رغم أن العقوبات الاقتصادية الغربية تضرب الاقتصاد الروسي، فإن موارد الدولة من النفط والغاز تساهم كثيراً في تخفيف أثر العقوبات، ولها أثر واضح في رفع سعر الروبل، ومنع انهياره في السوق؛ بل إنها ساهمت في ارتفاع قيمة الروبل، ووصوله إلى أقل من 100 روبل للدولار، وهو أعلى مستوى له منذ أسابيع.
كما أن قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ ببدء بيع النفط والغاز للدول غير الصديقة بالروبل، بدلاً من الدولار أو اليورو؛ ساهم كثيراً في رفع قيمة الروبل.
وكان الروبل قد انخفض بداية مع العقوبات، ليحقق خسائر بنصف قيمته تقريباً، ثم عاد للارتفاع مرة أخرى لمعدل يعتبر أقل بـ30% مما كان عليه قبل الحرب، بحسب صحيفة Washington Post الأمريكية.
هذا الانخفاض ما زال ضربة كبيرة للروبل، وهي ليست الضربة الوحيدة؛ فالإجراءات الغربية حرمت بنوكاً روسية من التعاملات مع الخارج، أوقفت شركات الشحن نقل السلع إلى الموانئ الروسية، كما أن خروج الكثير من الشركات الغربية من روسيا يحرم الاقتصاد من وظائف كثيرة، وأخيراً فإن التضخم يرتفع في روسيا بمعدل 2% كل أسبوع؛ بحسب الصحيفة.
كيف استطاع المركزي الروسي معالجة الصدمة الأولى؟
يقول الخبير الاقتصادي والمالي الروسي، سيرجي أليكساشينكو إنه "يبدو أن الصدمة النفسية من الموجة الأولى من العقوبات قد ولت"، وإن السلطات الروسية ممثلة بالبنك المركزي، والبنوك الروسية، وعموم قطاع الأعمال؛ استطاعت تجاوز هذه الصدمة، بحسب صحيفة Washington Post.
كما استطاعت روسيا استغلال الاحتياج الأوروبي والعالمي لصادراتها من الطاقة لدعم اقتصادها، وتخفيف أثر العقوبات، ولعب البنك المركزي الروسي دوراً هاماَ في ذلك.
كما تستطيع روسيا فرض وجود عملتها في السوق؛ وهو ما ساعد على رفع قيمة الروبل بسبب أن العملة اليوم يتم تبادلها في السوق كأي سلعة أخرى؛ ولذلك فإذن سعرها يتحدد بناء على العرض والطلب، خاصة بعد قرار بوتين فرض شراء الطاقة الروسية بالروبل على الدول "غير الصديقة".
لذلك؛ فإذا اضطرت الكثير من الدول لشراء النفط الروسي بالروبل؛ فإنها عملياً ستكون مضطرة لشراء الروبل، ومن ثم شراء النفط الروسي بالعملة الروسية، أو الاضطرار لتصدير السلع لروسيا، وقبول تسلم ثمن هذه البضاعة بالروبل، لتستطيع شراء النفط والغاز لاحقاَ.
ومنذ أواخر فبراير/شباط، اشترط البنك المركزي الروسي على الشركات المصدرة للنفط والغاز أن تستبدل 80% من العملات الأجنبية التي تتسلمها من الخارج بالروبل الروسي، ما يعني رفع الطلب على الروبل محلياً.
لكن روسيا تريد فعل أكثر من ذلك؛ عن طريق إجبار الدول "غير الصديقة" على حد تعبيرها على دفع ثمن الطاقة الروسية بالروبل.
قيود على مبادلات الروبل
بدأ البنك المركزي -أيضاً- تطبيق قيود على بيع عملتها، لمنع الانهيار بسبب العقوبات، ولذلك يحذر اقتصاديون؛ بحسب صحيفة Washington post، من أن الروبل مقوم بأكثر من قيمته الحقيقية، لو كان يسمح بتداوله بصورة عادية في السوق.
وذلك يعني أن البنك المركزي لو رفع هذه القيود فإن الروبل سينخفض انخفاضاً كبيراً جداً، وهو ما تدلل عليه الأنباء عن ازدهار سوق سوداء للعملات الأجنبية في روسيا.
طبقاً لهذه الأنباء؛ فإن الدولار يباع في هذه السوق السوداء بين 140-200 دولار، وتزدهر هذه السوق على وسائل التواصل الاجتماعي.
لا حظر تجارياً شاملاً على روسيا
لم تكن السلطات الروسية تستطيع تحقيق هذه الإنجازات؛ لولا أن الغرب مضطر إلى عدم تطبيق حظر تجاري شامل عليها.
ورغم مطالبات أوكرانيا بتطبيق هذا الحظر الشامل على موسكو، فإن أهمية الغاز والنفط الروسي تمنع تطبيق مثل هذا الإجراء.
بدأت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بالفعل إيقاف مشتريات النفط والغاز الروسية؛ لكنهما دولتان لا تعتمدان في الطاقة على المصادر الروسية، في المقابل فإن كثيراً من الدول الأوروبية ما تزال تعتمد بشكل كبير على روسيا في مجال الطاقة.
لذلك تتردد هذه الدول في تطبيق حظر تجاري شامل عليها؛ بل إن الإجراءات الأمريكية والغربية عموماً تلافت تطبيق أي عقوبات على التعاملات المالية المتعلقة بالطاقة.
لم يكن هذا الإجراء خوفاً من انقطاع الإمدادات الروسية عن الدول المعتمدة عليها فقط؛ بل لضمان عدم انخفاض العرض بشكل كبير، ما يعني ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً، وهو ما يؤثر على العالم كله، حتى الدول التي لا تشتري من روسيا.
محاولات للتخلص من الاعتماد على روسيا
تعتبر روسيا المستفيدة الأولى من الاعتماد الكبير على نفطها وغازها في أوروبا، وتأثير فقدان إمداداتها على العالم بشكل عام؛ رغم أن موسكو ستتضرر أيضاً في حال منع صادراتها؛ لكون الغاز والنفط ركناً أساسياً في الاقتصاد الروسي.
لكن الولايات المتحدة؛ الأكثر حماساً لمعاداة روسيا، لن تضغط على الدول الأوروبية المعتمدة بشكل كبير على الغاز الروسي لوقف استيراده بشكل مباشر.
كما أن الاتحاد الأوروبي بدأ بوضع خطط لتخفيض استيراد الغاز من روسيا، لتصبح ثلث ما هي عليه الآن، وذلك في نهاية العام الجاري، لكن السؤال يبقى قائماً عن مدى قدرة دول الاتحاد على تنفيذ هذه الخطط بهذه السرعة.
يعلم الأوروبيون أن قطع مستوردات الطاقة الروسية بشكل مباشر ونهائي، يعني دخول أوروبا في مرحلة من الكساد، ووضع مئات آلاف الوظائف في خطر.