"القضاء على الوجود في مدينة اللد عبر الميليشيات المسلحة"، تبدو هذه خطة إسرائيل للتعامل مع هذه المدينة التي تقع ضمن حدود 48، والتي اشتهرت بانتفاضتها المؤيدة للقدس وغزة العام الماضي.
أصبحت حياة الفلسطينيين في اللد، وهي مدينة في الداخل الفلسطيني المحتل، متوترة منذ الأحداث الصاخبة للانتفاضة الفلسطينية العام الماضي، التي جاءت بسبب الاحتجاجات على الانتهاكات الإسرائيلية بالقدس وعدوانها على غزة، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
في مايو/أيَّار 2021، حاولت السلطات الإسرائيلية إجلاء العائلات قسراً من منازلهم في القدس الشرقية، واعتدت على المصلين الفلسطينيين في المسجد الأقصى، وقتلت المئات في هجوم على قطاع غزة.
امتد العنف أيضاً إلى المدن الإسرائيلية المختلطة، وخاصة اللد، حيث قُتِلَ فلسطينيو 48 الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية في الشوارع. وظلَّت الأجواء في المدينة محمومةً منذ ذلك الحين.
اندلعت معركة بين سكان المدينة العرب وسكانها اليهود، بدعم من السلطات الإسرائيلية، حول حق المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل في الوجود داخل وطنهم.
وكلُّ مستوى من المجتمع الإسرائيلي، من مؤسساته إلى منظمات المجتمع المدني ومجموعات المستوطنين اليهود، الذين شكلوا مؤخراً ميليشياتهم الخاصة، منخرطون في ذلك، حسب الموقع العربي
ميليشيات حرَّاس اللد يقتحمون البلدة القديمة لاستيطانها
لم يُردَع المستوطنون بسبب الانتفاضة التي أطلقها كثير من الفلسطينيين في مايو/أيار الماضي باسم انتفاضة الكرامة.
وبدلاً من ذلك، قاموا باقتحام البلدة القديمة وشكَّلوا ميليشيا مسلَّحة تسمى "حراس اللد" بحجة حماية الوجود اليهودي في المدينة مما يرون أنه خطرٌ وجودي يمثِّله الفلسطينيون.
لكنهم في الواقع يوفرون غطاءً لتوسيع الكتل الاستيطانية في الأحياء ذات الأغلبية الفلسطينية.
ويتزامن التشكيل الأخير للميليشيا مع العد التنازلي لقدوم شهر رمضان المبارك الذي يبدأ مطلع أبريل/نيسان والذكرى المقبلة لانتفاضة مايو/أيار التي تتضافر لتخلق مناخاً من التوتر الأمني المتزايد في البلدات الفلسطينية.
الفلسطينيون صمدوا ضد محاولات اقتلاعهم
يبلغ عدد سكان المدينة 85 ألف نسمة، 40% منهم فلسطينيون، وتخضع اللد لعملية تهويدٍ ربما تكون أوضح في البلدة القديمة.
قد لا يدرك القادمون الجدد حتى إن اللد هي في الواقع مدينة فلسطينية، بالنظر إلى عدد الأعلام الإسرائيلية وناطحات السحاب الشاهقة والمؤسسات اليهودية.
لكن الفلسطينيين هناك ظلوا صامدين في وجه الحرب الديموغرافية التي شنتها عمليات الإخلاء ومحو المواقع الفلسطينية والإسلامية والمسيحية واستبدال التراث الكنعاني الفلسطيني برموز يهودية.
مسجد وكنيسة رمزان لهوية المدينة الأصلية
لأنها ترى الصراع في اللد دون حل، فإن المؤسسة الإسرائيلية في المدينة، ممثلة ببلدية اللد وغارين توراني، وهي جماعةٌ دينية صهيونية، وما يسمَّى بالمنتدى المدني لأمن اللد، شكَّلَت على وجه السرعة "فرق استعداد" بدعمٍ من الشرطة الإسرائيلية.
قُدِّمَ مشروع "حرَّاس اللد" كوسيلة لحماية النظام والأمن لجميع سكان المدينة، على الرغم من تشابهه مع ميليشيات المستوطنين اليمينية المتطرفة في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة.
ونفى أفيشاي كايزرمان، أحد مؤسسي المشروع، وجود أوجه تشابه بين الجماعة والميليشيات في مؤتمرها التأسيسي الأخير.
تُذكِّر فرقة حرَّاس اللد بالجماعات الإرهابية الصهيونية التي كانت موجودة خلال النكبة عام 1948، مثلما قال خالد زبارقة، المحامي في لجنة اللد الشعبية، لموقع Middle East Eye البريطاني.
ولتشجيع الهجرة اليهودية إلى المنطقة، كثفت السلطات الإسرائيلية من بناء المؤسسات اليهودية، بما في ذلك كنيس يهودي، ومدرسة تلمودية، وكلية عسكرية، من بين مبانٍ أخرى كبيرة.
وفي غضون ذلك، يواصل أعضاء جماعة غارين توراني القيام بدوريات استفزازية في الشوارع.
أدى توسع الاستعمار اليهودي منذ عام 1948 إلى محو آثار الشخصية الفلسطينية لمدينة اللد بشكل شبه كامل.
لكن أثناء جولة في البلدة القديمة، لاحظ موقع Middle East Eye أنه رغم جهود التهويد، فإن العديد من الممتلكات الفلسطينية والمواقع التاريخية والأثرية العربية لا تزال قائمة.
تظل أجراس كنيسة القديس جورج ومئذنة الجامع العمري دليلاً على التراث الأصلي للمدينة.
على الجانب الآخر من سوق البلدة القديمة توجد معصرة الزيتون القديمة ومسجد دهمش.
علاوة على ذلك، هناك مبنى البلدية القديم، الذي أغلق منذ النكبة عندما أجبرت المليشيات الصهيونية ما يقرب من 750 ألف فلسطيني على ترك بلداتهم وقراهم.
الميليشيات اليهودية المسلَّحة تجلب مستوطنين جدداً
قال خالد زبارقة إن 80% من سكان البلدة القديمة في اللد ما زالوا فلسطينيين، لكن السلطات الإسرائيلية تهدف إلى جلب المزيد من المستوطنين والسيطرة على الأماكن العامة من خلال الاحتفالات اليهودية، ونشر الأعلام الإسرائيلية في جميع أنحاء المدينة، ودوريات الميليشيات في الشوارع.
وقال الزبارقة إن جماعة غارين توراني، التي تأسَّسَت عام 2008، بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، جلبت العشرات من عائلات المستوطنين إلى المنطقة بهدف كسب المعركة الديموغرافية".
في الوقت نفسه، ازداد عدد الفلسطينيين في اللد بشكل مطرد خلال العقدين الماضيين، حيث وصل إلى 35 ألف نسمة.
وقد فوجئت السلطات بهذه الزيادة السكانية ووسعت أنشطة جماعة غارين توراني، حيث شيدت حيين استيطانيين جديدين، هما رمات إلياشيف وحبراشم، وأقامت بؤراً استيطانية في وسط الأحياء ذات الأغلبية الفلسطينية.
غاضبون من الزيادة السكانية الطبيعية للفلسطينيين
قال زبارقة: "كان سكان اللد العرب قادرين على المثابرة خلال العقدين الماضيين ورفض خطط الطرد القسري، وقد زاد عددهم بالفعل".
وأضاف أن الفزع الوجودي لليمين اليهودي الديني في ظل الزيادة الطبيعية للسكان الفلسطينيين في المدينة دفعهم إلى تكوين ميليشيات يهودية مسلَّحة، لأن الوجود العربي يشكِّل خطراً بالنسبة لهم.
وقال: "حتى رئيس البلدية حاول وقف الأذان، الذي يعتبره رمزاً للوجود العربي الفلسطيني والإسلامي، بالإضافة إلى الرموز العربية المسيحية التي تقف في تحدٍّ للدولة اليهودية".
يقود رئيس بلدية المدينة، يائير رفيفو، حملة مكافحة الوجود الفلسطيني في اللد من خلال جماعة غارين توراني وسياستها في تطويق الفلسطينيين في جميع الأماكن العامة، بهدف إجبارهم على المغادرة تحت الضغط.
قيادية فلسطينية تفضح دور الشرطة والبلدية في تأسيس الميليشيات
حاولت عضوة بلدية اللد الفلسطينية، فداء شحادة، فضح أعمال الميليشيات اليهودية من خلال اتباع استراتيجية غير تقليدية: محاولة المشاركة في المؤتمر الافتتاحي لـ"حرَّاس اللد".
وقد تسبَّبَ ذلك في إحراج البلدية والشرطة الإسرائيلية، وقالت كلٌّ من البلدية والشرطة إنهما لم يشاركا في المؤتمر، رغم استخدام شعار الشرطة في الدعوة إلى الحدث.
واستجوبت الشرطة شحادة حول سبب رغبتها في حضور حفل تنصيب ميليشيا يهودية مسلَّحة.
وتحمِّل شحادة الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن هذه الميليشيات المسجلة باسم منظمة غير ربحية، وتتلقى دعماً مالياً وتمنح سلطة القيام بأنشطة دون أي عواقب.
فهي تخشى أن تبدأ هذه الجماعات المسلَّحة في استهداف المواطنين الفلسطينيين، وبخوف ضئيل من الانتقام أو الإجراءات القانونية، ولن تتردد في إطلاق النار عليهم.
كان هذا هو الحال مع موسى حسونة، الذي قُتِلَ على يد أربعة مستوطنين في مايو/أيَّار الماضي على الطريق المؤدية إلى البلدة القديمة في اللد.
تمثِّل شحادة قائمةً موحَّدة لستة أعضاء فلسطينيين من أصل 19 في المجلس البلدي في اللد. وأوضحت أن الفصائل اليهودية المسلَّحة تتفاخر حالياً بانتمائها لعشرات المستوطنين والجنود المتقاعدين والمسؤولين الأمنيين المتقاعدين، وجميعهم يشاركون في حملة رئيس البلدية التحريضية ضد الفلسطينيين في المدينة.
وقالت لموقع Middle East Eye إن تجنيد مئات المتطوعين في مجموعات الميليشيات خلال أوقات الطوارئ والاحتجاج والاضطرابات يعبر عن "العقلية الاستعمارية للصهيونية الدينية"، التي ترى ضرورة إنشاء دولة يهودية حصرية في كل فلسطين التاريخية.
وحذَّرَت شحادة من العواقب المحتملة لتأسيس حراس اللد، والتي قد تكون بمثابة سابقة لتأسيس ميليشيات مسلَّحة أخرى عبر المدن الساحلية باسم حماية "السلامة الشخصية" لليهود المقيمين بالقرب من التجمعات الفلسطينية.