ما هو موقف الجيش الباكستاني من رئيس الوزراء عمران خان، وهل وافق على قرار رئيس البلاد بحل البرلمان الذي يبدو لصالح خان، حيث إن تاريخ الجيش الباكستاني الطويل من الانقلابات أو الحكم من وراء ستار يجعله اللاعب الرئيسي في الأزمة، وما طبيعة العلاقة بين عمران خان والجيش الباكستاني ولماذا تدهورت بعدما كان يوصف بأنه رجل المؤسسة العسكرية؟!
وينص الدستور الباكستاني على دور رئيس البلاد (الذي هو منصب شرفي لحد كبير) كقائد عام مدني للجيش الباكستاني، ورئيس أركان الجيش الحالي هو الجنرال قمر جاويد باجوا، الذي تم تعيينه في هذا المنصب في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
ونجا رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، الأحد 3 أبريل/نيسان 2022، من تحرك بالبرلمان يهدف للإطاحة به من منصبه، وذلك بعدما رفض نائب رئيس البرلمان اقتراحاً بحجب الثقة عن خان، فيما أصدر رئيس البلاد قراراً بحل البرلمان بناء على توصية خان.
واتّهم خان المعارضة بالتآمر مع "قوى أجنبية" للإطاحة به في إشارة للولايات المتحدة، نظراً إلى أنه لا يتبنى مواقف الغرب حيال قضايا دولية خاصة في الأزمات ضد روسيا والصين.
ولطالما اشتبك القادة المدنيون في باكستان مع الجيش الذي حكم البلاد بشكل مباشر لنحو نصف تاريخها، ولعقود طويلة كان الجيش الباكستاني الحاكم الفعلي للبلاد سواء كان ذلك بشكل صريح أو خفي.
السياسيون المدنيون، بدورهم، إما أنهم كانوا مؤيدين للجيش أو أطاحت بهم المؤسسة العسكرية.
يؤكد السياسيون المعارضون أن الجيش هو الذي منح خان منصبه الحالي. في المقابل، كما يقولون، أدار خان حكومة خاضعة لا مثيل لها للجنرالات، رغم أن هناك مؤشرات على أن العلاقة بدأت تتوتر بشدة بين رئيس الوزراء الحالي عمران خان والجيش الباكستاني.
الجيش أعدم واحداً من أهم قادة البلاد
من أشهر الانقلابات في تاريخ باكستان، عملية اللعب النظيف التي أطاحت برئيس الوزراء الباكستاني الراحل ذو الفقار علي بوتو الرجل الذي أطلق برنامج صنع القنبلة النووية الباكستانية.
في عام 1977، أدانت المحكمة العليا بوتو بتهمة القتل العمد وحكمت عليه بالإعدام. على الرغم من طلبات الرأفة التي أرسلتها العديد من الدول، ولكن تم شنق بوتو في عام 1979.
اتهم الكثيرون الولايات المتحدة بأنه تم فرض الأحكام العرفية بإرادة وموافقة "ضمنية" منها.
نواز شريف خصم الجنرال مشرف الذي أطاح به الجيش بطريقتين مختلفتين
كما أطاح قائد الجيش السابق برفيز مشرف عام 1999 برئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف الذي قضى أطول فترة في رئاسة الحكومة.
وحتى بعد الإطاحة بالجنرال مشرف من الرئاسة وعودة الحكم المدني، فإن الجيش عرقل نواز شريف حينما تولى رئاسة الحكومة، حسبما ورد في تقرير لموقع مجلة The Economist البريطانية.
وفي بعض الأحيان خلال فترة رئاسته للوزراء، كان الجيش متمرداً علنياً ضده، حيث رفض المساعدة في تفريق المتظاهرين الذين كانوا يشلّون العاصمة إسلام آباد.
على سبيل المثال. اختفت شبكة التلفزيون التي دعمت السيد شريف بحماس في ظروف غامضة من موجات الأثير.
ويفترض الباكستانيون على نطاق واسع أن الجيش كان وراء منع نواز شريف من ممارسة السياسة على يد محكمة خاصة لمكافحة الفساد في عام 2018.
العلاقة بين عمران خان والجيش الباكستاني من التحالف للخلاف
العلاقة بين بطل العالم السابق في الإسكواش عمران خان والجيش الباكستاني تبدو مركبة للغاية، فقد تم انتقاد خان لكونه قريباً جداً من الجيش منذ أن وعد بتأسيس "باكستان الجديدة" للتخلص من الفساد والمحسوبية بعد فوزه في انتخابات 2018.
وحتى فترة قريبة كان يوصف عمران خان بأنه من أكثر رؤساء الحكومات في باكستان تحالفاً مع العسكريين بل يتهم بالتبعية لهم، لكن مراقبين يشيرون الآن إلى وجود خلافات بين الجانبين، حسبما ورد في تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي.
لكن علناً، نفى كل من عمران خان والجيش الباكستاني نشوب أي خلاف بينهما.
خان زاد من توغل العسكريين في السلطة والاقتصاد
وتقليدياً، يتوغل الجنرالات المتقاعدون يسيرون في الدولة مثل السفراء وإدارة السلطة الوطنية لإدارة الكوارث.
لكن العسكريين الحاليين والسابقين أخذوا تدريجياً في المزيد والمزيد من الوظائف الأساسية في عهد خان، فهم يديرون هيئة الطيران المدني والمعهد الوطني للصحة والعديد من الشركات المملوكة للدولة بما في ذلك شركة الطيران الوطنية والهيئات الحكومية المسؤولة عن الكهرباء والمياه والاتصالات والإسكان، حسب تقرير مجلة The Economist.
وتوج الجيش سيطرته على الجيش عبر الاقتصاد، من خلال ترؤس الجنرال المتقاعد عاصم باجوا الوكالة التي تشرف على الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، مما يساعد على ضخ حوالي 60 مليار دولار من الاستثمارات الصينية في البنية التحتية.
وقبل الأزمة الأخيرة كان يقال إن الاختلاف الرئيسي بين علاقة السيد خان بالجيش وعلاقة أسلافه، كما تقول فرزانا شيخ من تشاتام هاوس، وهي مؤسسة فكرية، هو مدى الانسجام الذي يبدو عليه الأمر. وتقول: "الشيء المختلف في هذه الحكومة بالذات هو التخلي عن كل الادعاءات بأنها تمارس السياسة بشكل مستقل عن الجيش". في حين تشاجرت الحكومات السابقة مع كبار الضباط، يبدو أن خان سعيد بفعل ما قيل له.
وتقول الباحثة فرزانا شيخ إن قمر جاويد باجوا، رئيس أركان الجيش، يؤكد للدبلوماسيين أنه لا يرغب في إدارة البلاد. ويقوم باستعراض مناداته للسيد خان بـ"رئيسه". ويبدو أنه مستعد للمساعدة في حشد الأصوات من السياسيين المرنين عندما تخذله قوى خان في الإقناع.
بداية الخلاف بين عمران خان والجيش الباكستاني
بدأت الخلاف بين رئيس الوزراء عمران خان والجيش الباكستاني قبل نحو أربعة أشهر، عندما عين قائد الجيش باجوا أنجوم لقيادة المخابرات الداخلية المعروفة بـ"ISI"، التي تشرف على الأمن الداخلي لباكستان.
ثم أجل خان التعيين وأعرب علناً عن دعمه للجنرال فايز حميد رئيسها الحالي، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه حليفه، ويقال إن مواقف حميد وعمران خان متشابهة في كشمير وأفغانستان.
في المقابل لا يرغب الجنرال باجوا في تفاقم التوترات مع الهند بشأن خط السيطرة، كما كان يعارض الإسلام المتشدد الذي تمارسه طالبان والذي يراه يهدد باكستان الأكثر ليبرالية نسبياً، خاصة بعد أن أبدى خان قدراً من التعاطف مع الحركة.
في النهاية، انتصر الجنرال باجوا على عمران خان، من خلال تعيين الفريق نديم أحمد أنجوم في منصب مدير عام (ISI) خلفاً للجنرال حميد.
ثم كسر رئيس الوزراء المحرمات بذكر مناقشة خاصة مع قائد الجيش في تجمع عام، في مواجهة مزاعم الجيش نفسه بأنه لا يتدخل في السياسة، حسبما ورد في تقرير لمجلة Time الأمريكية.
وقالت شايستا تبسم الرئيس السابق لقسم العلاقات الدولية بجامعة كراتشي: "إن تسمية الجيش علناً في المنتديات السياسية هو أكبر خطأ ارتكبته هذه الحكومة". وقالت إن خان ووزراءه "كانوا يجرون الجيش علناً إلى السياسة، قائلين إن أشياء مثل الجيش وراءنا كثيراً أو أننا نتمتع بدعم قائد الجيش".
الخلاف حول الأزمة الأوكرانية والعلاقة مع أمريكا
كان عمران خان واحداً من أواخر القادة الذين زاروا بوتين، رغم أن باكستان ليس لديها علاقة حميمية عادة مع روسيا، لأن الأخير حليف للهند وأكبر مورد للسلاح ضدها، إضافة إلى اختلاف السياسات حول آسيا الوسطى وأفغانستان والإسلام السياسي وغيرها.
ولكن خان أصر على موقف من الأزمة الروسية بدا محايداً بشكل أغضب الغرب، بما في ذلك عدم التصويت على قرار إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا في الجمعية العام للأمم المتحدة، مما أثار استياء الولايات المتحدة، بل إنه امتدح استقلال القيادة الهندية في سياستها تجاه الأزمة.
ثم اتهم عمران خان واشنطن بتدبير مؤامرة للإطاحة به بسبب مواقفه السياسية المستقلة.
في المقابل، فإن موقف الجيش من الولايات المتحدة يبدو مختلفاً، إذ انتقد قائد الجيش الغزو الروسي لأوكرانيا، وقال الجنرال قمر جاويد باجوا أمس الأول السبت، في بيان مهم قبل التصويت بسحب الثقة من رئيس الوزراء عمران خان الأحد، إن الغزو الروسي لأوكرانيا هو "مأساة كبيرة" و"يجب وقفها على الفور".
وأدان قائد الجيش الباكستاني الحرب الروسية قائلاً: "لقد دعت باكستان باستمرار إلى وقف فوري لإطلاق النار ووقف الأعمال العدائية. نحن ندعم الحوار الفوري بين جميع الأطراف لإيجاد حل دائم للصراع ". كما دعا إلى تسوية جميع الخلافات مع الهند، بما في ذلك كشمير، من خلال الحوار.
وأكد حرص بلاده على علاقة متوازنة بين الصين وأمريكا، في وقت تبدو فيه باكستان في عهد عمران خان تزداد قرباً من بكين وابتعاداً عن الغرب.
وأشار باجوا إلى "علاقة باكستان الاستراتيجية الطويلة والممتازة مع الولايات المتحدة"، وكيف أن المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي كان لهما دور حيوي لمصالح الدولة.
الموقف من الأزمة السياسية وحل البرلمان
قال الجيش الباكستاني أمس الأحد إنه "لا علاقة له على الإطلاق" بالوضع السياسي السائد بعد قيام الرئيس عارف علوي بحل البرلمان بناءً على نصيحة رئيس الوزراء عمران خان.
ونفى المتحدث باسم الجيش الباكستاني الميجور جنرال بابار افتخار أي نوع من تورط الجيش في الأزمة السياسية بالبلاد. وقال افتخار، لوكالة "رويترز" رداً على سؤال بشأن مشاركة المؤسسة في التطورات السياسية وخاصة ما يتعلق بحل البرلمان الباكستاني: "الجيش لا علاقة له بالعملية السياسية".
ولكن الجنرال الذي بات محللاً سياسياً طلعت مسعود قال: "الخيار الأفضل في هذا الوضع إجراء انتخابات جديدة لتمكين الحكومة الجديدة من التعامل مع المشاكل الاقتصادية والسياسية والخارجية التي تواجهها البلاد".
وقال الكاتب والمحلل السياسي حذيفة فريد إن الجيش الباكستاني وقف بشكل صريح موقفاً محايداً، ولم يؤيد أياً من أطراف الأزمة حتى الآن، وهذا كان موقفه منذ بداية الأزمة.
وقال جاويد رانا لموقع "الجزيرة نت" إن خان أصبح يحظى بشعبية بسبب حديثه المتكرر عن المؤامرة الخارجية (الأمريكية)، ولذلك فإنه يعتقد أنه سينجح في الانتخابات الجديدة.
في المقابل، فإن جاويد رانا ورغم تأكيده حياد الجيش في المشهد الحالي، فإنه قال إن الجيش خلف الكواليس قام بصناعة أحداث سياسية لدعم أحزاب المعارضة، وقال إن الجيش يستمتع بما تسمى "اختبارات الولاء".
وأضاف رانا: أعتقد أن الجيش لا يريد الانحياز لأي جانب؛ سواء كان صينياً أو روسياً، ولكنني أعتقد أنه يفضل العودة إلى المربع الأمريكي.
خان يلمِّح إلى أن الجيش يهدده
وأفادت تقارير بأن عمران خان قد قال إن القيادة العليا للجيش التقته مؤخراً وعرضت عليه ثلاثة خيارات لحل المأزق السياسي، منها استقالته أو مواجهة سحب الثقة أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة.
وزعمت تقارير بأنه تم إلغاء الخطاب المخطط لخان يوم السبت للأمة، بناءً على أوامر صادرة عن الجيش الباكستاني. وفقاً لدبلوماسيين في إسلام آباد، نصح باجوا ونائبه في المخابرات الباكستانية خان بعدم مخاطبة الأمة، لأن ذلك من شأنه أن "يفسد الأجواء في البلاد".
ونفى وزير الإعلام الباكستاني فؤاد تشودري، في خطاب إعلامي يوم السبت، أن يكون قائد الجيش قد طلب من خان الاستقالة.
بالنسبة للجيش، الذي يُشار إليه محلياً باسم "المؤسسة"، كان خان يمثل الاستقرار في يوم من الأيام- خاصةً مع تعافي الاقتصاد من الانكماش الناجم عن الوباء.
كان للجنرالات الكبار رأي في كل عنصر من عناصر إدارة رئيس الوزراء، من السياسة الخارجية والمسائل الأمنية إلى القرارات الاقتصادية. عقد باجوا وغيره من الجنرالات اجتماعات خاصة بانتظام مع كبار رجال الأعمال وصناع السياسات.
لكن العلاقة بدأت في التدهور، سواء بسبب تورط خان في الترقيات العسكرية أو توتر العلاقات مع الولايات المتحدة، كما أن الاقتصاد الباكستاني يعاني من العديد من المشكلات منها مديونية عالية ومعدل تضخم كبير جداً فاقمته الأزمة الأوكرانية.
وهناك علامة استفهام كبيرة أخرى إذا بقي خان كرئيس للوزراء: هل سيسمح لباجوا، الجنرال الذي تشاجر معه، بتمديد فترة عمله كقائد للجيش عندما تنتهي ولايته في نوفمبر/تشرين الثاني القادم؟.
تشير التقارير إلى أن خان يريد بدلاً من ذلك تنصيب حميد، رئيس المخابرات الباكستانية السابق قائداً للجيش.
وبصرف النظر عن الحياد الرسمي للجيش الباكستاني حتى الآن في الأزمة السياسية في البلاد، فإن الفصل النهائي في الأزمة لم يكتب بعد.
فهل يعيد الجيش الباكستاني البلاد إلى عهد الانقلابات الصريحة، أم يُسقط خان من وراء الستار كما مع فعل مع نواز شريف، أم يظل الجيش على الحياد باعتبار أن خان على كل مشكلاته بالنسبة للجيش وفر للبلاد قدراً نادراً من الاستقرار في تاريخها المضطرب.