قالت البحرية الأمريكية، الأربعاء 13 أبريل/نيسان 2022، إنها بصدد تشكيل قوة بحرية جديدة متعددة الجنسيات، ستتصدى لتهريب الأسلحة في المياه المحيطة باليمن، في أحدث رد عسكري أمريكي على هجمات الحوثيين على السعودية والإمارات، حيث تقول تقارير إن واشنطن تسعى إلى كسب ود حلفائها من دول الخليج، في ظل توتر العلاقات التي وصلت ذروتها مؤخراً، بعد أزمة النفط الأخيرة، التي تسببت بها الحرب الروسية في أوكرانيا، ورفض الخليج الانخراط في إدانة روسيا كما فعلت العديد من الدول التي سارت وراء واشنطن. فما هي هذه القوة البحرية وما مهامها؟ وهل تنجح الولايات المتحدة من خلالها في طمأنة السعودية والإمارات من الأخطار التي تهددهما؟
ما هي القوة البحرية الأمريكية الجديدة وما مهمتها في المنطقة؟
يقول نائب الأميرال براد كوبر، قائد الأسطول الأمريكي الخامس، إن القوة الجديدة في منطقة الشرق الأوسط ستعمل اعتباراً من يوم الأحد، 17 أبريل/نيسان 2022، على ضمان وجود قوة وموقف ردع في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.
وأضاف كوبر في تصريح للصحافة نقلته رويترز، أن "هذه مياه مهمة من الناحية الاستراتيجية تستدعي اهتمامنا"، حيث تعتبر المياه القريبة من اليمن ممراً رئيسياً للتجارة العالمية، بما في ذلك إمدادات النفط، وقد تم استهداف سفن في الماضي من قبل الحوثيين، وكذلك قوى أخرى.
ومنذ أكثر من عقد من الزمان ساعدت زيادة الدوريات البحرية في الحد من هجمات القراصنة على السفن التجارية، التي تبحر في المياه القريبة.
ورداً على سؤال حول الغارات الجوية من اليمن على شريكتي الولايات المتحدة، السعودية والإمارات، قال كوبر إن القوة الجديدة "ستؤثر على قدرة الحوثيين على الحصول على الأسلحة اللازمة لمثل هذه الهجمات"، وأضاف "سنكون قادرين على القيام بذلك بشكل حيوي ومباشر أكثر مما نفعله اليوم".
من جهته، تحدث مسؤول أمريكي لرويترز، بشرط عدم الكشف عن هويته، عن أن المياه بين الصومال وجيبوتي واليمن كانت "ممرات تهريب معروفة للأسلحة المتجهة إلى الحوثيين"، وأضاف المسؤول: "القوة الدولية الجديدة ستتابع بالتأكيد هذه القضية". ولطالما اتُّهمت إيران بتهريب أسلحة إلى الحوثيين من قبل دول الخليج وعلى رأسها السعودية، وهي تهمة تنفيها طهران.
وبحسب ما نقلت رويترز، ستتألف القوة البحرية الجديدة في المنطقة مما يتراوح بين سفينتين وثماني سفن، وهي جزء من القوات البحرية المشتركة المكونة من 34 دولة، والتي يقودها كوبر أيضاً، ولديها ثلاث فرق عمل أخرى في مياه قريبة تستهدف أنشطة التهريب والقرصنة.
فيما يأتي إطلاق القوة الجديدة وسط هدنة لمدة شهرين في حرب اليمن المستمرة منذ ما يقرب من سبع سنوات، والتي أودت بحياة عشرات الآلاف من الأشخاص وشردت ملايين آخرين.
هل تنجح إدارة بايدن في كسب ود حلفائها في الخليج بعد هذه الخطوة؟
يبدو أن الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن التي حظيت بعلاقة متوترة مع الحلفاء في الخليج منذ صعودها، تسعى من خلال إنشاء هذه القوة البحرية إلى طمأنة المملكة العربية السعودية والإمارات، اللتين تعتبران أن التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة يتضاءل ويتراجع، من خلال تقديم دعم عسكري إضافي في الأشهر القليلة الماضية، بعد هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على البلدين، كما تقول وكالة رويترز.
وقدمت الولايات المتحدة دعماً إضافياً في الدفاع الجوي للسعودية والإمارات هذا العام، في أعقاب هجمات الحوثيين، لكن مصادر دبلوماسية قالت إن دول الخليج ما زالت مقتنعة بأن التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة يتراجع.
ويقول تقرير نشر مؤخراً لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، إن العلاقات الأمريكية مع حلفائها في المنطقة، وصلت إلى مستويات سيئة، وأخذت صداقات واشنطن في الشرق الأوسط تحتضر، إذ لم يستجب السعوديون والإماراتيون لمطالبات إدارة بايدن بضخ المزيد من النفط، بالتزامن مع ارتفاع الأسعار العالمية، نتيجة هجوم روسيا على أوكرانيا، في 24 فبراير/شباط الماضي.
وبعد فترةٍ وجيزة من الهجوم، امتنعت الحكومة الإماراتية عن التصويت على مشروع قرار لإدانة الهجوم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وبينما كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يسعى لتوحيد العالم ضد روسيا؛ سنجد أنّ السعودية والإمارات لم تدعما العقوبات المفروضة ضد روسيا، شريكتهم في منظمة أوبك بلس.
وفي منتصف مارس/آذار الماضي، استضاف الإماراتيون رئيس النظام السوري بشار الأسد بدبي. ومن الصعب تخيل الرسالة التي أراد ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد أن يبعث بها، حين استقبل شخصاً مسؤولاً عن جرائم واسعة النطاق ضد الإنسانية، لكن من الواضح أن الاستضافة تعكس اختلاف المواقف بينهم وبين الولايات المتحدة.
ويُمكن القول إن المشكلات كانت تتراكم ببطء في علاقة الولايات المتحدة مع السعوديين، لكن مزيجاً من العوامل الإقليمية والدولية والسياسية التي تضافرت معاً في الأشهر الأخيرة كان السبب وراء التدهور العلني الواضح في العلاقات. تقول المجلة الأمريكية: "هل تذكرون آخر مرة رفض خلالها زعيمٌ شرق أوسطي الرد على مكالمةٍ هاتفية من رئيس الولايات المتحدة؟ لقد أصبحت لدينا الآن واقعتان حديثتان".
وبحسب محللين أمريكيين، لا يبدو أن لدى السعوديين والإماراتيين أدنى ثقة في الإعلانات الأمريكية حول التزام واشنطن بحمايتهم من الأخطار التي تهددهم، حيث تستشهد مجلة فورين بوليسي الأمريكية بالقصف الإيراني لمنشآت نفطية سعودية في بقيق وخريص، في سبتمبر/أيلول 2019، حيث اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حينها عدم الرد على تلك الهجمات، ما قوّض أربع عقود من السياسة الأمريكية، التي كانت تستهدف الدفاع عن الحقول النفطية في الخليج ضد التهديدات المنبعثة من داخل وخارج المنطقة.
الغضب السعودي- الإماراتي من واشنطن دفعهما لتغيير البوصلة نحو الصين وروسيا
لا تُبدي كل من السعودية والإمارات ارتياحاً من تراجع الولايات المتحدة في الالتزام بأمن دول الخليج، وانسحابها التدريجي من المنطقة، خاصة مع تسلّم الرئيس الديمقراطي جو بايدن الرئاسة في واشنطن مطلع 2021.
وتجلى هذا التراجع الأمريكي عبر عدة مواقف على غرار رفع اسم جماعة الحوثي في اليمن من قائمة الإرهاب، وإلغاء بايدن، أو تعليقه صفقات سلاح وقّعها سابقه دونالد ترامب، مع كل من السعودية والإمارات، وعدم دعمه لهما في حرب اليمن، وسعيه للتوقيع على اتفاق جديد مع إيران بشأن برنامجها النووي.
وعادة ما كانت الرياض وأبوظبي تلتزمان الصمت بشأن خلافاتهما مع واشنطن، إلا أن سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة كسر هذا الصمت، عندما صرح في 3 مارس/آذار قائلاً: "مثل أي علاقة. فيها أيام قوية، العلاقة فيها صحية جداً. وأيام العلاقة فيها موضع تساؤل. واليوم نحن نمر باختبار تحمل، لكني أثق أننا سنجتازه ونصل إلى وضع أفضل".
و"اختبار تحمل" يدفع السعودية والإمارات لشد حبل العلاقات مع الولايات المتحدة حتى ترخيه الأخيرة، وتقدم تنازلات، خاصة مع تعلق بإعادة تأكيد التزامها بأمن الخليج، بما فيه دعم "حليفتاها" في حرب اليمن، وتحرير صفقات السلاح الضخمة التي تم التوقيع عليها في عهد ترامب (2017-2020)، والتوقف عن التلويح بورقة حقوق الإنسان.
وأقدم البلدان الخليجيان على خطوات جدية لتعزيز شراكتهما مع روسيا والصين، في تحدٍّ للولايات المتحدة بشكل غير معتاد، وإن لم يكن الأول من نوعه، إلا أنه مرتبط بشد بايدن الحبل أكثر مما تتحمله الرياض وأبوظبي.
وكان آخر ورقة رفعتها السعودية في وجه الولايات المتحدة، ما كشف عنه تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية في 15 مارس/آذار 2022، والذي تحدث عن إجراء الرياض وبكين مباحثات من أجل تسعير بعض الصادرات النفطية السعودية للصين باليوان، بدل الدولار.
وهذه الخطوة من شأنها إضعاف العملة الأمريكية، خاصة أن تسعير النفط بالدولار يعد إحدى قوى العملة الخضراء في سوق التداولات العالمية.
لكن الصحيفة تحدثت عن "بعض الصادرات النفطية السعودية للصين"، وليس كلها، أي أن الرياض لا تريد قطع كل حبال الود مع واشنطن بقدر ما تضغط عليها من أجل احترام مكانتها الدولية، والاستجابة لمتطلبات شراكتهما "الاستراتيجية".
وتشكل زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، المرتقبة إلى الرياض، رسالة ضغط أخرى إلى واشنطن، التي كلما ابتعدت عن السعودية اقتربت الأخيرة من بكين، ويتجلى ذلك من خلال التعاون العسكري بين البلدين، على غرار "بناء السعودية منشآت لتصنيع الصواريخ الباليستية بمساعدة الصين"، بحسب تقرير شبكة "سي إن إن" الأمريكية.
وإلى جانب السعودية، لجأت الإمارات لشراء أسلحة من الصين، بعد خيبة أملها في إتمام صفقة مقاتلات "إف 35" الأمريكية؛ إذ لم تكتفِ الإمارات بشراء طائرات "وينغ لونغ" المسيرة، بل أعلنت في فبراير/شباط الماضي، أنها ستطلب 12 طائرة هجومية خفيفة من طراز "آل 15" من الصين، مع خيار طلب 36 طائرة أخرى.
ويبدو أن واشنطن لم تترك للسعودية والإمارات من خيار سوى البحث عن تنويع شركائها، وأظهر البلدان في الأشهر الأخيرة أنهما يملكان أوراق ضغط مؤثرة حتى على الداخل الأمريكي، وبإمكانهما اتخاذ مواقف مستقلة عن الولايات المتحدة، التي يتراجع نفوذها في العالم منذ انسحابها الفوضوي من أفغانستان. لكن إلى أي مدى يمكن للرياض وأبوظبي الصمود على مواقفهما "المستقلة" هذه عن واشنطن؟