ماكرون وقتاً أكبر لحملة الجولة الثانية، بعكس الجولة الأولى، حين اكتفى بتجمع انتخابي وحيد مع زيارات قليلة على الأرض، فيما تحاول لوبان التركيز على زيارة بلدات صغيرة في فرنسا، وعلى مسألة القدرة الشرائية، مع تصريحاتها التي تنادي بحظر الحجاب في فرنسا كحجج لنبذ الأيديولوجيا -حسب اعتقادها- مع الأخذ في الحسبان سقطتها الإعلامية وتعرّضها للسخرية عبر وسائل الإعلام الجماهيرية ومواقع السوشيال ميديا، بسبب تصريح اعتبرت فيه أن الزعيم التونسي الراحل الحبيب بورقيبة منع الحجاب في الجزائر، خلال لقائها مع قناة "فرانس أنتر"، حيث قالت محاورتها إن فرنسا ستصبح أول بلد يمنع الحجاب في الأماكن العامة، في حال تم إقرار مشروع لوبان، ليكون رد مارين بأن "بورقيبة (الرئيس التونسي الراحل) منع الحجاب في الجزائر"، دون أن تصحح لها المحاورة أن بورقيبة لم يكن رئيساً للجزائر، وبهذا سيشكّل هذا النوع من العثرات السياسية سبباً في خسارة عدد مهم من أصوات الهيئة الناخبة، في ظل حساسية المرحلة الحالية من الحملة الانتخابية.
وبالعودة إلى استطلاعات الرأي العام، التي ترجّح الكفّة لزعيم حزب "الجمهورية إلى الأمام"، على غرار الاستطلاع الذي قدّمه معهد إيبسوس ومؤسسة سوبرا ستيريا لصالح قناة "فرانس إنفو" وصحيفة "لو باريزيان"، يوم الجمعة 15 أبريل/نيسان الجاري، والذي أفاد بأنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيُلحق الهزيمة بمرشحة حزب التجمع اليمينية المتطرفة مارين لوبان، بحصوله على 56% مقابل 44% في جولة الإعادة بانتخابات الرئاسة الفرنسية، إضافة إلى حملات الدعم التي يوجهها رجال السياسة ورؤساء فرنسا السابقون، على غرار فرانسوا هولاند وساركوزي، بالموازاة مع تجربته السابقة على رأس الإليزيه، والظروف الراهنة التي تمرّ بها القارّة الأوروبية، في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، فإنّ الكفّة ستميل إلى تمديد عهدة رئاسية لمدة خمس سنوات أخرى لصالح إيمانويل ماكرون.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.