يراها المجتمع جريئة ووقحة! ماذا يعني أن تعيش فتاة عربية بمفردها في بلاد الغربة؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/15 الساعة 11:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/15 الساعة 11:05 بتوقيت غرينتش

تسقط هنا جميع المعاني وتتلاشى معها جميع التعريفات والمصطلحات التي تشرح معنى السفر والهجرة، ويقال عنها الغربة لأنك تغدو غريباً منسياً، من امرأة تبحث عن الاهتمام،  لأنثى تقف وحدها دون لغة أو خارطة، فجأة يختفي كل من حولها  لتضع نصب عينيها ذلك الماضي الذي قصم ظهرها فهو الحافز الأكبر لكي تقاتل، وتصنع بدايات جديدة وتكون هي صاحبة القرار بل  كل معاني الحياة ما لها سواها.

لعله غريب بعض الشيء على المرأة العربية أن تركب الطائرة وتغادر، لم تعتَد المجتمعات الشرقية على هكذا ظواهر، ولكن شئنا أم أبينا هي موجودة ومنذ القدم، ليس لديهن تعريف محدد هل هن على صواب أم على خطأ؟

تحمل أكياساً وحدها، تجر حقائبها، تسير بسرعة، لتقوم بحسابات شهرية وأسبوعية، ثم تجادل مع تاجر هنا وسمسار هناك، تفكر وتراقب لتتعلم، إنها الغربة ببساطة.

تعارضها العادات والتقاليد وبشدة لكن أمام قهر الحياة تسقط تلك العادات.  قرار صعب ومربك أن تصل فيه من يعرف أنها تحمل على عاتقها  تربية أطفال أو من  تحلم بفستان عرس وحفل زفاف أن تأخذ قراراً بالرحيل دون رجل أو عائلة، متجاهلة أحلامها الزوجية الوردية، يستهجن كل من حولها قرارها وتكثر الصفات التي ترمى بها بين القوية والجريئة والوقحة، لكن الواقع هو أن تلك المرأة قد وصلت لآخر النفق، ذلك النفق الذي اختفى منه آخر بصيص ضوء وأمل، فهل تستسلم

لطالما امتلكت المرأة في الحياة قرارات محدودة، بالإضافة  إلى اعتمادها على الرجل الذي يرتبط دائماً بشعورها بالأمان، بالطبع ليس خطأ لكنه مبالغ فيه قليلاً، فهي تملك أيضاً مفاتيح الأمان والاستقرار والعلم، تقلب الطاولة ومعها أهدافها وأحلامها، فهي المرأة  التي تفيض حباً وصبراً، وفي أحلك الصعاب وأمام تحديات الحياة تحمل حقائبها وتسافر بعيداً لتجد ضالتها وبدائلها.

 فتاة عربية

يتطلب قرار الهجرة من الرجل بعض التفكير لكنه جريء بطبعه لا تشوبه شائبة، فيسارع لصنع المستقبل بين أشواك الغربة ومآلاتها، لكن المرأة يتطلب قرار الهجرة منها كثيراً من التخطيط والتفكير، خاصة أن طريق الزواج دائماً مفتوح أمامها والتي تختاره لمعالجة مشكلاتها لكنه بحد ذاته رحلة مألوفة حتى وإن كانت غير مضمونة في المقابل يعد السفر بالمغامرة غير الاعتيادية وغير المألوفة.

السفر هو فرصة جديدة، بداية أو ربما تجربة وكأن المرأة تعيد ترتيبها من جديد ربما تصيب أو تخيب ولكن في جميع الأحيان عليها الاستمتاع لكي تنسى كل الصعوبات والتحديات، فالسفر والهجرة هما تماماً كالحياة، صعبة ومضنية ولكن لا تخلو من المتعة والتجديد، هي ليست الحياة المثالية ولا مال يقطف من الشجر بل هي جبال شاهقة كلما صعدتها ترى العالم أوضح.

ترى في عيون النساء الكثير من الحكايا والألغاز، منهن من فقدن الطريق وأضعن البوصلة، ومنهن من سلكن نهج التفوق والنجاح والاجتهاد سواء كانت باحثة عن علم أو عمل أو لاجئة، فالصعوبة ليست في الطريق بل بكونها امرأة وحدها، حضورها يزعج البعض ومطمع الكثير، لكنها قوية إن أرادت ذلك، تقف على قارعة الطريق وحدها لتسأل، لكن الإجابة ليست سهلة وبعض الإجابات تكون من أين أنتِ؟ وأين تسكنين؟

المرأة في بلاد الاغتراب ستشتغل فيما لا تحب وتصبر على الكلمات والنظرات، ستتحدث مع من لا تحب وتصبر كثيراً،  إنه الجهاد للوصول إلى الهدف المنشود من الهجرة،  فالهجرة والغربة دون خطة أو هدف ستظل فوضاوية ويستمر مسلسل الضياع طويلاً.

ليس فقط الناس ومن حولها غرباء بل حتى الشارع والحجر والهواء، ليست مبالغة إن قلت الطيور والقطط حتى الشمس والبحر والغيوم  كأنه عالم آخر، يلتصقن بأول بيت ويسارعن لنسج منه حالة من الوطن الأم، ولكن شتان، أفضل ما تفعله المرأة هو أن لا تعتاد عدم التعود هو بحد ذاته  قوة، فأنتِ جاهزة للمفاجآت والتجديد.

عليها أن تتحدى كل شبر وتجهز نفسها لتسلك رحلة الاندماج الطويلة التي ربما ستستمر لأشهر وسنوات لكي تندمج بمجتمع جديد لغة وأناس.

إرادة المرأة صلبة وتسابق الحياة كمن يولد من جديد ففي الهجرة تتعلم طبخات جديدة، تصادف أصدقاء جدداً تتعلم اللغة والعادات والتقاليد تزور الجيران وتتعرف على كل زقاق  حولها  لا تترك شيئاً يفوتها حتى حبات المطر تلاحقها بعينيها.

 فتاة عربية

تلازمها الوحدة لتتعلم فنونها وتعتاد عليها لتصبح جزءاً منها، ستتعلم كيف تذهب لمطعم وحدها، تجلس على طاولة وأمامها كرسي فارغ، ستعتاد على النادل يسألها هل تنتظرين أحداً؟ ستجلس في مقهى وحدها في الحديقة وفي الباص ستشتري كل شيء وحدها، وإن تعبت أو حزنت ستتعلم كيف تراضي نفسها وتعالجها.

فالغربة تقرب المرأة من نفسها أكثر لتفهم مكنوناتها ومتطلباتها بعيداً عن ضجيج المجتمع والمقارنات السخيفة التي توضع بها مرغمة؛ لتدرك أنها مختلفة وتفهم ماذا تريد!

لا تسافر المرأة فقط من أجل المال، فكثير من الأحيان لا يكون المال من أولوياتها كالرجل الذي يصبر ويهاجر من أجل جمع الثروة، وبذلك تفتح عينيها على ما لا يراه  الرجل.

النساء يتفوقن على الرجال في التفاصيل الصغيرة، تراقب المرأة المهاجرة الأبنية الشاهقة أو حتى تصاميم الأزياء الجديدة والروائح  والسيارات، تدرك مجتمعها البديل وتغيراته، نقاط ضعفه وقوته، وتقوم بالمقارنات المعقدة بين مجتمعها الشرقي والجديد، لتخرج بالنتائج القريبة للواقع.

الخوف والتردد حاضران أيضاً فالمرأة ليست مثالية وبالطبع تملك الكثير من المشاعر السلبية فهي تحارب على شتى الجبهات، الخوف الذي يلاحقها من أبسط الأمور والصعوبات الجديدة. لكنها في النهاية  تعرف كيف تحمي نفسها ومتى تنطلق لتكون حرة، كل ما تحتاجه  قليل من الانسيابية والحذر.

 لا أحد يتحدث عن النساء العربيات في بلاد الغربة! كيف يجاهدن وحدهن وينتصرن، ويغيرن واقعاً وعالماً. هن موجودات في كل مكان إنهن نساء الظل. لقد خاطرن على امتداد قرون بالسفر، ومنهن العالمات والمحاربات والكاتبات والأثريات والجغرافيات والصحفيات وتجرأن على ركوب الطرق والمحيطات، لكنهن  تُركن في الظل ومُحين من الصورة، سواء أكنّ مغامرات أم جامعات ثروة أم خادمات.

ينجحن بعيداً عن الأنظار تماماً مثلما هاجرن، فالمرأة المهاجرة حصلت على معرفة مضاعفة وخبرة كبيرة في شتى مجالات الحياة، فالهجرة في حد ذاتها قوة وصلابة واستعداد نفسي لمجابهة الحياة القاسية، ليس هناك شيء مضمون ولا شيء ثابت كله على المحك تستعد للطرد في أي لحظة، وأمام  تلك التحديات تصر على السير في طريق الهجرة؛ لأنها أحياناً تحمل في طياتها آمالاً جديدة.

بكل بساطة هنالك اللواتي يبحثن عن السعادة، ففي البلد الأم لم تجد حلمها أو بهجتها المنشودة فاختارت السفر لمجرد رغبتها بأن تشرق وتعطي أكثر في هذه الحياة، فالثقة هنا بقدراتها العلمية وموهبتها عالية، وكي لا تندحر قدراتها اختارت الدرب الأصعب، بغض النظر عن أسباب هجرة النساء عامة والعربيات خاصة أن من حقهن حياة أفضل مهما كان الهدف مالاً أو أماناً أم حباً وسعادة!  هي المرأة حاضرة وبقوة بين جموع المهاجرين في البحر أو في السماء.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

هانم جمعة
كاتبة لبنانية مهتمة بالأدب والسياسة
حاصلة على ماجستير في الإعلام من جامعة بيروت العربية، مجازة أيضاً في التربية الرياضية، وعملت في عدة وسائل إعلام كمتدربة أو بالقطعة، ثم عملت في مجال التعليم والتدريب الرياضي، وكذلك لاعبة منتخب لبنان في كرة الطاولة، وأتطلع دائماً للعمل في المجال الإعلامي. وأطمح الآن لكتابة روايتي الأولى.
تحميل المزيد