مفاعل تموز، أو الأخوين تمّوز، أو أوزيراك، جميعها أسماء تُشير إلى مفاعلين نووين عراقيين أُنشئا في العام 1975 بالتعاون مع فرنسا، وباتفاقٍ بين الرئيسين صدام حسين وجاك شيراك؛ عندما كان حسين نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة، وكان شيراك رئيساً للحكومة الفرنسية.
وكان العراق يحاول منذ نهاية ستينيات القرن العشرين الدخول رسمياً في النادي النووي السلمي، بعدما صار عضواً في الوكالة الدولية للطاقة الذريّة في العام 1959، من خلال برنامج نووي طموح.
ففي مطلع السبعينيات حاول الحصول على محطة طاقة كهرونووية من فرنسا التي رفضت، ثم حاول مع الكنديين الذين رفضوا أيضاً. وقبل لجوئه إلى البرازيل، كانت فرنسا وافقت على بناء مفاعلين في العراق، في 3 مارس/آذار 1975، مشابهين للمفاعلات الموجودة في مركز الأبحاث النووية التابع لوكالة الطاقة الفرنسية.
أُطلق على المفاعلين اسم "تموز 1″، و"تموز 2″؛ كان الأول بقدرة 40 ميغاواط، والثاني بقدرة 600 كيلو واط لأغراض التدريب، ويقعان في منطقة التويثة التي تبعد ما يقارب 17 كلم إلى الجنوب الشرقي من بغداد. وأشرف على إنشائه مهندسون فرنسيون وإيطاليون.
أسباب القصف الإسرائيلي على مفاعل تموز
ومع الاقتراب من انتهاء أعمال بناء مفاعل تموز، وفي حادثة تُعدّ الأولى من نوعها عالمياً، دمّرت القوات الجوية الإسرائيلية المفاعل النووي العراقي بشكلٍ كامل في 7 يونيو/حزيران 1981.
استهدفت مقاتلات إسرائيلية من طراز "إف-15″ و"إف-16" مفاعل تموز العراقي النووي، الذي دُمّر بالكامل تقريباً، مع مقتل 10 عراقيين ومدني فرنسي، وعُرفت العملية باسم أوبرا.
جاء القصف الإسرائيلي بعد إعادة انتخاب مناحيم بيغن رئيساً لحكومة إسرائيل عام 1981، واتُخذ قرار القصف بتبرير أن مفاعل تموز1 كان على وشك البدء بالتشغيل العملي. فكان لا بدّ من إحباط محاولة بغداد استخدام هذه المفاعلات لإنتاج أسلحة نووية قد تُستخدم ضدّ إسرائيل.
لاحقاً، لم يتمكّن المسؤولون الأمريكيون من العثور على دليلٍ يؤكّد مزاعم الإسرائيليين بوجود "مخبأ سرّي" تحت المفاعل، كان سيُستخدم في صناعة الأسلحة. كان رد الرئيس الأمريكي آنذاك رونالد ريغان على الهجوم قاسياً في البداية، حين علّق مبيعات الأسلحة لإسرائيل، وتعاون مع العراق لصياغة وثيقة إدانة من الأمم المتحدة.
وكان العراق يخوض آنذاك حرباً مع إيران، التي سبقت إسرائيل في شنّها غارة على مفاعل تموز خلال حرب الخليج الأولى، ولكنها لم تُصِب أي منشآت هامة في المفاعل، واقتصرت الأضرار على الأبنية الفرعية.
واللافت أنه رغم امتلاكه لطائرات حربية، ودفاعات جوية، وجهازاً استخباراتياً قوياً، فقد فشل العراق في اكتشاف الضربة الإسرائيلية. وحتى الساعة، لا تزال التساؤلات تُطرح حول أسباب فشل أجهزة الاستخبارات العراقية في اكتشاف الضربة قبل حدوثها وعن فشل الدفاعات الجوية في مواجهة الطائرات الإسرائيلية على أقلّ تقدير.
شهادة طيّار إسرائيلي: "تدرّبنا 6 أشهر قبل بغداد"
شافير، هو اسم أحد الطيّارين الـ8 التابعين لسلاح الجو الإسرائيلي، الذين تمّ اختيارهم لمهمّة قصف مفاعل تموز النووي، ومن بينهم أيضاً إيلان رامون الذي كان يخوض تجربته التشغيلية الأولى، قبل أن يصبح لاحقاً أول رائد فضاء إسرائيلي.
ويقول شافير لموقع Jerusalem Post إنه كان في حالة صدمة عندما أُخبر عن المهمّة التي سينفّذها في "مفاعل صدام حسين النووي"، مضيفاً: "لم أكن أعرف أن هناك مفاعلاً نووياً في العراق، لم يكن لدينا إنترنت آنذاك".
وتابع: "كانت بغداد مكاناً لم يصل إليه سلاح الجو الإسرائيلي من قبل، كما كانت F-16 طائرة جديدة بالنسبة لنا، لم نكن جرّبناها من قبل. واستغرق التدريب 6 أشهر قبل أن نقلع إلى بغداد، لنتعلّم كيف نضرب هدفاً محاطاً بأنظمة الدفاع الجوّي".
الطائرات الإسرائيلية قطعت مسافة 1600 كلم، وعبرت أجواء الأردن والسعودية وهي على ارتفاع لا يزيد عن 100 قدم؛ من دون أن تكشفها رادارات البلدين، لأن الطيارين الإسرائيليين كانوا يرسلون إشارات كاذبة على أنهم من بلدان عربية.
وكانت وثائق نشرها جيش الاحتلال الإسرائيلي، الثلاثاء 22 يونيو/حزيران 2021، كشفت عن تفاصيل حول العملية العسكرية السرية التي نفذتها الطائرات الإسرائيلية ضدّ مفاعل تموز النووي، وعرضت مقطعاً مصوراً وتصريحات من طيار شارك في قصف المفاعل.
موقع Times Of Israel قال إن هذه الوثائق حول تدمير مفاعل "أوزيراك" أو ما يُعرف بـ"مفاعل تموز" رُفعت عنها السرية من قِبل الجيش الإسرائيلي، تتحدث عن أن سرباً من الطائرات الحربية الإسرائيلية قطع نحو 3 آلاف كيلومتر، حتى وصل إلى مدينة بغداد، ودمّرت المفاعل.
كما تضمّنت الوثائق رسوماً تخطيطية تقريبية لموقع مفاعل تموز العراقي، وكذلك رسوماً للطائرات الإسرائيلية وهي تحلّق باتجاه المفاعل، وقالت وزارة الدفاع الإسرائيلية إن هذه الرسوم هي جزء مما هو موجود في ملف الاستخبارات حول هذه العملية.
وثائق أمريكية سريّة تكشف خداع فرنسا للعراق
مجموعة من الوثائق السرية الأمريكية، سُرّبت بعد قصف مفاعل تموز النووي، تؤكد أن هجوم السابع من يونيو/حزيران 1981 ربما شجع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين على تكثيف جهوده للحصول على أسلحة الدمار الشامل.
وبحسب تقريرٍ نُشر في صحيفة Independent في العام 2021، فإن الوثائق التي حصل عليها أرشيف الأمن القومي في واشنطن -من خلال قانون حرية المعلومات- تشمل برقيات البيت الأبيض ووزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية، التي تلخص أبرز التحركات الدبلوماسية والسياسية التي سبقت الهجوم.
وبحسب الوثائق، فإن اجتماعاً عُقد في باريس في 25 يوليو/تموز 1980، بين دبلوماسيين أمريكيين ومسؤول فرنسي رفيع المستوى في مجال حظر الانتشار النووي، حول شحنات اليورانيوم المتجهة إلى العراق من فرنسا.
وقال المسؤول الفرنسي في الاجتماع إن المواد تمّ تعديلها كيميائياً، بشكلٍ سرّي، لجعلها عديمة الفائدة في حال قرّر العراق استخدامها لتطوير أسلحة نووية. بمعنى أن المفاعل النووي الذي كانت تبنيه فرنسا في العراق لم يكن بالإمكان تحويله إلى منشأة لإنتاج مواد انشطارية وصنع قنبلة نووية.
وجاء في الوثيقة أن الخطوة الرئيسية التي اتخذها الفرنسيون كانت القيام مسبقاً بنزع خطورة أي يورانيوم مخصّب سيُرسل إلى العراق، وجعله "غير صالح للاستخدام في صناعة سلاح نووي".
وتضمّنت الوثائق الأخرى، الأقل إثارة للجدل، السماح بدخول شحنة يورانيوم واحدة فقط إلى مفاعل تموز في كلّ مرة، والحفاظ على الوجود الفرنسي بداخله كلّ الوقت، والتأكد من قيام التقنيين الفرنسيين بمراقبة اليورانيوم المخصّب خلال نقله.
لكن إحدى الوثائق أشارت إلى وجود مخاوف من تنافس المتعاقدين الإيطاليين والفرنسيين لبيع أسلحة للعراق، ومن أن تحاول إيطاليا "على وجه الخصوص جعل أي اتفاق مغرياً، من خلال تضمين التكنولوجيا النووية المتقدّمة، كجزء من عروضها".
القصف الإسرائيلي حفّز العراق على امتلاك أسلحة نووية
اضطرّ العراق، الذي وقّع معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، إلى فتح منشآته النووية للتفتيش من قبَل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لكن الهجوم الإسرائيلي على المفاعل، إلى جانب الحرب القائمة في ذلك الوقت بين إيران والعراق، تسبّبا في إنهاء التعاون العراقي مع الشركات النووية الأوروبية وإيقاف المشروع.
وبحسب Independent، فوفقاً لتقييمٍ سرّي أجرته استخبارات وزارة الخارجية الأمريكية في 17 أغسطس/آب 1981، عرقل الهجوم الإسرائيلي البرنامج النووي العراقي.
وورد في التقرير أيضاً أن "القصف أدّى إلى انتكاسة مؤقتة لبرنامج الأبحاث النووية العراقي، الذي كان يهدف إلى التركيز على الأسلحة من خلال تقييد وصوله إلى المساعدات المادية والتكنولوجية. لكن في المقابل، ربما أصبح العراق أكثر اهتماماً بامتلاك أسلحة نووية في نهاية المطاف بعد القصف".
تجدر الإشارة أخيراً إلى أن مطالبة الحكومة العراقية اليوم بمقاضاة إسرائيل تأتي "استناداً إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 487 لسنة 1981، وفق الوسائل والخيارات القانونية التي تضمن حصول العراق على حقوقه، وفقاً للقوانين والمواثيق الدولية".
وينصّ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 487 على أنه "من حق العراق الحصول على تعويضات عن الهجوم الإسرائيلي على مفاعل تموز النووي، وأن مجلس الأمن يشجب بشدّة الغارة العسكرية الإسرائيلية، ويطالب إسرائيل بالامتناع في المستقبل عن القيام بأعمال من هذا النوع أو التهديد بها".