من جديد، تشهد صلاة الفجر في المسجد الأقصى وفي منتصف شهر رمضان اعتداء إسرائيلياً على المصلين. قبل 28 عاماً أطلق مستوطن النار على الساجدين غدراً، واليوم تقمع السلطات الإسرائيلية المصلين كباراً ونساءً وصغاراً، وحتى الصحافيين وحراس المسجد.
بدأت التوترات عندما قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلية إحكام إغلاقها العسكري للأراضي الفلسطينية ابتداء من الجمعة حتى فجر يوم الأحد بحلول ما يسمى عيد "الفصح" اليهودي، في وقت تتوجه فيه دعوات الجماعات الدينية اليهودية لتقديم "القرابين" داخل ساحات المسجد الأقصى، في حادثة هي الأولى من نوعها في القدس.
وبينما منعت الشرطة الإسرائيلية الذكور دون سن 50 عاماً من سكان الضفة الغربية، وجميع سكان غزة من الوصول إلى المسجد لأداء الصلاة، أغلقت الشوارع في محيط البلدة القديمة، ووضعت المتاريس الحديدية عند مدخل باب العامود.
ومع ساعات الصباح الباكر، شنت قوات الشرطة الإسرائيلية حملة قمع عنيفة ضد المصلين، واعتقلت ما يصل إلى 300 مصل، إلى جانب إصابة أكثر 152 شخصاً كانوا متواجدين بالمكان.
وما أشبه اليوم بالبارحة، ففي العام 1994 أيضاً، صادف يوم الجمعة منتصف شهر رمضان، حين كان 450 رجلاً فلسطينياً يؤدون صلاة الفجر جماعة في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل ذلك اليوم. تلا إمام المسجد عادل إدريس 4 آيات قرآنية ثم سجد، في تلك اللحظة اقتحم مستوطن إسرائيلي الحرم وأطلق النار يميناً وشمالاً ليسقط 29 شهيداً ضحية المجزرة ويصاب 150 آخرون.
الشيخ إدريس قال في تصريحات إعلامية لاحقة إن السجود بين الركعتين قلل عدد الشهداء والجرحى، بعدما وجه المستوطن باروخ غولدشتاين بندقيته إم 16 على المصلين الذين كانوا جميعهم من أبناء البلدة، وسرعان ما هجم عليه المصلون وقتلوه.
مجزرة الحرم الإبراهيمي وتواطؤ الجيش الإسرائيلي
هي دقائق قليلة، لكنها محفورة في الذاكرة الفلسطينية، وذكرى أليمة لمنتصف شهر رمضان.
تبين لاحقاً أن منفذ المجزرة من سكان مستوطنة كريات أربع وكان معروفاً لدى المصلين، إذ كثيراً ما كان يمشي أمام الحرم الإبراهيمي لاستفزاز سكان البلدة.
وفي 25 فبراير/شباط من العام 1994، قرر أن ينفذ خطته وانتظر صلاة الفجر بعد أن راقب مواعيد الصلوات.
ويتهم الفلسطينيون الجيش الإسرائيلي بالتواطؤ مع منفذ المجزرة، إذ أغلقت قواته أبواب الحرم منعاً لهرب الآمنين، كما منعوا إسعاف الجرحى.
وأثناء تشييع ضحايا المجزرة، أطلق الجنود الإسرائيليون الرصاص على المشيِّعين فقتلوا عدداً منهم، مما رفع عدد الضحايا إلى 50 شهيداً و150 جريحاً.
وعلى إثر المجزرة، تصاعد التوتر في مدينة الخليل وقراها وكافة المدن الفلسطينية وداخل مناطق الخط الأخضر في ذلك اليوم، وقد بلغ عدد الشهداء نتيجة المصادمات مع جنود الاحتلال حينها 60 شهيداً.
التقسيم الزماني والمكاني للحرم
في 18 مارس/آذار 1994، صادق مجلس الأمن الدولي على قرار يدين مجزرة الحرم الإبراهيمي، ويدعو لاتخاذ إجراءات لحماية الفلسطينيين بما فيها نزع سلاح المستوطنين.
وشكَّلت السلطات الإسرائيلية بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي بعدة شهور لجنة تحقيق سميّت "شنغاز"، والتي قسمت الحرم مكانياً وزمانياً، فبات جزء منه لليهود والجزء الآخر للمسلمين، على أن يفتح كاملاً لمدة 10 أيام فقط في السنة لكل جانب.
لكن السلطات الإسرائيلية تمنع رفع الأذان في الحرم مئات المرات في السنة وتعلقه كاملاً في الأعياد اليهودية أمام المسلمين، بينما تسمح للمستوطنين بإقامة الحفلات والمناسبات.
كما طال التقسيم البلدة القديمة في الخليل، إذ قسمت إلى 4 مناطق، يتم السماح للفلسطينيين بدخول بعض منها بعد تفتيش وبأعداد محدودة.
ونقلت قناة الجزيرة عن مدير لجنة إعمار الخليل عماد حمدان في العام 2021 أن عدد الفلسطينيين في البلدة يقارب 10 آلاف، بعدما كان 400 فقط وقت المجزرة. أما الإسرائيليون، فيبلغ عددهم 440، خُصص لحماية كل واحد منهم 4 جنود.