كم نزهة في يلبغا تبتغى
ومدرج لم يخلُ من دارج
فيا له من جامع جامع
فاق على الزوراء في عالج
يموج في بركته ماؤه
تحت منار ليس بالمائج
مئذنة قامت على بابه
تشهد للداخل والخارج
هي أبياتٌ من الشعر لمُفتي المالكية في دمشق أبو الفتح يوسف المالكي الذي عاش خلال فترة الحكم العثماني، قالها في وصف جامع يلبغا الذي اعتبره أحد محاسن مدينة دمشق، فما قصّة هذا الجامع، ومن الذي أمر ببنائه؟
جامع يلبغا الذي بُنى فوق تلّة إعدام المجرمين!
يُعدّ جامع يلبغا من أشهر جوامع دمشق، وهو أحد الجوامع الكبرى التي بُنيت على نسق الجامع الأموي خارج سور المدينة كجامع الحنابلة وجامع التوبة وجامع تنكز.
بدأ إنشاء جامع يلبغا بالعهد المملوكي في شهر رمضان من عام 1347، خارج أسوار مدينة دمشق القديمة، على تلة كانت السلطات تعدم عليها المجرمين تدعى "تلّ المُشنقين" في جوار قلعة دمشق، وهي المنطقة المُقابلة تماماً لساحة المرجة التي تُعرف أيضاً باسم ساحة الشهداء.
وقد سُمى الجامع نسبة إلى الأمير المملوكي الذي كان والياً على دمشق "سيف الدين يلبغا"، الذي أراد من خلال هذا الجامع أن ينافس به مساجد القاهرة، لاسيما أنّ فترة ولاية يلبغا كانت شبه مستقلة عن عاصمة الدولة المملوكية.
اهتم يَلبُغا ببناء الجامع وأمر بهدم الأبنية التي كانت هناك، كما أمر بأخذ الحجارة من أرجاء دمشق ومن خارجها ومن جبل قاسيون، وقد دفع يلبغا من أجل بناء هذا الجامع من ماله الخاص نحو 60 ألف درهم.
ولكن قبل اكتمال بناء الجامع، أمر سلطان مصر المملوكي أمير حاجي، بعزل يلبغا وطلب منه القدوم إلى مصر؛ لتعيينه نائباً عليها.
فأحس يلبغا بأن السلطان يعد له خديعة فرفض نيابة مصر وطلب منه أن يعيّنه في أي منطقة أخرى، ثم هرب يلبغا من جند السلطان عندما حاولوا الإمساك به حتى وصل إلى مدينة حماة؛ لاعتقاده أن أميرها سيحميه، إلا أنه اعتقله هناك هو ووالده سيف الدين طابطا الناصري ومن معهما من الجنود.
ومن ثمّ اقتيد إلى مصر حيث أرسل السلطان من يقتله في الطريق بين قاقُون وغزة، وأُخِذَت رأسهُ إِلَى السّلطان في القاهرة.
وفاة يلبغا تسببت بوقف أعمال بناء الجامع، الذي اكتمل بناؤه لاحقاً بعد نحو 10 سنوات، وقد حضر افتتاحه عدد كبير من الأمراء الذين شاركوا أصلاً في قتل الأمير سيف الدين يلبغا.
مواصفات جامع يلبغا
من يشاهد جامع يلبغا عن قرب سيظن للوهلة الأولى أنه نسخة مصغّرة عن الجامع الأموي، فهو مليء بالمحاريب والنوافذ الملونة والزخارف والشرفات.
كما أنّ له 3 أبواب:
شرقي وهو الباب الرئيسي ويطل على جوزة الحدباء أمام السوق العتيق.
شمالي مغلق تحت المئذنة، وكان يخرج منه إلى الميضأة ويسمى سابقاً (باب الفرج).
غربي يطل على منطقة البحصة.
أحداث شهدها جامع يلبغا
ووفقاً لما ذكره موقع Syria News، فقد شهد جامع يلبغا عبر التاريخ العديد من الأحداث، منها استخدامه مكتباً للصنائع والفنون في عهد الدولة العثمانية، قبل أن يتحول إلى المدرسة السلطانية الثانية في عهد الملك فيصل، وكان يضم مكتبة كبيرة نُقلت محتوياتها إلى المكتبة الظاهرية.
ووفقاً لصحيفة الشرق الأوسط، يقول المؤرخ الدكتور قتيبة الشهابي إن الجامع كان مركزاً للتعليم حوّله القائد المصري إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا عندما استولى على دمشق في يونيو/حزيران 1832، إلى مصنع للبسكويت لإمداد جيشه بهذه المادة.
فيما يذكر المؤرخ الشهير البديري الحلاق أنه وفي منتصف القرن الـ18 قام والي دمشق العثماني، أسعد باشا العظم، بنقل بعض أعمدة جامع يلبغا ليكمل بها بناء قصره الشهير (قصر العظم)، وذلك ضمن أحجار وأعمدة رخامية وبلاط نقلها الوالي "العظم" من أماكن تاريخية ودور دمشقية من أجل بناء قصره.
وفي سبعينيات القرن الماضي، تمّ هدم العديد من أجزائه؛ من أجل إعادة تشييده، حتى تمّ افتتاحه مجدداً أمام المصلين في العام 2014.