تتصاعد وتيرة التهديدات والتهديدات المتبادلة بين فصائل المقاومة وإسرائيل، مما يطرح سيناريو المواجهة من جديد، في ضوء دعوات "جماعات الهيكل" المتطرفة لبدء الاستعدادات لـ "الاقتحام الكبير" للمسجد الأقصى يوم الجمعة الخامس عشر من رمضان، والذي يصادف في الشريعة التوراتية ذروة عيد الفصح.
وإذا نفذت جماعات الهيكل الأمر بالفعل، فستكون تلك المرة الأولى التي يذبح فيها القرابين في ساحات المسجد الأقصى كجزء من طقوس إلزامية لبدء إعادة بناء الهيكل الثالث المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى، وهو ما استنفر فصائل المقاومة لمنع تلك السابقة في تاريخ الصراع.
ما هي "قرابين عيد الفصح"؟
قرابين الدم (ذبح الخراف) هي المقصد الأسمى من طقوس عيد الفصح، إذ تجهز الخراف في مزرعة محمية ومعقمة وبعيدة عن كل الشوائب، حيث تتم تربيتها في مزرعة خاصة في منطقة غور الأردن قرب أريحا بعيداً عن الضوضاء. ثم يتم ذبحها من قبل الحاخام الأكبر وحرقها ونشر دمها في صحن قبة الصخرة بالمسجد الأقصى.
ومنذ إنشاء دولة إسرائيل قبل ما يزيد عن سبعة عقود، لم يجرؤ أي من الحاخامات ومنتسبي المدارس الدينية في إسرائيل، ممارسة طقوس عيد الفصح داخل ساحات المسجد الأقصى. إلا أن جماعات الهيكل ترى أن هنالك تغييراً جذرياً في مواقف الحاخامية العليا ووزارة الأديان بخصوص بناء الهيكل هذا العام، نظراً للظروف الداخلية والدولية والإقليمية التي قد تساعد على مثل هذه الخطوة.
وبدأت الاستعدادات لهذا الحدث، إذ قامت جماعات الهيكل بنصب خيمتين في ساحة القصور الأموية جنوب ساحة البراق استعداداً لاحتفالات الجمعة القادمة، كما وضعت جماعات الهيكل على موقعها الإلكتروني خطة بديلة تفادياً لأي مفاجآت قد تعكر احتفالاتهم في هذا اليوم المنتظر منذ عقود وسنوات طويلة لإكمال طقوس عيد الفصح.
ويعتقد اليهود أن تقديم قرابين الدم في عيد الفصح داخل المسجد الأقصى، لن يكون كما قبله، أي أنها إشارة لتنفيذ مخطط هدم مكونات المسجد الأقصى واستباحته بالكامل، وبدء العمل لإقامة المعبد الثالث من الناحية العملية؛ لأن الجماعات الصهيونية ترى أنها أقامته من الناحية الروحية عبر الاقتحامات المستمرة وإقامة الصلوات، وبالتالي فإن الخطوة القادمة هي إقامة الشعائر اليهودية الكبرى.
هذا الحدث الذي لم يجد صدى إعلامياً بعد، لكنه يقابل باهتمام وتركيز أمني إسرائيلي، إذ بدأت قوات الشرطة الإسرائيلية والجيش هذا الأسبوع بفرض قيود على دخول المقدسيين للمسجد الأقصى بأعداد كبيرة، وتحديداً باب العمود الذي يتركز فيه جماعات الهيكل، بهدف خفض مستوى الاحتقان والمواجهات لأدنى حدودها الممكنة.
خطوط حمراء
أمام هذا الحدث المرتقب، تتجهز الفصائل والشارع الفلسطيني لمحاولة منع مثل هذا الحدث الاستفزازي، إذ قال مصدر في الفصائل الفلسطينية في تصريح إعلامي، إن مخطط المستوطنين لذبح القرابين في المسجد الأقصى يعد تجاوزاً للخطوط الحمراء، لأنها تمثل استفزازاً لمشاعر العرب والمسلمين، وبمثابة لعب في النار.
فيما لمَّح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة بخيار المواجهة العسكرية، قائلا: "نحن مقبلون على معركة في شهر رمضان، وعلى العدو أن يفهم أن غزة ليست منفصلة عن الضفة الغربية أو القدس، ولا يمكن له أي يستفرد بأي منطقة دون أن يكون هنالك رد، كما اعتبر أن المقاومة لا يمكن لها أن تغض النظر عما يجري في القدس".
غزة والدخول على خط المواجهة
في مقال للمحلل العسكري عاموس هرئيل بصحيفة هآرتس الثلاثاء 12 أبريل/نيسان 2022، أشار فيه إلى أن سيناريو إقدام فصائل المقاومة في غزة على إطلاق الصواريخ تجاه البلدات الإسرائيلية، هو الخيار الأكثر احتمالاً في حال نفذ المستوطنون تهديدهم بتقديم القرابين في المسجد الأقصى الجمعة القادمة، لأن المقدسيين لا يمكن أن يوقفوا مثل هذا الحدث التاريخي والضخم بمفردهم، على حد تعبيره.
وأضاف أن مثل هذه الخطوة من قِبَل المستوطنين في حال نفذت، ستمثل إحراجاً لحركة حماس أمام جمهورها، التي اعتبرت في معركة مايو/أيار 2021، أن المس بواقع القدس أو محاولة تغييره يستلزم رداً عسكرياً، حتى لو كلف ذلك الدخول في مواجهة مع إسرائيل.
وتابع: كما أن الجهاد الإسلامي يتطلع لهذه المواجهة للانتقام من استشهاد ثلاثة من أفراده في جنين في الليلة الأولى من شهر رمضان، وهو يحاول أن يؤخر الرد لمعرفة إلى أين ستؤول العملية العسكرية التي بدأها الجيش في شمال الضفة الغربية والقدس.
أما أليؤور ليفي من صحيفة يديعوت أحرونوت فقال إن التصعيد الحالي في مناطق التوتر في جنين والقدس هو الأسوأ منذ عقدين، لأن شروع المؤسسة العسكرية بعملية عسكرية واسعة ضد الخلايا العسكرية للمقاومة يعني دخول غزة على خط المواجهة. أما في حال نفذت عمليات محدودة فلن تتمكن من القضاء أو تحييد الخطر في المرحلة القادمة.
قد يبدو خيار المواجهة الشاملة وتكرار سيناريو العام الماضي وارداً وبقوة، إذ تشير الأحداث الأخيرة إلى أن شرارة التوتر انطلقت من الداخل قبل شهر رمضان، ثم تصاعدت وتيرتها لتنتقل إلى الضفة الغربية.
فيما تتجه الأنظار إلى القدس وتحديداً في الجمعة الثانية من رمضان؛ إذ إن المساس بالمسجد الأقصى وتقديم القرابين قد يجبر حماس على الدخول في مواجهة عسكرية مفتوحة مع إسرائيل.
فيما يرى عاموس هرئيل في مقاله أن سياسة الاحتواء التي تنتهجها حماس ومحاولة تغييب غزة عن حرب ثانية خلال عام واحد، قد لا تنجح، فسقوط عدد كبير من الشهداء في الضفة الغربية أو القدس، يعني إلزامية الرد لتخفيف الضغط وتشتيت الجيش الإسرائيلي.
هل تتحمل إسرائيل التكلفة؟
الخبير العسكري يوسف الشرقاوي قال لـ "عربي بوست" إن تدحرج الأوضاع إلى نقطة المواجهة يقف عند أمرين؛ الأول قدرة الحكومة الإسرائيلية على تحمل تكلفة المواجهة مع الفلسطينيين في أكثر من جبهة خلال وقت واحد، فما حدث في العام الماضي من اشتعال الجبهات في الضفة وغزة والقدس والداخل لا يزال يمثل كابوساً للحكومة الإسرائيلية، لذلك هم يحاولون تحييد أكبر قدر ممكن من الجبهات، خشية من سيناريو حرب مايو/أيار 2021.
وأضاف أن الأمر الثاني الذي سيحدد شكل وحجم المواجهة، هو دخول غزة في هذه الحرب من عدمها؛ لأن بقاء التوتر محصوراً في القدس وجنين، يمكن احتواؤه بالنسبة للجيش وفقاً للقراءات العسكرية، ولكن سقوط الصواريخ من غزة وبكثافة على مدن المركز في تل أبيب والقدس، يعني انهيار مفهوم الردع بالنسبة لإسرائيل.