بعد مرور 8 أشهر على الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيّد، ستُعقد أول جلسة للبرلمان التونسي، وذلك للتصويت على مشروع قانون يُلغي إجراءات الرئيس.
وكشفت مصادر حزبية لـ"عربي بوست" أن جلسة البرلمان التونسي التي ستُعقد يوم غد الأربعاء، 30 مارس/آذار 2022، ستشهد حضور أغلب الكتل البرلمانية والنواب، من بين 217 نائباً.
وبالإضافة إلى إلغاء التدابير الاستثنائية، ستشهد جلسة البرلمان التونسي تقديم مقترح عودة البرلمان لمدة محددة، يُدخل من خلالها تعديلات على القانون الانتخابي، بالتوازي مع فتح حوار وطني والذهاب لانتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لأوانها.
وتأتي جلسة البرلمان التونسي بعدما تقدم 27 نائباً من مختلف الكتل البرلمانية بالطلب، هذا الأخير الذي اجتمع على إثره أمس الإثنين، 28 مارس/آذار 2022، مكتب البرلمان عن بعد، وقرر الاستجابة للطلب.
"عربي بوست" توصل إلى معلومات خاصة من مصادر حزبية عن التحضيرات الخاصة بجلسة البرلمان التونسي، ومن سيحضر من الأحزاب السياسية ومن سيغيب عنها، بالإضافة إلى أسباب استبعاد راشد الغنوشي من رئاستها.
شرط استبعاد الغنوشي
كشفت مجموعة من المصادر الحزبية لـ"عربي بوست" أن عدداً من الكتل النيابية بالبرلمان التونسي كانت ترفض في الأول المشاركة في أي اجتماع أو جلسة للبرلمان، لكنها في النهاية وافقت، بشرط انسحاب الغنوشي من الرئاسة.
نعمان العش، رئيس كتلة التيار الديمقراطي، قال في تصريح لـ"عربي بوست" إن "نواب حزبه لن يشاركوا في أيّ اجتماع أو جلسة يترأسها راشد الغنوشي، وهو الأمر الذي حصل في الجلسة التمهيدية لمكتب البرلمان".
وأضاف المتحدث، الذي هو واحد من 27 نائباً طالبوا بعقد جلسة البرلمان التونسي، أن "وجود راشد الغنوشي في المشهد السياسي والبرلماني يعرقل أي إمكانيّة لإيجاد حلّ قد يُخرج البلاد من أزمتها".
وإلى جانب حزب التيار الديمقراطي، وضع كل من حزب تحيا تونس الذي يترأسه يوسف الشاهد، وكتلة الإصلاح الوطني التي تضم نواباً من مختلف الأحزاب، شرط انسحاب الغنوشي من الرئاسة.
وحسب مجموعة من المصادر الحزبية التي تحدثت لـ"عربي بوست" فإن شرط استبعاد الغنوشي من رئاسة جلسة البرلمان التونسي تمت الاستجابة له، وقرر مكتب البرلمان أن يترأس النائب الثاني للرئيس طارق الفتيتي من كتلة الإصلاح الوطني الجلسة.
مقابل ذلك، تقول نفس المصادر إن النائب الأول لرئيس البرلمان، سميرة الشواشي، من حزب قلب تونس، ستترأس الجلسة العامة الثانية، التي حدّد المكتب تاريخ 2 أبريل/نيسان لعقدها.
مقابل ذلك، كشف عضو مكتب البرلمان عن حركة النهضة، ماهر مذيوب، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "البرلمان قرر عقد جلسة عامة ثانية، يوم 2 أبريل/نيسان 2022، لمناقشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة التي تعيشها تونس".
تفاصيل جلسة البرلمان التونسي
ستكون جلسة البرلمان التونسي المنتظر عقدها غداً الأربعاء، 30 مارس/آذار 2022، عن بُعد، إطاراً لعرض مشروع قانون لإيقاف الإجراءات والتدابير الاستثنائية، وكلّ آثارها العملية والقانونية والتصويت عليه.
وكشفت عضو مكتب البرلمان النائب جميلة الكسيكسي، أن جلسة البرلمان التونسي ستعرف التصويت على مشروع قانون إنهاء إجراءات الرئيس بالأغلبية المطلقة لأعضاء البرلمان الـ217 كما يفرض القانون، أي 109 نواب على الأقل.
وقالت المتحدثة في تصريح لـ"عربي بوست"، إن "النصاب القانوني سيكون متوفّراً لضمان الصحّة القانونية لانعقاد الجلسة العامة، المتمثل في تسجيل ثلث أعضاء البرلمان (71 نائباً على الأقل) لحضورهم.
وعن ضمان سير عملية التصويت على مشروع القانون، تقول المتحدثة إن "الـ109 نواب برلمانيين، وهو عدد الأصوات المطلوبة للمصادقة على القانون التزموا بالمشاركة عن بُعد والتصويت بالموافقة".
وأشارت المتحدثة إلى أن اجتماع مكتب البرلمان يوم أمس الإثنين، 28 مارس/آذار 2022، عرف أيضاً حضور النصاب القانون كما يقول النظام الداخلي للبرلمان، حيث حضر 8 من 13 عضواً.
وحضر الاجتماع، كل من رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، ونائبه الأول سميرة الشواشي، ونائبه الثاني طارق الفتيتي، وسفيان طوبال، وماهر مذيوب، ونوفل الجمالي، وعبد اللطيف العلوي.
فيما تغيّب 5 أعضاء، منهم ممثل الكتلة الوطنية بالمكتب مبروك كرشيد، الذي استقال قبيل الإعلان عن التدابير الاستثنائية، احتجاجاً على العنف في اجتماعات المكتب، ولكنه وقّع على طلب عقد الجلسة العامة مع الـ27 نائباً.
أيضاً غاب عن الاجتماع حافظ الزواري، وخالد الكريشي، وسامية عبو من حزب التيار الديمقراطي، التي يرفض حزبها حضور أي اجتماع يترأسه راشد الغنوشي.
العياشي زمّال، النائب عن الكتلة الوطنية، وأحد المبادرين الـ27 بطلب عقد جلسة البرلمان التونسي، قال إن "البلاد تعيش بعد حوالي 8 أشهر من إعلان التدابير الاستثنائية أزمة ظهرت في فقدان عديد من المواد الأساسية من الأسواق، وتراجع منسوب ثقة في الدولة، دون تحقيق الأهداف المُعلنة من قرارات الرئيس.
واعتبر النائب البرلماني في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "حديث الرئيس عن الفساد، وتأكيده ضرورة محاسبة المتورطين من النواب والسياسيين بقي مجرّد حديث، ويُصنّف كتشهير، نظراً لمرور 8 أشهر بعد رفع الحصانة عن النواب دون ثبوت تورّط أي منهم في الفساد أو محاكمته".
وأضاف زمال "أنه والنواب الذين بادروا بتوجيه طلب عقد جلسة البرلمان التونسي، تحمّلوا مسؤوليتهم التاريخية كمنتخبين من طرف الشعب التونسي في انتخابات شفافة ونزيهة، أشرفت عليها نفس الجهة التي أشرفت على الانتخابات الرئاسية التي أفرزت تولي سعيّد لرئاسة البلاد".
وأكد المتحدث أنهم "سيعملون خلال جلسة البرلمان التونسي، الأربعاء 30 مارس/آذار 2022، على الانطلاق في مسار إيجاد حلّ دستوري للأزمة الحالية، ووضع حدّ قانوني للحالة الاستثنائية التي تعيشها البلاد".
من سيحضر ومن سيغيب؟
سيحضر جلسة البرلمان التونسي، حسب مصادر حزبية تحدثت لـ"عربي بوست" 54 نائباً من النهضة، و29 من قلب تونس، و17 نائباً من ائتلاف الكرامة، و16 من كتلة الإصلاح الوطني، و10 من تحيا تونس، و22 من كتلة التيار الديمقراطي، و9 نواب من الكتلة الوطنية.
على خلاف ذلك، ومن بين كل الكتل البرلمانية في البرلمان التونسي، أعلنت كتلتا حزبي الدستوري الحرّ وحركة الشعب، رفضهما المشاركة في الجلسة العامة يوم الأربعاء 30 مارس/آذار 2022.
وقال النائب عن حركة الشعب، هيكل المكي لـ"عربي بوست"، إن "اجتماع مكتب البرلمان وجلسة البرلمان التونسي مُخالفان للقانون، ولا يُمثّلان حركة الشعب".
ووفق النائب عن حركة الشعب، الذي أكد عدم مشاركة حزبه في الجلسة، فسعيد هو من منح الفرصة لحركة النهضة وبقية الكتل والأحزاب بتجميع قواها، بعدما استحوذ على صلاحية رسم مستقبل البلاد.
في نفس السياق كشف ثامر سعد، النائب البرلماني عن حزب الدستوري الحرّ، الذي تترأسه عبير موسي، أنه رفع قضية استعجالية لإيقاف قرار عقد جلسة البرلمان التونسي، الأربعاء 30 مارس/آذار.
وبرّر المتحدث سبب رفض حزبه المشاركة في جلسة البرلمان التونسي، كون الدستوري الحرّ يرى أن "الدولة مُهددة بالانقسام إلى جزء موالٍ للغنوشي، وجزء موالٍ لسعيّد".
وطلب المتحدث من قيس سعيد حلّ البرلمان، ووضع حدّ لصفة رئيس البرلمان التي يتمتّع بها الغنوشي، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لأوانها لإنهاء الأزمة.
كما وجه ثامر سعد في تصريحه لـ"عربي بوست" دعوة للنواب بعدم المشاركة في جلسة البرلمان التونسي، أو أي اجتماع أو تحرك تكون حركة النهضة أحد مكوناته.
من جهته يرى المحلل السياسي عمر التّيس أن "اجتماع مكتب البرلمان أو عقد جلسة عامة لن تكون له تداعيات أو تأثير على الدولة بمختلف مؤسساتها".
وأوضح المتحدث في تصريحه لـ"عربي بوست" أن "الجيش والشرطة والقضاء وكل مؤسسات الدولة الرئيسية تحت سيطرة الرئيس، ما يجعل جلسة البرلمان التونسي ومخرجاته ذات طابع رمزي لا غير".
كيف ستُعقد جلسة البرلمان التونسي؟
من المؤكد حسب مصادر "عربي بوست"، أن تُعقد جلسة البرلمان التونسي عن بعد باستعمال تطبيق "Zoom"، باعتبار أن كل وسائل التواصل الرسمية للبرلمان معلقة.
ومنذ إعلان الرئيس قيس سعيّد عن تعليق البرلمان التونسي، تتواصل الحراسة الأمنية المشدّدة على مقر البرلمان التونسي بمنطقة باردو، ضواحي العاصمة تونس، وفق ما عاينه "عربي بوست".
بالإضافة إلى ذلك تم تغيير مفاتيح دخول البرلمان، وتعليق الولوج إلى موقعه الرسمي وصفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، والتطبيق الخاص بعقد الاجتماعات عن بعد والتصويت على مشاريع القوانين.
ووفق ما أكده الكاتب العام للبرلمان عادل الحنشي، وهو المسؤول الحالي على التسيير المالي والإداري للبرلمان، في تصريح خاص لـ"عربي بوست"، فإن "تعليق الولوج إلى موقع البرلمان وصفحاته والتطبيق الخاصّ بالاجتماعات والتصويت لا يزال سارياً إلى اليوم".
وأضاف المتحدث أن "جلسة البرلمان المقرر عقدها يوم غدٍ، الأربعاء 30 مارس/آذار 2022، لم تتم الدعوة لها بطريقة رسمية، لأن كل وسائل التواصل الخاصة بالبرلمان معلقة، ولن يستطيع النواب الدخول لها".
واعتمد رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، شأنه شأن عشرات النواب، على صفحاتهم الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي للإعلان عن اجتماع مكتب البرلمان وقراراته.
وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" فإن مكتب البرلمان حاول بعدة طرق استعمال وسائل التواصل الرسمية التابعة للبرلمان، لإضفاء صبغة رسمية على اجتماع المكتب أمس، والجلسة العامة، لكنه لم ينجح.
بين الرئيس والنواب.. مَن سيفوز؟
تضمّن بيان 27 نائباً اتهامات صريحة للرئيس التونسي قيس سعيد بـ"الانحراف عن الأهداف المعلنة لتدابير 25 يوليو/تموز 2021، واستحواذه على كل السلطات، وتسخيره لكل وسائل وأجهزة الدولة للدعاية لمشروعه السياسي لفرضه على الجميع".
كما تضمّن البيان اتهامات لسعيد كذلك بـ"بالتهجّم على كل معارضيه داخل تونس وخارجها، دون إحالتهم إلى القضاء، أو إثبات التهم التي يُوجّهها إليهم، وتقديم أدلّة تدينهم، بالتالي تمت الدعوة لجلسة عامة لإنهاء الحالة الاستثنائية، وإبطال كل الآثار القانونية التي تلتها".
سويعات قليلة بعد الإعلان عن انعقاد مكتب البرلمان وقراره بعقد جلسة عامة وتاريخها ومضمونها، عقد قيس سعيد اجتماعاً لمجلس الأمن القومي، الذي يترأسه بصفته القائد الأعلى للقوات المسلّحة.
ولوّح الرئيس التونسي في كلمة سعيّد أمام مجلس الأمن القومي، في منتصف ليلة أمس الإثنين 28 مارس/آذار 2022، بـ"اللجوء إلى القوة العامة لمواجهة من وصفهم بالساعين للعبث بالدولة ومؤسساتها، والدفع بالبلاد إلى الاقتتال الداخلي".
واعتبر الرئيس أن "اجتماع مكتب البرلمان باطل وغير قانونيّ؛ نظراً لأن قرار تعليق النشاط والصلاحيات التي اتخذها ضدّ البرلمان، في 25 يوليو/تموز 2021 يشمل مكتبه"، مضيفاً أنه "من المفروض تجديد تركيبة المكتب بداية كل سنة نيابية، في أكتوبر/تشرين الأول.
وأضاف موضحاً أن "عدم ذهابه في اتجاه حلّ البرلمان رغم الدعوات المتواترة من مختلف الجهات يعود إلى أن حلّه مخالف للدستور، ما جعله يكتفي بتجميده إلى حين تنظيم انتخابات تشريعية".
من جهته، يرى المحلل السياسي عمر التّيس أنه "من الممكن أن يكون الهدف من عقد جلسة البرلمان التونسي، إصدار قانون لإبطال التدابير الاستثنائية، لتحسين شروط التفاوض مع سعيّد، في ظل الحديث عن حوار وطني قريب".
وأشار المتحدث إلى أنه حتى وإن تمت المصادقة على مشروع القانون، الذي يُنتظر أنه يصادق عليه في جلسة البرلمان التونسي، فإنه يحتاج إلى ختم قيس سعيّد ليُنشر في الجريدة الرسمية لدخوله حيز التنفيذ.
عشرات النواب عادوا لوظائفهم الأصلية
بعد تعليق نشاط البرلمان في تونس وصلاحيّاته بحوالي 3 أشهر، أصدر الرئيس سعيّد مرسوماً، وضع من خلاله حدّاً لصرف الأجور والمنح والامتيازات التي كان يتلقّاها النواب، ومنها إيقاف تمتّعهم بالتغطية الاجتماعية والصحّية.
بعدها وجد عشرات النواب ممّن كانوا يعملون في وظائف حكومية وخاصة، عاطلين عن العمل، ودون أي دخل مادّي بعد أن كان للمنحة النيابية صبغة معاشيّة للعشرات منهم.
وبعد أشهر، أصبح مطلب عشرات النواب من الموظفين لدى الحكومة العودة لعملهم الأصلي، نظراً للاستحالة القانونية، وعدم توفّر بعض الشروط الشكلية للاستقالة من البرلمان والعودة لعملهم الأصلي.
وعاد عدد من النواب الذين يعملون في مؤسسات الدولة وإدارتها لعملهم الأصلي، حتى دون تقديم الاستقالة من البرلمان كما يفرض القانون، ومن بينهم طارق الفتيتي، الذي سيترأس الجلسة العامة للبرلمان غداً الأربعاء.
هذا وتمرّ الاستقالة من البرلمان إجرائيّاً، عبر معاينة مكتبه لمطلب الاستقالة والتخلي عن عضوية البرلمان، وهو ما لم يكن متوفراً بعد قرار تعليق نشاط البرلمان وكل هياكله، بما فيها مكتبه، لكن تم قبول مطالب النواب للعودة لوظائفهم الحكومية دون الاستقالة من البرلمان.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”