"قمة النقب" الذي تستضيف فيها إسرائيل أربع دول عربية والولايات المتحدة، الأحد 27 مارس/آذار، تعد أحد أقوى المؤشرات حتى الآن على أن تل أبيب بدأت في جني ثمار اتفاقات التطبيع التي أبرمتها قبل عامين مع دول عربية.
وهذه الاتفاقات دفعت مصر أيضاً، التي أبرمت اتفاقية سلام مع إسرائيل منذ فترة طويلة، إلى انخراط أكثر جدية مع تل أبيب، في الوقت الذي تحاول فيه القاهرة إحياء دورها كجسر بين إسرائيل والعالم العربي.
وحين أعلنت إسرائيل عن القمة لأول مرة يوم الجمعة 25 مارس/آذار، لم تكُن مصر على قائمة الدول المشاركة، الإمارات والمغرب والبحرين، لكنها أُضيفت إليها يوم السبت، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
وحين أبرمت إسرائيل اتفاقيات دبلوماسية عام 2020 مع عدد من الدول العربية التي تحاشت إبرام علاقات رسمية معها لفترة طويلة، ثارت تساؤلات حول مدى فاعلية هذه الاتفاقات ومدى استدامتها ومدى جدواها. وحتى الشهر الماضي، أقر نفتالي بينيت، بعدما أصبح أول رئيس وزراء إسرائيلي يزور البحرين، بأن العلاقات لا تزال بحاجة إلى أن تتطور "من احتفالات إلى شيء ملموس ذي قيمة".
إسرائيل تتحول لوسيط بين أمريكا وحلفائها العرب
ومن شبه المؤكد أن الاجتماع الذي سيعقد في بلدة سديه بوكير في صحراء النقب يومي الأحد والإثنين سيكون مليئاً بالمفاجآت والرسائل. لكن مما لا شك فيه أن هذا هو الشيء الملموس الذي تبحث عنه إسرائيل، حسب الصحيفة الأمريكية.
ورغم أن الولايات المتحدة ساعدت إسرائيل في إبرام اتفاقات مع الإمارات والمغرب والبحرين، فإسرائيل هي الآن من تعمل علناً كقناة اتصال بين واشنطن وبعض الدول العربية.
وفي السياق ذاته، أفادت تقارير إعلامية إسرائيلية بأن القمة الثلاثية المصرية الإماراتية الإسرائيلية التي عقدت مؤخراً في شرم الشيخ كان أحد أهدافها، أن تل أبيب تحاول تخفيف التوترات بين الولايات المتحدة ودول الخليج، والتي تفاقمت بسبب التناقض بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية خاصة وبين الولايات المتحدة تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقالت صحيفة "هآرتس" إن إسرائيل مهتمة بإقناع الإمارات والسعودية بزيادة إنتاجهما النفطي لتقليل اعتماد العالم على النفط الروسي. وأوضح البلدان العربيان مؤخراً أنهما غير مستعدين لزيادة الإنتاج، على الرغم من أن المسؤولين الإسرائيليين قالوا إن مثل هذه الخطوة ستكون مهمة.
أوكرانيا وإيران في قلب قمة النقب
وتواصل إسرائيل هذا الدور في قمة النقب، التي تهدف لمناقشة الخلافات والمخاوف المشتركة بخصوص أوكرانيا، وسيمنح بلينكن فرصة لإقناع حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط بالوقوف إلى جانب أمريكا في جهودها لعزل روسيا.
وسيلتقي وزراء الخارجية في وقت تصل فيه الجهود التي تدعمها الولايات المتحدة لتأمين اتفاق نووي جديد مع إيران إلى ذروتها. وسيتيح الاجتماع للمشاركين فرصة للإعراب عن مخاوفهم لبلينكن إزاء جوانب الاتفاق المقترح التي يرونها شديدة التساهل مع إيران، ولتشجيع واشنطن المشتتة على المساهمة بدور أكثر فاعلية في المنطقة.
ويقول موقع تايمز أوف إسرائيل: لقد شهدت اتفاقيات التطبيع توطيد كتلة دول الشرق الأوسط المهتمة بمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. وتأتي القمة الثلاثية على خلفية المحادثات النووية بين إيران والقوى العالمية في فيينا والتي يعتقد على نطاق واسع أنها على وشك التوصل إلى حل.
دور إسرائيل يتغير من قناة خلفية إلى وسيط علني
ترى صحيفة The New York Times الأمريكية أن إسرائيل طرف مهم في الساحة الدولية، حيث تلعب دوراً مهماً في عوالم التكنولوجيا والمراقبة الإلكترونية والعتاد العسكري، فضلاً عن كونها لاعباً دبلوماسياً مهماً قبل وقت طويل من إبرام اتفاقات التطبيع عام 2020. وقد كان يُنظر إليها في الماضي على أنها قناة خلفية لواشنطن، وبدأت علاقات سرية بين المسؤولين الإسرائيليين والخليجيين قبل عدة سنوات من الإعلان عنها عام 2020.
لكن قدرة إسرائيل على أداء دور وسيط علني رفيع بين الدول الأخرى- بدلاً من الاكتفاء بالحفاظ على علاقاتها الثنائية، أو تمرير رسائل سرية إلى واشنطن- تبدو جديدة.
فلم تصبح إسرائيل جسراً قوياً بين بعض الدول العربية والولايات المتحدة فحسب، بل أصبح بينيت أيضاً وسيطاً بين روسيا وأوكرانيا، حتى إنه سافر إلى موسكو هذا الشهر للتحدث مباشرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
يقول مايكل كوبلو، مدير السياسة في منتدى السياسة الإسرائيلية، ومقره الولايات المتحدة: "بصراحة، هذا تحول كبير".
وأضاف: "اعتدنا اعتبار إسرائيل قوة عسكرية إقليمية، ولنا أن نقول أيضاً إن إسرائيل قوة إلكترونية عالمية. لكنني أعتقد أن بينيت يفعل كل ما في وسعه لتصوير إسرائيل بأنها قوة دبلوماسية مهمة أيضاً، وحتى في المجالات التي لم تكن لتتصور أن تتدخل فيها إسرائيل في الماضي، مثل حرب في أوروبا".
دول الخليج تريد إقامة تحالف أمني مع إسرائيل
تقول إلهام فخرو، المحللة السياسية البحرينية، إن "دول الخليج ترى في لجوئها إلى إسرائيل حلاً منطقياً".
وأضافت: "الانطباع العام بأنها ترسل رسالة بإقامتها تحالفاً أمنياً جديداً، وتدفع العلاقة مع إسرائيل إلى العلن، ومن ثم ترسل رسالة إلى إيران، وبطريقة ما إلى الولايات المتحدة بأن هذه هي الأولوية الرئيسية. ولها الأسبقية على أي قضية محلية".
وقالت إلهام: "وعلى أي حال، لقد وجدت أنها لن تضطر لدفع ثمن كبير محلياً".
يقول المحلل السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله: "المسألة لا تقتصر على الرسائل فحسب. بل ثمة شيء ملموس، وهو مرتبط بالتنسيق الأمني والتنسيق السياسي والأشياء الأخرى التي قد تتبع ذلك".
ويقول يوئيل غوزانسكي، المسؤول الإسرائيلي السابق والخبير في شؤون الخليج في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي: "مع تحول الاهتمام الأمريكي إلى اتجاه آخر، أدرك القادة العرب أن إسرائيل شريك طويل الأمد، اقتصادياً وفي الحرب على إيران".
وقال: "إسرائيل عازمة على البقاء".