يقاوم فلسطينيون في مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة، قوات الاحتلال الإسرائيلي بعدة وسائل تبدأ من رشاشات "إم-16″، وتصل إلى الإطارات المشتعلة ومحادثات مشفرة عبر تطبيق "تليغرام" لتبادل الرسائل.
يأتي هذا بعدما كثّفت القوات الإسرائيلية اقتحاماتها لجنين بعد تنفيذ هجمات مسلحة في تل أبيب، تسببت بسقوط قتلى وجرحى في صفوف إسرائيليين.
يغلق الشبان في معقل الفصائل الفلسطينية المسلحة الطرق المؤدية إلى المخيم بإطارات المركبات، بينما يعمل الحراس مثل الشاب خالد على تحويل المراسلات المشفرة عن تحركات القوات الإسرائيلية للمقاتلين المدججين بالأسلحة والمتوارين داخل المخيم.
كذلك، يغلق خالد ورفاقه أزقة المخيم أيضاً بثلاجات قديمة وأكوام من الإطارات التي تنتظر إشعالها عند تقدم مركبات الجيش الإسرائيلي، الذي يحاول اعتقال أقارب رعد حازم منفذ الهجوم في تل أبيب، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
كان حازم قد فتح قبل نحو أسبوع، النار على مرتادي أحد المطاعم وسط شارع ديزنغوف الحيوي في تل أبيب فقتل ثلاثة إسرائيليين وجرح أكثر من عشرة قبل أن تقتله القوات الإسرائيلية بعد مطاردة استمرت لساعات.
لكن المخيم "الفخور بالشاب البطل" ألصق صور حازم على الجدران الإسمنتية، لتنضم إلى ملصقات قديمة لشهداء قضوا منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت في العام 2000.
يحاول سكان جنين عامة والمخيم على وجه التحديد، الدفاع عن أنفسهم كما يقولون بطرقهم الخاصة، ويقول رجل يقوم بدور الحارس في جنين، واستخدم اسماً مستعاراً وهو رائد: "نحن هنا ندافع عن جنين كلها، هناك نوع من الأمان عبر تليغرام، إذا كانت هناك أي مشاكل أو تقدم للجيش فستصلك رسالة عبر تليغرام"، مشيراً إلى أن الجيش الإسرائيلي موجود بالمنطقة.
أما محمد وهو اسم مستعار لناشط ثانٍ، فيقول بينما كان يتجول في محيط المخيم: "نحاول التعرف على المركبات المجهولة والغرباء وننقل هذه المعلومات عبر تليغرام"، ويضيف: "نخاف من المستعربين (…) نخشى أن يشاركوا معلومات مغلوطة إذا ما تم قبولهم في المجموعات".
المستعربون هم وحدة خاصة إسرائيلية سرية خاصة، ويتنكر أفرادها بزي فلسطيني ويتحدثون العربية.
تصعيد في جنين
كانت أجهزة الأمن الإسرائيلية قد طلبت خلال الأيام القليلة الماضية، من والد منفذ هجوم تل أبيب الأخير تسليم نفسه، وهددت بتنفيذ عملية أكبر بالمخيم في حال لم ينفذ ذلك.
كذلك، فتح جنودٌ النار، الأحد 9 أبريل/نيسان 2022، على مركبة همام حازم شقيق منفذ الهجوم والذي كان برفقة والدته وشقيقه الأصغر، لكنهم نجحوا بالفرار، ويقول همام إنها لم تكن "محاولة اعتقال بل تصفية".
منذ ذلك الوقت، اختبأ الأب الذي قالت مصادر فلسطينية إنه ضابط متقاعد في قوات الأمن الفلسطينية وكذلك همام.
يوضح همام أنه يضطر أحياناً للخروج إلى شوارع المخيم الضيقة في سيارته التي أحدثت الطلقات النارية ثقوباً في جسمها، وقد ألصق عليها صور شقيقه رعد.
أضاف همام وهو يشير إلى أحد الثقوب التي أحدثتها الرصاصات الإسرائيلية في مركبته: "إذا قُتلت فأنا شهيد، وإذا بقيت على قيد الحياة فهذا بيد ربنا، لن أشعر بالخوف".
انتشار البندقيات
وسط التأهب لاقتحامات الجيش الإسرائيلي تنتشر الأسلحة مثل بندقية "إم 16" بشكل كبير في المخيم، ويحمل إحداها وهي بندقية مسروقة من إسرائيل، الناطق باسم "كتائب شهداء الأقصى" الجناح العسكري لحركة فتح.
يقول الناطق الملثم بكوفية فلسطينية: "الأوضاع كما ترون، الوضع حالياً في تصاعد بمخيم جنين مع اعتداءات الاحتلال اليومية".
أضاف الناطق متحدثاً عن نشاطهم داخل المخيم: "نؤكد التزامنا داخل المخيم بصد هذا الاحتلال بكل الوسائل والأساليب القتالية"، وقال إن "الوحدات القتالية منتشرة في شوارع وأزقة المخيم، المقاتلون منتشرون على تخوم المخيم وفي محيطه، سلاح المقاومة موجود ولن يندثر".
ضحايا من الاقتحامات الإسرائيلية
وسط هذا المشهد، لا تغادر ذاكرة جنين ما حدث قبل عشرين عاماً، بعد سلسلة من الهجمات ضد إسرائيليين، عندما شن الجيش الإسرائيلي هجوماً كبيراً في جنين قتل خلاله 53 فلسطينياً، أكثر من نصفهم من المدنيين، و23 جندياً إسرائيلياً في قتال عنيف استمر عشرة أيام.
بالنسبة لمدير مسرح الحرية في المخيم أحمد طوباسي، فإنه وبعد عشرين عاماً، "لم يتغير شيء بالنسبة للشبان هنا".
يضيف الفنان البالغ من العمر 37 عاماً، والذي فقد كثيراً من أصدقائه في حصار 2002: "كل الناس وليس فقط الشباب في حالة إحباط"، وهو يرى في تصريحه للوكالة الفرنسية، أن "قدر الأطفال ومستقبلهم واضحان، أنت اليوم كطفل في مخيم جنين تكبر وأنت تعلم أن مستقبلك محصور بثلاثة خيارات: إما شهيد أو أسير أو معاق".