أحيت التوترات بين روسيا والدول الغربية في أعقاب الهجوم على أوكرانيا آمالاً في إيران بإمكانية أن توفر طهران بديلاً لصادرات الغاز الروسي لأوروبا، مع تزايد احتمال إحياء الاتفاق النووي بات الحديث يتكرر عن إمكانية أن يصبح الغاز الإيراني بديلاً للغاز الروسي.
إذ تملك إيران ثاني أكبر احتياطي غاز في العالم بحجم 34 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، أي حوالي 17% من إجمالي الاحتياطيات العالمية.
وبينما يرى البعض أن هذا يتيح لإيران فرصة حقيقية لتحل محل روسيا، يظل محللون وخبراء طاقة إيرانيون متشككين في إمكانية تحويل هذا الحلم إلى حقيقة، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
إذ قال رئيس تنفيذي لإحدى شركات الغاز الإيرانية إن البلاد لا يمكنها فنياً تصدير الغاز إلى أوروبا.
وأفادت تقارير بأن روسيا تعرقلف محادثات إحياء الاتفاق النووي عبر طلب ضمانات من الولايات المتحدة بأن العقوبات التي تواجهها بسبب الصراع في أوكرانيا لن تضر بتجارتها مع إيران، واتهمت طهران موسكو بمحاولة عرقلة عودتها لسوق النفط الغاز الدولية، في وقت أصبحت أزمة الطاقة أكبر سلاح في يد روسيا.
صادرات الغاز الإيراني أقل بكثير من روسيا
وقال المسؤول الإيراني لموقع Middle East Eye، شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب مخاوف أمنية: "المقارنة بين إنتاج وصادرات إيران وروسيا تشير إلى وجود فرق ضخم". ولفت إلى أن حجم إنتاج إيران اليومي يبلغ نحو 800 مليون متر مكعب، في حين يبلغ حجم الإنتاج الروسي نحو ملياري متر مكعب.
وقال خبير الغاز: "هذا الفارق الهائل يتجلى تلقائياً في الصادرات".
إذ تبلغ صادرات روسيا السنوية من الغاز حوالي 180 مليار متر مكعب، يذهب حوالي 130 مليار منها إلى أوروبا وتركيا، فيما يبلغ حجم الصادرات السنوية من الغاز الإيراني في أحسن الأحوال 25 مليار متر مكعب.
طهران مهددة بأن تتحول لدولة مستوردة للغاز
وقال الخبير إنه إذا أرادت إيران مضاعفة إنتاجها من الغاز خلال فترة 10 سنوات إلى حوالي 1.5 مليار متر مكعب يومياً، فعليها استثمار 90 مليار دولار خلال تلك الفترة. وقال: "إذا لم تستثمر إيران في إنتاج الغاز وتفيد من مواردها، ستصبح معتمدة على واردات الغاز، رغم كل احتياطياتها".
وفي الوقت نفسه، قال مسؤول إيراني بارز سابق في وزارة الطاقة لموقع Middle East Eye إن إيران تمتلك ثاني أكبر احتياطيات غاز في العالم، وهي أيضاً ثالث أكبر منتج للغاز، ولذلك لديها القدرة على زيادة حصتها من الغاز الطبيعي في السوق العالمية من 1% إلى 10% والسيطرة على حصة كبيرة من صادرات الغاز إلى أوروبا.
وقال: "وكي يحدث هذا، من الضروري أن نركز على الصادرات، وليس الاستهلاك المحلي"، مضيفاً أنه في الوقت الحالي، "يُستهلك معظم الغاز المنتج في إيران محلياً، ولهذا السبب تراجعت حصة إيران في الأسواق العالمية تراجعاً حاداً".
تفيد تقارير بأن إنتاج إيران من الغاز يتناقص بما يصل إلى 10 مليارات متر مكعب سنوياً بسبب انخفاض الضغط الطبيعي الذي يدفع الغاز إلى خارج الأرض. تحتاج البلاد إلى المزيد من الاستثمارات والتكنولوجيا الغربية للاستفادة من الموارد غير المستخدمة، مثل رواسب الغاز في حقل جنوب بارس تحت الماء في الخليج العربي.
تعمل قطر، التي تشترك في حقل بارس للغاز، على زيادة استخراج الغاز هناك وأنتجت من الغاز الطبيعي 2.5 مرة أكثر من إيران منذ التسعينيات. لكن طهران التي تحتاج إلى استخدام منصات أكبر للوصول إلى الرواسب الجوفية ليس لديها شريك إنتاج لديه رأس مال وتكنولوجيا.
منعت العقوبات الدولية والأمريكية النووية وغيرها إيران من شراكة مثمرة مع شركات النفط الكبرى، مثل توتال التي انسحبت من عقد بقيمة 4.8 مليار دولار مع إيران في 2018، بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني وبدأت في إعادة فرض العقوبات.
الرهان يجب أن يكون على الاستثمار الأجنبي وخفض الاستهلاك المحلي
وينصح المسؤول السابق بأن تستثمر إيران في الغاز الطبيعي المسال (LNG) لتنويع صناعة الغاز، بحيث يتمكن سوق تصدير البلاد من التوسع إلى أجزاء مختلفة من العالم تضم أوروبا واليابان والصين.
وأضاف: "هذا يتطلب زيادة قوة دبلوماسية الغاز الإيرانية، والتواصل مع الأسواق العالمية، وإقامة علاقات سلمية مع الدول، وزيادة معدل الاستثمار في البنية التحتية للغاز، وتحديداً خطوط الأنابيب والغاز الطبيعي المسال، وكذلك مرافق التسييل".
وأشار إلى أن كل هذا يمكن أن يبدأ باتفاق نووي مع واشنطن يقضي برفع الولايات المتحدة للعقوبات. وقال أيضاً إن على إيران جذب الاستثمار الأجنبي، والأهم خفض الاستهلاك المحلي، إذ يُستهلك قرابة 750 مليون متر مكعب من الغاز يومياً داخل البلاد من الإنتاج الذي يتراوح حجمه بين حوالي 800 مليون و810 ملايين متر مكعب يومياً.
وقال: "التوصل إلى إجماع داخل مؤسسة الجمهورية الإسلامية على تصدير الغاز الإيراني إلى أوروبا له أهمية قصوى، حيث قد يعيق المتشددون أو بعض العوامل الأخرى أي محاولات من الحكومة الإيرانية لتصدير الغاز. على أنني أرى أن المحافظين الذين يديرون الحكومة يمكنهم بسهولة إقناع المتشددين، باعتبارهم حلفاء لهم، بالامتناع عن معارضة أي خطط لتصدير الغاز".
وأضاف أنه في غضون ذلك، تجري إيران والولايات المتحدة محادثات في فيينا وتقتربان من التوصل إلى اتفاق بشأن رفع العقوبات.
وكانت وكالة Bloomberg ذكرت في 21 مارس/آذار أن مندوبين في مؤتمر الغاز الأوروبي في فيينا ناقشوا إمكانية استخدام الغاز الإيراني لملء فراغ الغاز الروسي. وقال المسؤول السابق: "وهذا يعني أنه يجري الإعداد لدخول إيران سوق الغاز الأوروبية. وعلينا أن ننتظر لنرى ما سيحدث بعد ذلك".
طهران فشلت عدة مرات في تصدير الغاز لأوروبا
ظهرت عدة محاولات لتصدير الغاز الإيراني إلى أوروبا في الماضي.
كانت أولاها اقتراح تركيا وإيران نقل الغاز الإيراني إلى أوروبا عبر خط أنابيب نابوكو، الذي كان مصمماً لنقل الغاز من بحر قزوين إلى النمسا عبر مدينة أرضروم التركية. وكان الهدف الأساسي من هذا المشروع تقليل اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، لكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عارضا مشاركة إيران.
وكان من ضمن المشاريع الأخرى خط الغاز الإسلامي، الذي صُمم ليعبر إيران والعراق وسوريا، ومن هناك إلى لبنان وتركيا وأوروبا. على أن هذا المشروع لم يُنفذ بسبب الحرب في سوريا والعقوبات المالية الخانقة المفروضة على سوريا وإيران.
وكان خط الغاز الفارسي من أكثر المشروعات جدية لتصدير الغاز لأوروبا. وبدأ تنفيذ الفكرة عام 2007، وكانت تهدف لنقل الغاز من حقل بارس جنوب إيران إلى أوروبا عبر تركيا، ولكن بسبب العقوبات وانسحاب شركة EGL المسؤولة عن المشروع، انهارت الخطة.