قبل أيام، أعلن الرئيس قيس سعيّد تشكيل المجلس الأعلى المؤقت للقضاء في تونس، والذي تضمن أسماء قال الرئيس إنه "تحرى وتقصى عنها قبل اختيارها حتى تكون في المستوى".
مباشرة بعد تعيين الرئيس التونسي للمجلس المؤقت الأعلى للقضاء، بدأ "عربي بوست" في البحث اعتماداً على مصادره الخاصة عن الأعضاء الذين شكلوا هذا المجلس المؤقت.
ويتكون المجلس الأعلى المؤقت للقضاء في تونس من 3 مجالس مؤقتة للقضاء، وهي القضاء العدلي، والقضاء الإداري، والقضاء المالي ولكل مجلس 7 مقاعد.
وتضمّنت تركيبة المجلس الأعلى المؤقت للقضاء في تونس، قضاة مباشرون بصفاتهم، وقضاة متقاعدون فقط، فيما تمّ إلغاء عضوية المحامين والأساتذة الجامعيين والخبراء الذين كان لهم ممثلون في المجلس الأعلى للقضاء السابق.
المنصف الكشو.. موظف بصيغة قاضي
لفظ "الموظف" هو الوصف الذي أطلقته مصادر "عربي بوست" خلال وصفها لمصنف الكشو، رئيس المجلس المؤقت للقضاء العدلي الذي عينه الرئيس قيس سعيد قبل أيام.
تقول مصادر "عربي بوست" إن "الرجل لا لون سياسي له ولا أيديولوجي، ويُعتبر مثالاً للموظف العمومي في تونس الذي تدرّج في مساره المهني، إذ بدأ عمله في سلك القضاء قبل 38 سنة، وهو اليوم يتقلّد أعلى درجة قضائية في البلاد".
اختيار المنصف الكشو من طرف الرئيس قيس سعيد لم يكُن بالصُدفة، فالرجل يُوافق الرئيس في رؤيته لمهمة القضاء، كونه وظيفة يمارسها القاضي، هذا الأخير الذي لا يملك أي سلطة، ويبقى موظف يُمكن للسلطة التنفيذية أن تُنهي مهامه.
وليست المرة الأولى التي يختار فيها قيس سعيّد المنصف الكشو، إذ سبق واختاره في أكتوبر/تشرين الأول 2021 رئيساً لمحكمة التعقيب في تونس، خلفاً للطيّب راشد، القاضي المثير للجدل الذي تم إيقافه عن عمله.
وبصفته رئيساً أولاً لمحكمة التعقيب في تونس التي اكتسبها رسميّاً بعد مصادقة الرئيس قيس سعيد، وجد الكشو نفسه رئيساً للمجلس المؤقّت الذي نصّبه سعيد خلفاً للمجلس الذي قرر حلّه.
مهدي قريصيعة.. قاضي البلاط
إن كان رئيس المجلس الأعلى المؤقت للقضاء المنصف الكشو معروفاً كموظّف، فإن الرئيس الأول للمحكمة الإدارية عبد السلام مهدي قريصيعة كان محلّ انتقادات حتى قبل 25 تموز/يوليو 2021، التاريخ الذي أعلن فيه سعيّد عن إجراءات استثنائية.
وتفادى قريصيعة الخوض في أي مسألة لها جوانب سياسية منذ توليه رئاسة المحكمة الإدارية في 1 أبريل/نيسان 2016، ورفض البتّ في القضايا السياسية، فوصفته منظمة "أي ووتش"، أحد المنظمات المعروفة في تونس بمحاربتها للفساد بـ"قاضي البلاط" الذي يُهادن السلطة ويمتنع عن إثارة غضبها.
وبعد 25 يوليو/تموز 2021، تاريخ تعليق الرئيس التونسي لعمل البرلمان وصلاحيّاته وانطلاق مسار جمع كل السلطات بين يديه، واصل قريصيعة في نفس النهج، تفادي الخوض والصمت على القضايا المرفوعة ضد رئيس البلاد.
ورُفعت أمام قريصيعة العشرات من القضايا ضد الرئيس قيس سعيّد، من بينها والطعون التي رفعها العشرات من المعنيين بقرارات الإقامة الجبرية والمنع من السّفر دون حكم قضائي.
إلا أنه في سبتمبر 2021، أكدت رفقة المباركي رئيسة اتحاد القضاة الإداريين خلال ندوة صحفية وجود ضغوط تُسلّط على رئاسة المحكمة الإدارية التي تختصّ بالنظر في الطعون في قرارات المنع من السفر التي شملت العديد من الشخصيات السياسية والنواب دون أحكام قضائية ووضع البعض الآخر تحت الإقامة الجبرية.
نجيب الكتاري.. عدوّ الأحزاب
أما الرئيس الأول لمحكمة المحاسبات نجيب الكتاري، الذي يشغل بصفته تلك منصب نائب رئيس المجلس الأعلى المؤقت للقضاء، فالمعروف عنه أنه تقنيّ وغير مُسيّس كما أنه يُهاجم الأحزاب والشخصيات السياسية باستمرار بسبب "عدم التزامها بالقانون خلال تمويل حملاتها الانتخابية وحتى خلال الإنتخابات".
ويعتمد الرئيس التونسي قيس سعيد في مهاجمته للأحزاب والشخصيات السياسية بصفة أساسية على تقارير محكمة المحاسبات كحجّة دامغة على فساد النخبة السياسية التي قام بعزلها منذ 25 تموز/يوليو 2021.
فقد كان المرجح فور إعلان قرارات 25 تموز/يوليو التوجه مباشرة الى ما يقول عنه الرئيس قيس سعيد "ترتيب الآثار القانونية لتقرير محكمة المحاسبات وما تضمّنه من خروقات في التمويل تبلغ عقوبتها إلغاء المقعد الذي تحصل عليه حزب أو ائتلاف ما..".
وكان سعيد دائم الاستقبال لنجيب الكتاري الذي تقلد منصب رئيس دائرة الحاسبات في يونيو/ حزيران 2017، للحديث عن فساد النُخبة السياسية التي يشغل أغلبها صفة نائب في البرلمان كما يقول سعيد قبل تجميده.
خاضعون بالنصّ
شكري عزّوز، المحامي المختص في الشأن القضائي قال إنه "إن الرئيس حسم اختيار جميع أعضاء المجلس الأعلى للقضاء المؤقت في تونس، باعتبار أن الفصل 19 من قانون المجلس المؤقت يُعطي للرئيس صلاحية التسمية في المناصب القضائيّة العليا.
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "تلك المناصب السامية في القضاء هي منصب الرئيس الأول لمحكمة التعقيب، والذي يشغل بصفته رئيس المجلس الأعلى للقضاء، ووكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب".
وأشار المتحدث إلى أن "هذه المناصب تُخوّل لمن يُعيّن بها تقلّد منصب آلي في المجلس الأعلى للقضاء في تونس بصفته، ما يجعله متحكّماً بصفة غير مباشرة في كل تركيبة المجلس، وليس فقط الجزء المتعلق للمتقاعدين".
بالنسبة لولاء التركيبة الحالية للمجلس الأعلى المؤقت للقضاء، فقد قلل المختص في الشأن القضائي من أهمّيتها نظراً لأن كل الصلاحيات بيد قيس سعيد.
ووفق عزّوز فإن تركيبة المجلس الأعلى المؤقت للقضاء مُوالية بالتمام لقيس سعيد، وخاضعة بالنصّ لسلطته، وهو الذي تعمّد الخلط بين المجلس الأعلى للقضاء وبين القضاء بصفة عامة.
واعتبر المتحدث أن "الرئيس سوّق أن الفساد والمشاكل التي يعيشها القضاء في تونس مردّها طريقة عمل المجلس الأعلى للقضاء، في حين أنه غير صحيح، لأن المجلس الأعلى للقضاء يتدخّل في المسار المهني للقضاة، ولا دخل له في القضايا المنشورة أمام المحاكم".
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”