حطم فلسطينيون، فجر الأحد 10 أبريل/نيسان 2022، مقتنيات ورخام "مقام" قبر يوسف الموجود شرقي نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة؛ وذلك تنديداً بالانتهاكات الإسرائيلية التي تزايدت مؤخراً.
وشارك عشرات الفلسطينيين في مسيرة انطلقت من وسط مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين شرقي نابلس؛ تنديداً بالاعتداءات الإسرائيلية في مدينة جنين ومخيمها شمالي فلسطين.
ووصلت المسيرة إلى مقام يوسف، في بلدة بلاطة البلد، حيث حطم المشاركون الأبواب ودمروا رخام القبر ومقتنياته، وأشعلوا النار في جزء منه.
بدورها وصلت قوة من الشرطة الفلسطينية إلى موقع الحادث وأخلته من الفلسطينيين المتجمعين هناك.
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي اقتحم، السبت 9 أبريل/نيسان 2022، مخيم جنين؛ ما أدى إلى اندلاع اشتباكات مسلحة مع شبان فلسطينيين أسفرت عن استشهاد أحمد السعدي وإصابة آخرين، وذلك عقب يومين من عملية إطلاق نار نفذها شاب من المخيم، بمدينة تل أبيب وسط إسرائيل، قُتل فيها 3 إسرائيليين.
تعليقاً على حادث اقتحام مقام القبر، صرح وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، بأن "حادث انتهاك حرمة قبر يوسف أمر خطير للغاية، وإسرائيل ستحرص على ترميم المكان، وإعادته إلى سابق عهده على وجه السرعة، واتخاذ كافة التدابير؛ تجنباً لتكرار مثل هذا الحادث".
تصريحات الوزير الإسرائيلي أوردها موقع "واللا" العبري، وأضاف فيها: "نقلت هذا الصباح رسالة حادة إلى السلطة الفلسطينية، المطلوب منها تكثيف وجود قواتها في المكان فوراً، واتخاذ الإجراءات بحق الذين يمسون بالاستقرار والأمن والأماكن المقدسة".
يشار إلى أن ما يسمى "قبر يوسف" موجود في الطرف الشرقي لمدينة نابلس الفلسطينية التي تحكمها السلطة الفلسطينية كذلك، ويعتبر اليهود هذا القبر مقاماً مقدساً منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967.
وحسب المعتقدات اليهودية، فإن عظام النبي يوسف بن يعقوب أُحضرت من مصر ودُفنت في هذا المكان، لكن عدداً من علماء الآثار نفوا صدق الرواية الإسرائيلية، قائلين إن عمر المقام لا يتجاوز بضعة قرون، وإنه مقام (ضريح) لشيخ مسلمٍ اسمه "يوسف دويكات".
قبر يوسف.. القصة الكاملة
يقع قبر يوسف المتاخم لمخيم بلاطة، شرقي نابلس، في منطقة خاضعة للسلطة الفلسطينية، ويبعد عن مركز المدينة مسافة 1 كيلومتر، ورغم أن مدينة نابلس مصنفة إدارياً ضمن المناطق (أ)، التي تخضع للحكم المدني والعسكري للسلطة الفلسطينية، فإن إسرائيل صنفت قبر يوسف باعتباره منطقة (ج)، ما يعني خضوعه للحكم العسكري الإسرائيلي، مع منح السلطة حكماً مدنياً محدوداً في المنطقة.
خضع القبر للسيطرة العسكرية الإسرائيلية إبان حرب عام 1967، التي أدت إلى احتلال الضفة الغربية، ومنذ ذلك الحين أصبح القبر وجهة دائمة للمستوطنين للصلاة فيه وإقامة الطقوس التلمودية. وفي عام 1986 أنشأ الاحتلال مدرسةً يهودية لتدريس التوراة، وفي عام 1990 تحوّل القبر إلى نقطة عسكرية يسيطر عليها الجيش، وصنف في العام ذاته ضمن ما يُعرف بوزارة الأديان الإسرائيلية، كأحد الأوقاف اليهودية.
تبلغ مساحة القبر 600 متر مربع، وهو عبارة عن غرفتين وساحة خارجية، تضم الغرفة الجنوبية وفق الادعاء التوراتي قبر النبي يوسف، يقع القبر على أرض مسطحة، ويرتفع ضريح القبر متراً واحداً، تكسوه قبة مبنية على الطراز الإسلامي، أما الغرفة الشمالية فهي بمثابة استراحة تستخدم كمدرسة دينية، أو لممارسة طقوس يهودية كالصلاة وإقامة النذور وإطعام الزوار.
يكتسب القبر بُعداً دينياً، حيث تدّعي الروايات التوراتية أن رفات النبي يوسف قد نقله النبي موسى من مصر إلى منطقة "شكيم"، وهو لفظ عبراني يُنسب إلى مدينة نابلس، وبذلك بات القبر مرقداً يهودياً للصلاة والحج، يذهب إليه المتدينون اليهود في نهاية كل شهر ميلادي للصلاة فيه والمكوث لمدة يومين، يبدآن من منتصف الليل وحتى طلوع الشمس في اليوم التالي.
تضارب الروايات
المؤرخ عبد الله كلبونة، المدير العام لإدارة المواقع والترميمات في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، قال لـ"عربي بوست"، إنه "لا يوجد ما يثبت صدق الرواية التوراتية حول وجود قبر النبي يوسف في هذه المنطقة، بدليل أن النبي موسى أتى بعد 200 عام على وفاة النبي يوسف، وبقي مكان دفنه في مصر مجهولاً، أما الدليل الآخر فإن القبر أو الضريح مبني وفق الطراز الإسلامي، حيث تكسوه القبة الضحلة، ويرتفع عن سطح الأرض، وهي عادةٌ كانت تستخدمها بعض الطوائف الإسلامية أثناء دفنهم أحد الموتى".
وأضاف أن "البحوث التاريخية التأصيلية تشير إلى أن القبر حديث البناء يعود إلى العصر العثماني، وبالتحديد في العام 1322 هجرياً، الذي يوازيه العام 1904 بالتقويم الميلادي، حيث تم بناء الضريح تخليداً لرجل صالح كان يدعى يوسف دويكات، قدم إلى المنطقة، وكان يُقيم دروساً لتعليم الدين الإسلامي، وبعد وفاته كرّمته الدولة العثمانية بإقامة ضريح باسمه، وبقي المكان مزاراً للمسلمين، ومعبداً لبعض الطوائف الصوفية، التي أقامت طقوساً خاصة كختان المواليد تيمناً بالرجل الصالح".
ترفض إسرائيل تبنّي أو الاعتراف بهذه الرواية، وتُصر على حقيقة أن ادعاءات التوراة تعطيها الحق في ضمّ الضريح ضمن مناطق سيادتها، وهو ما يستفز الفلسطينيين، الذين يُبدون قلقهم من أن تعيد إسرائيل تكرار تجربة السيطرة على الحرم الإبراهيمي، عبر إنشاء بؤر استيطانية في منطقة قبر يوسف، وتفرض تقسيماً زمانياً ومكانياً كما هو الحال في المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي.