المطرب العصامي عبد العزيز محمود يعد واحداً من أهم الفنانين في تاريخ الموسيقى بمصر فترة الأربعينات والخمسينات؛ إذ امتلك موهبة متنوعة بين الغناء والتلحين والعزف والتمثيل، وصنع بعضاً من أشهر الأغاني في أرشيف الموسيقى في زمن الفن الجميل، رغم أن حياته لم تكن سهلة، خصوصاً مع وفاة والده واضطراره للعمل في سنٍ صغيرة، كما بترت قدمه في حادث عمل، لكنه رغم كل الصعاب صنع شيئاً مختلفاً في عالم الموسيقى.
عبد العزيز محمود.. طفولة صعبة وبتر قدمه
ولد محمود في سوهاج بالعام 1914، ثم في مرحلته الابتدائية توفي والده، وانتقلت العائلة إلى بورسعيد بسبب خلافات على الميراث، وبدأ يكتشف الطفل اختلاف شكل الموسيقى بين سوهاج وبورسعيد، ليس فقط الموسيقى ولكن اختلاف نمط الحياة بشكل عام؛ إذ دائماً ما جذبته الموسيقى باختلافها وتنوعها.
لكن الحياة كانت أصعب وأسرع من أن يلتفت طفل إلى موهبته؛ إذ عمل في شركة "شل" في بورسعيد حتى الحادثة الشهيرة التي تسببت في بتر قدميه من أسفل الركبة، لم تقف حياة عبد العزيز عند تلك المرحلة، ولكنه ارتدى طرفاً صناعياً، وبدأ في رحلة جديدة في العمل في التجارة في البحر، أو ما يعرف باسم "البمبوطية"، والتي سمحت له بالاهتمام بالغناء أكثر كهاوٍ، والغناء في أوقات الراحة وفي أفراح زملائه، حتى تأتي الفرصة ليصل إلى حلمه الأهم؛ الغناء والسفر إلى القاهرة، رغم معارضة الأهل بشدة لفكرة اتخذ الغناء شكلاً احترافياً وجدياً، ولم يقتصر على هواية بين الأصدقاء والمعارف.
السفر للقاهرة والوصول إلى الإذاعة المصرية
سافر إلى القاهرة لمتابعة قضايا رفعها عبد العزيز على شركة "شل"، والتي خسرها فيما بعد، ثم قرر التوجه للإذاعة وتنفيذ خطة كان أعد لها، ووصل إلى سكرتير مدير الإذاعة وقتها الإستاذ الموسيقار مدحت عاصم، وأبلغه أن قادم بتوصية من لطفي باشا بشارة من أعيان بورسعيد، فسمح له بالطبع بمقابلته واستمع إلى صوته وأعجب به واختبره أمام المايك، ثم سأله عن خطاب التوصية، فارتبك عبد العزيز وأقر بأنها كذبة بيضاء كي يستطيع مقابلته، فضحك مدحت لكنه اعتمده في الإذاعة عام 1934، كما جاء في بداية فيلم تسجيلي عن مسيرته على قناة ART.
انطلق عبد العزيز في عالم الغناء والتلحين، انطلاقة مدروسة ومخططاً لها، بداية من تعلم الموسيقى والبيانو، والاستماع إلى أشكال موسيقية شتى من كل مكان، بجانب التركيز على دخول عالم السينما كما نصحه صديقه المخرج سيد زيادة، بأن أحسن طريق للترويج لنفسه هو دخول عالم السينما، فمع منتصف الأربعينات كانت السينما هي النجم الأول والمؤشر الأول على النجاح ومعرفة الجمهور بك كمطرب.
عمل عبد العزيز في عدة أفلام ملحناً أو عبر ظهور بسيط كمطرب، حتى جاءت الضربة الكبرى بتقديم أغنية "يا نجف بنور" في فيلم "قلبي دليلي" بالعام 1947؛ إذ انتشرت الأغنية وحققت نجاحاً كبيراً مثل الفيلم، وأصبحت هي الأغنية الرئيسية في الأفراح لسنوات طويلة، وعلى إثرها أصبح عبد العزيز نجم الأفراح الأول في مصر؛ لدرجة أن ابنته "هويدا" قالت في أحد اللقاءات الصحفية: "إن الأفراح كانت تحدد مواعيدها بناء على جدول والدها".
استمرت مسيرة النجاح لعبد العزيز محمود، مع تقديم عدة أفلام سينمائية من بطولته، وكان بعضها من إنتاجه أيضاً؛ إذ أنشأ شركته الخاصة في العام 1951، ومن خلالها قدم أربعة أفلام: "خد الجميل"، و"مقدر ومكتوب"، و"علشان عيونك"، و"تاكسى الغرام"، وغنى عدداً من الأغاني الناجحة، مثل "تاكسي الغرام"، و"منديل الحلو" وغيرها من الأغاني.
لم يضع عبد العزيز محمود نفسه أيضاً تحت رحمة الملحنين، ولحن أغلب أعماله بنفسه، مما اأضاف لنفسه أجواء من الخصوصية، وأصبحت أغانيه منتشرة محققة نجاحات كثيرة في نهاية الأربعينات والخمسينات، ويعود الفضل له في اكتشاف إحدى نجمات السينما المصرية والغنائية، الفنانة نعيمة عاكف ولحن لها أول أعمالها في فيلم "ست البيت".
حياته الأسرية: تزوج 4 مرات، وأنجب 7 أبناء
أما عن حياته الشخصية، فقد تزوج 4 مرات، وأنجب 7 أبناء، رغم ملله من الزواج وسرعة الطلاق والزواج إلا أنه كان يحاول أن يكون بجانب أبنائه دائماً، وكان يعي فكرة التسويق لنفسه، وكيف يجد طرقاً جديدة للعمل، خاصة مع التغيرات التي تطرأ على المجتمع المصري، فمثلاً قدم في فترة أغاني "فرانكو آراب"، أو الكلمات الأجنبية التي استخدمت بالعربي، وكان أشهرها أغنية "لوليتا" بجانب أغانٍ مثل "حليمة"، و"حسن يا حسن"، و"لوران" وحققت نجاحاً كبيراً ورغم تصنيفه على الغناء الشعبي، استطاع تقديم ألحان وتوزيعات ممتزجة بين الألحان الشرقية والغربية.
ثم توجه من الغناء إلى الإعلانات
مع السبعينات وبداية تقديم إعلانات للسلع في التلفزيون المصري، كان عبد العزيز من أوائل المطربين والملحنين المشاركين في تلك التجربة، ولحن وغنى عدة إعلانات كان أشهرها "الميلامين جامد ومتين"، وأول إعلان عن "الجبنة النستو" و"دفاتر التوفير"، كما أوضح ابنه هشام في أحد الحوارات الصحفية معه.
مع الثمانينات بدأت الأضواء تخفت ويختفي تدريجياً من على الساحة الفنية، لكن ظلت بعض أعماله خالدة حتى وقتنا ذلك، رغم وفاته في العام 1991، لكن لم يحضر أي من الفنانين جنازته إلا الفنان نور الشريف كما أوضح ذلك ابنه هشام في الحوار المشار له مسبقاً.
قد يهمك أيضاً: شُلَّ والدها لما عرف بدخولها عالم الفن، واعتزلت بعد إصابتها بالعمى: محطات من حياة عقيلة راتب