لماذا يجب ألا يذهب اللبنانيون للتصويت في الانتخابات؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/04/05 الساعة 12:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/05 الساعة 12:04 بتوقيت غرينتش
البرلمان اللبناني - أكتوبر 2021- (روبترز)

الهدف من "التعليب" لأي منتج هو حفظ المواد، وهذا ما ينطبق تماماً على الانتخابات البرلمانية اللبنانية، حيث إن أي انتخابات تجري يكون هدفها إعادة نتيجة الانتخابات السابقة (تعليب). لذلك لا يجدي نفعاً إضاعة الوقت في تحليل سياسة الطغمة الحاكمة في بلد غابة العشر أرزات أو الأكثر قليلاً، هذه الأرزات التي تنمو في كنفها الصيغة اللبنانية وتترعرع بين أغصانها، حتى قيل إن الشاعر الفرنسي لامارتين زارها، وقيل أيضاً إنه لم يزُرْها، وقيل إنه باركها فسُميّت أرزةٌ استظلَّ تحتها باسمه، وقيل لم يباركها، وفي كلتا الحالتين يبقى لبنان أعجوبة الشرق، التي تمارَس السياسة فيه كما تمارس لعبة الكشتبان، بحيث يودع هذا البلد جيلاً ويستقبل جيلاً آخر ويبقى كل جيل ضحية الخداع نفسه.

فالانتخابات في لبنان مثلاً، أو بالأحرى موسم الديمقراطية المزيفة، لا يتطلب منك مشقة انتظار فرز الأصوات في صناديق الاقتراع حتى تعرف من سيفوز، لأن النتيجة معلّبة سلفاً، وما يبدو من حماسة في معركة الانتخابات ما هو إلا حركات فولكلورية لزر الرماد في عيون المواطنين.

ورغم ذلك فهناك من يشيع أن المعركة الانتخابية الحالية تدور حول امتلاك أغلبية الثلثين في المجلس النيابي، لكن هذا الأمر هو مجرد شائعة، فحاجة أي طرف لأغلبية الثلثين مرتبطة بحالتين عموماً؛ الحالة الأولى: تأمين نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، والحالة الثانية: تعديل الدستور. بالنسبة للحالة الأولى ليس مضموناً توافق شركاء التحالف الواحد على اسم الرئيس، وبالتالي فإن أغلبية الثلثين لا ترتبط بالتحالفات الانتخابية، بل المسألة مرتبطة بالتوافق سلفاً على شخص الرئيس بين كل الأطراف كما جرت العادة، والحالة الثانية هي مسألة تعديل الدستور والمسألة ليست مطروحة حالياً.

من هنا يمكن الجزم بأن المطلوب من الانتخابات القادمة هو إعادة تعويم حكم المحاصصة والفساد، بتجديد البيعة لنفس الطاقم الذي أودى بالبلاد إلى التهلكة.

وما دامت النتيجة معروفة، لماذا يشارك اللبنانيون في الانتخابات؟ السؤال بهذا الشكل يعبر عن حالة ملتبسة، والسؤال الأصح هو: من يشارك من اللبنانيين في الانتخابات؟

يشارك في الانتخابات بشكل أساسي أصناف عدة من الناخبين. الصنف الأول ناخب يشكر ولي نعمته بعد أن حصل على منفعة أو مخصصات له أو لأحد أفراد أسرته، والصنف الثاني هو الناخب الساذج، الذي يذهب للتصويت لمرشح مغرور، يظن أنه يستطيع خرق التركيبة المعلبة، كأنه لا يدري أن قانون الانتخاب مركب بالأساس لصالح أحزاب وأشخاص معروفين سلفاً، والنوع الثالث هو الناخب الصياد، الذي يبيع صوته، وبذلك تكون الانتخابات موسم صيد مربح، وبالتالي فإن المواطن العادي يعيش مهمشاً أو منطوياً على نفسه خلال الانتخابات، كأنها لا تعنيه، ولا حل لهذه المعضلة سوى بسحب الشرعية عن هذا النظام الطائفي، لا المراهنة على تصحيحه.

لكن هل هناك بالفعل قوى ترغب في هذا التغيير؟

من الملاحظ أن خطاب القوى المشاركة في الانتخابات يهمل الحديث عن تطبيق الدستور، الذي ينص على انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، وإنشاء مجلس شيوخ يشكل ضمانة للعيش المشترك بين الطوائف، وهي الخطوة الأولى لمن يريد التغيير فعلاً، لكن هذا الإجماع على تجاهل هذا الأمر يدل على رغبة جميع الأطراف في استمرار نظام المحاصصة، وهذا يعني أن خلافاتهم شكلية وخطاب الكراهية والاتهامات المتبادلة فيما بينهم يقصد منها إخفاء حقيقة اتفاقهم على بقاء الوضع الراهن لما يحمله من فائدة لهم جميعاً.

كذلك الأمر بالنسبة لبعض ثوار تشرين، إذ يبدو واضحاً من خلال حملاتهم الانتخابية أن رغبتهم الحقيقية هي الانخراط في مؤسسات النظام القائم لا تغييرها، وبالتالي يريدون الدخول إلى جنة الحكم وعالم الفساد والفاسدين. وما نشهده من معارك كلامية بين أطراف هذا النظام يرجع بعضه إلى تنفيذ إملاءات رعاتهم الإقليميين، والبعض الآخر يرجع إلى تصفية الحسابات بين أصحاب الأمس وخصوم اليوم.

لذلك لا ينتظر المواطن العاقل المن والسلوى من هذه الانتخابات، وسيان له إن حصلت أو لم تحصل، لأن همه الحقيقي هو البحث عن وسيلة للرحيل عن وطنه، وليس خلاص وطنه، الذي لم يكن يوماً وطناً إلا لزُمر طائفية بغيضة، ترفع شعارات فضفاضة كاذبة، سواء تعلّق الأمر بالتحرير أو بالحياد أو بالوحدة الوطنية. كلها شعارات طنانة تمنح هذه الزمر من خلالها الشرعية لنفسها عبر انتخابات معلبة تنظمها في بلد لم تبقَ فيه حتى الحدود الدنيا لكفاف العيش.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ناصر الحسيني
كاتب صحفي لبناني مقيم في إفريقيا
مواليد 1958 بلبنان، حائز على ماجستير في الهندسة المدنية من جامعة الصداقة في موسكو سنة 1983 ودبلوم دراسات عليا سنة 1990. مهندس استشاري لدى منظمة الأمم المتحدة للتنمية UNDP، عملت في جريدة الديار قبل عام 2000، وكذلك لي كتابات ومساهمات في جريدة النهار وجريدة البلد، مقيم في إفريقيا منذ 2010 بشكل شبه دائم في غينيا الاستوائية وغينيا بيساو.
تحميل المزيد